بصراحة شديدة أود مناقشة مشكــلاتـــك صديقـــي الشــاب، وكل ما يدور بذهنك مع محاولة تقديم حلول عملية وبسيطة لكل مشكلة.
هل تعرضت من قبل لموقف لم تستطع أن تجد له تفسيــراً منطقياً، أو لمعضلة لا تستطيع فهمها، ولا تقدر على حلها؟ كمرض أحد الأقرباء، أو حادث مأساوي أو… إلخ . لقد حدث هذا الأمر لي – أكثر من مرة – وبصراحة لم أتمكن دائماً من الوصول لرد منطقي على الأسئلة التي دارت في ذهني… قد تبدو كلماتي غامضة ومبهمة وربما تبدو مُحبطة؛ لأنك كقارئ تتوقع أن تقرأ إجابات، لا تساؤلات! أعلم ذلك.. ولكن إذا فكرت كثيراً فلابد أنك ستكتشف أن العالم ممتلئ بالكثير والكثير جداً من الأسئلة التي لا نستطيع نحن، ولا يستطيع أحد الإجابة عليها.موقع طرطوس
فكيف تدور الأرض حول نفسها مرة كل أربعة وعشرين ساعة؟ وكيف تدور حول الشمس مرة كل عام؟ ولماذا نواجه في حياتنا الكثير من المشكلات والحوادث والأمراض، التي لا نستطيع أن نفعل بشأنها أي شيء؟
ربما!
ربما يكون العلم، قد تمكن من الإجابة على بعض أنواع الأسئلة بشكل أو بآخر، ولكن لا شك في أنه بشكل عام، لن يتمكن من الإجابة على كل شيء؛ لأن تلك هي سُنة الحياة. فنحن البشر كائنات محدودة، وعلى الرغم من ضخامة كمية المعارف والمعلومات المتراكمة منذ فجر التاريخ وحتى الآن في كل المجالات، إلا أنه ستظل هناك تساؤلات بلا إجابــة! والمشكلـــة بصراحـة أننا نحن الشباب كثيراً ما نتظاهر بالمعرفة وندّعي أن لدينا الإجابة على كل الأسئلة. فنحن ننظر لأنفسنا على أننا علماء فطاحل، ونتحدث بكبرياء ظناً منا أننا على صواب، وظناً منا أننا نمتلك كل الإجابات لكل الأسئلة. وحين نكتشف أن هناك معضلة إنسانية لا يمكننا الإجابة عليها، يكون لنا رد فعل آخر، هو مجرد الهرب من محاولة الإجابة عليها أو تجنب المشكلة وتجنب الحديث عنها. فلا شك أننا أحياناً نواجه معضلات، قد لا يمكن الإجابة عليها بشكل مثل: لماذا أصيبت أختي الصغرى بالسرطان دون جميع صديقاتها؟ ولِمَ لا أجد عملاً حتى الآن، رغم أنني إنسان طيب ومتدين ومسالم؟موقع طرطوس
ورغم أنني أعرف أنه قد لا يمكن الإجابة على تلك الأسئلة، وما قد يشابهها بجواب شافي أبداً إلا أنني أتمنى أن نتعلم – كشباب – أن نواجه الأسئلة الحياتية الكبيرة بدلاً من الهروب منها.
أفكار…
رغم تلك الأفكار التي سأشاركها معكم أصدقائي الشباب، لن تكون هناك إجابة سحرية سهلة للرد عــلى كل التساؤلات الصعبة، ولا لفك شفرة الأسئلة عسرة الفهم، إلا أنني أتمنى أن تكون مفيدة في تعليمنا كيفية الحياة فوق التحديات، وليس تحتها. وأرجو أن تساعدك على تعلم مواجهة الأسئلة حتى لو لم تجب عليها بشكل قاطع.
* المعرفة: أعتقد أن أول خطوة يجب أن نتعود على اتخاذها حين نُواجَه بسؤال أو معضلة من هذا النوع، هي المعرفة. لنتضع ونعترف بجهلنا ببعض الأمور أحياناً ونحاول معرفة ما ينقصنا من معلومات، ونحاول معرفة ما لا نعرف. فالمعرفة المتعلقة بأمر معين هي نور يضيء العقل ويقوده للأفضل كل يوم. يجب أن نبذل مجهوداً في محاولة الوصول لإجابـــات، ولنعرف ما لا نعرفــــه عن أزمتنا.. فقد نجد الإجابة على السؤال الصعب في صفحات كتاب.. حاول البحث عن إجابة السؤال، بسؤال الآخرين الأعلم منك في مجال السؤال، أو بالقراءة في المجال بنفسك، سواء كان روحياً أو طبياً أو عملياً، فمصادر المعلومات متاحة في هذا العصر أكثر من أي وقت مضى.موقع طرطوس
* الإتجاه الإيجابي:
قد لا تجد إجابة لسؤالك بعد البحث والتمحيص، وهنا يجب أن تتعلم التعامل مع الأزمة ومحاولة التعايش معها باتجاه إيجابي قانع. لا تستسلم بل حاول دائماً التقدم للأمام، وحاول دائماً حل المعضلة، ولكن إن لم تنجح، فلتتمسك باتجاه إيجابي نحو الحيــاة، ونحــو موضـع الألـم أو الأزمـة. الشـيء الوحيـد الـذي لا يمكــن لأي أزمـة أو تحـدٍ أو تساؤل أن يسلبه منك هو قرارك الداخلي أن تبقى إيجابياً، وتتوقع الخير. فحتى لو كان أحدهم في عائلتك مصاباً بمرض خطير وينتظر الموت خلال أيام، فلا تدع الحياة تتوقف عند هذه النقطة… قد يتمكن المرض من أن يهزم جسدك، ولكن لا تدعه يتمكن من أن يهزم روحك. كن إيجابياً، متوقعاً للخير وبإقبال على الحياة. أعلم أن هذا صعب، ولكنني أعلم أيضا أنه ليس مستحيلاً، ولكي تستمر في اتجاهك الإيجابي لابد من أن تتعلم.موقع طرطوس
* التسليم:
ففي بعض الأحيان يجب أن تقف بقوة في وجه الأمواج وتقاومها وقد تنجح بالتصميم، وبمعونة الله، وباتجاهك الإيجابي في حل مشكلتك، ولكن في أحيان أخرى- حين تواجه مشكلة أكبر منك ولا يمكنك حلها- يجب أن تتعلم الاستسلام للأمواج. وأنا لا أقصد الاستسلام السلبي وإنما أقصد التسليم الإيجابي، والذي هو إدراكي أنني يجب ألا أبدد مجهودي الذهني وطاقتي في حرب لن أكسبها، أو في محاولة الإجابة على أسئلة لن أتمكن من الإجابة عليها. والتسليم يعني باختصار اختيار التكيف والقناعة بالأوضاع التي حاولت تغييرها مرات ولم أعرف كيف أغيِّرها للأفضل، أو التي فشلت في محاولاتي لحلها أو تحسينها. فاسترخِ مع الأمواج واستسلم بقناعة إيجابية بأنك قد حاولت بأقصى ما تستطيع، ولن تغرق بل على العكس ستحملك الأمواج فوقها وستبدأ حقاً في الاستمتاع.موقع طرطوس
*الإيمان بقدرة السماء:
وهو التسليم الإيجابي لله، ودعوته بإيمان ليتداخل في أمورنا حينما يشاء، بشكل مستمر، واثقين في أنه يحبنا ويعمل على الدوام لخيرنا وتعليمنا من خلال الحلو والمر على حد سواء. لا تفقد إيمانك أمام تحديات الحياة، بل دعه يزداد قوة وشدة.موقع طرطوس
أعلم أنك بعد محاولة القيام بكل تلك الاقتراحات، ربما ستنجح في العثور على الطريق لمواجهة أسئلتك الصعبة، وعلى الرغم من أنني قد لا أتمكن من اقتراح شيء آخر في هذا الحيز الضيق، إلا أنني أحب أن أقول لك يكفيك شرف التفكير، ومحاولة المواجهة، ومحاولة التصدي للأسئلة الصعبة.. فالمواجهات تصنع العظماء.. فلا تستسلم أبداً.