منذ 120 ألف عام بما يعرف الآن بشمال السعودية، توقفت مجموعة صغيرة من الإنسان العاقل للشرب والأكل في بحيرة ضحلة كانت ترتادها أيضا جمال وفيلة أكبر من أي نوع نراه اليوم.
وربما يكون البشر اصطادوا الثدييات الكبيرة، لكنهم لم يبقوا طويلا هناك، مستخدمين برك المياه كنقطة طريق في رحلة أطول.
وأعاد الباحثون بناء هذا المشهد التفصيلي في دراسة جديدة نُشرت في مجلة Science Advances يوم الأربعاء 16 سبتمبر، بعد اكتشاف آثار أقدام بشرية وحيوانية قديمة في صحراء النفود الكبير التي ألقت ضوءا جديدا على الطرق التي سلكها أسلافنا القدامى أثناء انتشارهم خارج إفريقيا.
واليوم، تتميز شبه الجزيرة العربية بصحاري قاحلة شاسعة كانت غير مضيافة للناس الأوائل والحيوانات.
لكن الأبحاث التي أجريت على مدار العقد الماضي أظهرت أن هذا لم يكن دائما هو الحال، نظرا لتغير المناخ الطبيعي، فقد شهدت ظروفا أكثر اخضرارا ورطوبة في فترة تُعرف باسم آخر عصر جليدي.
وكانت شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت أقرب إلى الأراضي العشبية شبه القاحلة في السافانا الإفريقية الحديثة.
وقال المؤلف الأول للورقة ماثيو ستيوارت من معهد ماكس بلانك للبيئة الكيميائية في ألمانيا، لوكالة فرانس برس، إن آثار الأقدام اكتُشفت خلال عمله الميداني للدكتوراه في عام 2017 بعد تآكل الرواسب التي تعلوها في بحيرة قديمة يطلق عليها اسم الأثر بالعربية.
وأضاف أن “آثار الأقدام هي شكل فريد من أشكال الأدلة الأحفورية من حيث أنها تقدم لقطات في الوقت المناسب، وعادة ما تمثل بضع ساعات أو أيام، وهي دقة لا نحصل عليها من السجلات الأخرى”.
ووقع تأريخ الآثار باستخدام تقنية تسمى التلألؤ المحفز البصري، وهو تفجير الضوء على حبيبات الكوارتز وقياس كمية الطاقة المنبعثة منها.
وفي المجموع، تم تحديد سبعة من مئات الآثار المكتشفة على أنها أشباه البشر، بما في ذلك أربعة تم تفسيرها، نظرا لاتجاهها المماثل، والمسافات عن بعضها البعض والاختلافات في الحجم، على أنها شخصان أو ثلاثة أفراد يسافرون معا.
ويجادل الباحثون بأن هؤلاء ينتمون إلى البشر المعاصرين تشريحيا، على عكس إنسان نياندرتال، على أساس أن أبناء عمومتنا المنقرضين لم يكن معروفا وجودهم في منطقة الشرق الأوسط الأوسع في ذلك الوقت.
وقال ستيوارت: “نعلم أن البشر كانوا يزورون هذه البحيرة في نفس الوقت الذي كانت تتواجد فيه هذه الحيوانات، وعلى غير العادة بالنسبة للمنطقة، لا توجد أدوات حجرية”، ما يشير إلى أن البشر أقاموا مستوطنة طويلة الأجل هناك.
وتابع: “يبدو أن هؤلاء الناس كانوا يزورون البحيرة بحثا عن الموارد المائية ولمجرد البحث عن الطعام في نفس الوقت الذي يزورها فيه الحيوانات”، وربما لصيدهم أيضا.
وكانت الأفيال، التي انقرضت في منطقة بلاد الشام المجاورة منذ نحو 400 ألف عام، من المفترض أن تكون فريسة جذابة بشكل خاص، كما يشير وجودها أيضا إلى موارد المياه العذبة الوفيرة والمساحات الخضراء.
وبالإضافة إلى آثار الأقدام، تم العثور على نحو 233 حفرية.
وأوضح ستيوارت إنه كان معروفا سابقا أن البشر الأوائل انتشروا إلى أوراسيا عبر جنوب اليونان والشام، مستغلين الموارد الساحلية على طول الطريق، لكن البحث الجديد أظهر أن “الطرق الداخلية، التي تتبع البحيرات والأنهار، ربما كانت ذات أهمية خاصة أيضا”.
وأضاف كبير مؤلفي الدراسة مايكل بيتراجليا من ماكس بلانك: “إن وجود الحيوانات الكبيرة مثل الفيلة وفرس النهر، جنبا إلى جنب مع الأراضي العشبية المفتوحة والموارد المائية الكبيرة، ربما جعل شمال الجزيرة العربية مكانا جذابا بشكل خاص للبشر الذين ينتقلون بين إفريقيا وأوراسيا”.