يعتقد كثير من الناس أن الطفل في شهوره الأولى، كائن سلبي لا يتأثر بالآخرين، في حين يؤكد المختصون أن لنمو الوليد صلة وثيقة جداً بفترة الحمل، وهو ما زال جنيناً بعد في رحم أمه!! وثمة عوامل أخرى تسهم في التأسيس المبكر لمعالم شخصيته وملامح سلوكه، كالاستعدادات الوراثية والمؤثرات البيئية وأساليب الثواب والعقاب التي يتعرض لها من أبويه..
ولكن، لنبدأ الرحلة من خطواتها الأولى، وهي الأشد إثارة، بسبب تناقضها مع الأوهام الشائعة عن مرحلة الجنين. فالجنين -كما ثبت علمياً- يتأثر بعدة عوامل، أهمها:
– مستوى الصحة العامة للأم. – مستوى التغذية عند الأم: مما نعرف أن الجنين يحصل على الدم مباشرة من الأم وهو يحمل كل عناصر التغذية التي تتناولها الأم، فكلما كان الغذاء غنياً بالعناصر ومكتملاً كان النمو طبيعياً، والعكس تماماً. – خلو الأم من الأمراض المزمنة التي تؤثر وبصفة خاصة على الدورة الدموية مثل ضغط الدم – السكري – الفشل الكلوي… إلخ. – الحالة النفسية للأم: فهناك أجهزة كثيرة مرتبطة بالحالة النفسية مثل الجهاز المناعي، والعصبي، والهرمونات. فإذا كانت الأم غيرمرتاحة وتعاني مشاكل نفسية فإنها ستعاني سلسلة من العمليات الفسيولوجية التي تؤدي إلى نقص في إيصال الغذاء والهرمونات المهمة لنمو الجنين.
بالإضافة إلى الحالة النفسية هناك الراحة الجسمية فهي تلعب دوراً كبيراً في نمو الجنين، فإذا كانت حركة الأم كثيرة ومجهدة مُعظم اليوم فإن كمية الدم التي تصل إلى الجنين تقل بدرجة ملحوظة، وكذلك كمية التغذية الموجودة في الدم نظراً للانشغال وعدم تناول الغذاء الكافي والمتكامل.
بينما عندما تكون الأم في حالة استرخاء جزءاً من اليوم فإنه سيكون هناك زيادة في ضخ الدم للجنين وتركيز بعض العناصر الغذائية في الدم بفعل الهرمونات التي تفرز من الأم في هذه الحالة، مما يساعد على نمو الطفل، وهذه أمثلة ملحوظة في المجتمع.
– الهرمونات التي تؤثر على نمو الجنين كثيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر هرمون الأنسولين الذي يعتبر من أهم الهرمونات، لذا نرى الطفل المولود لأم لديها مرض سكر يكون وزنه فوق 4 كجم، وذلك بسبب زيادة الأنسولين عند الجنين، وكذلك ما يسمى بالهرمونات المشابهة للأنسولين IGFI, IGFII التي تلعب دوراً هاماً في النمو، أما هرمون النمو فتظهر آثاره بعد الولادة فقط.
لذا، ونظراً لارتباط النمو بعد الولادة بالنمو قبل الولادة نوجه النصيحة للأمهات بمحاولة أخذ قسط من الراحة الجسدية والنفسية أثناء الحمل وعدم تناول المنبهات بكثرة، ومحاولة الاكتشاف المبكر للالتهابات وعلاجها تحت إشراف الطبيب المختص، بالإضافة إلى تناول الوجبات الغذائية المحتوية على أكبر عدد ممكن من العناصر الغذائية واستعمال الفيتامينات والعناصر الموصوفة من قبل الطبيب المعالج، حتى يكون هناك نمو متكامل للجنين، وأخيراً عدم تناول أي أدوية مهما كانت إلا بعد استشارة الطبيب. التخطيط للإنجاب ينبغي للذين يخططون لإنجاب طفل أن يعلموا بأن هذه العملية تتطلب المزيد من الجهد والمعرفة، هذا إذا كانوا حريصين على صحة هذا الوافد الجديد بدنياً ونفسياً! نعم نفسياً، فالجنين يتأثر بمزاج والدته ونفسيتها.
إذ إن دوران الأم يرتبط بدوران الجنين عبر المشيمة، فأي زيادة في إفراز هرمونات الأم تنعكس على الجنين. وكما هو معلوم فالسعادة والمرح لهما هرموناتهما، والكآبة «التي هي حالة عامة لدى المتزوجين» أيضاً لها هرموناتها. فلتحاولي سيدتي أن تنهي كل المعارك الزوجية قبل الحمل، أو أن تؤجليها على مضض إلى ما بعد الحمل، وحينئذ بإمكانك إعلان الحرب العالمية الثالثة أو الرابعة.. والجنين يكون بحاجة إلى غذاء متوازن أو ما يسمى بالحمية المتوازنة التي تحتوي على كل العناصر التي يحتاج إليها لاستكمال تكوين أجهزته.
فالمعادن والسكريات والبروتينات والفيتامينات عناصر أساسية يجب أن يحتويها غذاء الحامل، والأعمال البدنية والفكرية المبتذلة تساعد على زيادة الاستقلاب وتنشيطه لدى الحامل، لذا تشجع على القيام بها ويسمح بالسفر بالطائرات أو السيارات بين الشهرين الثاني والثامن من الحمل.
وتعتبر الزيارات الدورية لعيادة الحمل والحوامل ابتداء من بداية الحمل وحتى الولادة لا غنى عنها لأية حامل لتشخيص أي اضطرابات تنشئ عن الحمل وعلاجها، والحفاظ على سلامة الأم والجنين. حقوق الطفل بعد الولادة! وعن رعاية الطفل أثناء الولادة، فعلى الحامل معرفة الموعد المتوقع للولادة، وذلك عن طريق الطبيب، وليس عن طريق قراءة برج اليوم أو حسب تكهنات فنجان القهوة! ولهذه المهمة أساليب علمية يدخل ضمنها الأشعة وقياس ارتفاع مقر الرحم والايكو. والدخول في المشفى وأخذ جميع الاحتياطات للولادة.
وبعد الولادة من حق الطفل على أبويه اختيار اسم جميل له، ومن حقه على أمه أن ترضعه من لبنها إذا لم يكن هناك أي سبب صحي يمنعها، وعليها في أثناء فترة إرضاعه أن تكيف نفسها وغذاءها حسب متطلبات حضرة صاحب السعادة البيبي. فالكثير من الأطعمة يجب الامتناع عنها، فكل ما يحوي الحار والتوابل الشديدة والملفوف يجب الابتعاد عنه، والحرص أيضاً في تناول الأدوية، فكل الأدوية ممنوعة في أثناء الحمل والإرضاع إلا ما يرخص به الطبيب وللحالات الضرورية فقط! وتتم العناية بالمولود فوراً من خلال مؤشر وجدول يلخص حالته الفيزيولوجية الصحية، ويعطى الطفل لقاحاته فوراً وفي مواعيدها لحمايته ووقايته من الأمراض الخطيرة كشلل الأطفال والسعال الديكي، والحصبة، والدفتريا والسل.
فهم اللغة من السنة الأولى! وخلال السنة الأولى من عمر الطفل يتابع تطوره الروحي الحركي، ويعتنى بنظافته. ومن التجارب الجديدة تبين أن الطفل يفهم اللغة والأحاديث التي تجرى أمامه، وتتم هنا عملية تكون اللغة وتعلمها.
ويبدأ في نهاية سنته الأولى نطق أولى كلماته وياويل الوالد لو نطق بكلمة بابا قبل نطقه بكلمة ماما! وهنا أيضاً تبدأ محاولاته للسير وتعلم المشي، لذا يجب العناية بتزويده وبإضافة الكلس وفيتامين D والحديد إلى طعامه، ويعرض الطفل للشمس باعتدال، وذلك لتزويده بفيتامين D المسؤول على تثبيت الكلس والفوسفات على العظام ونموه. ونثير هنا نقطة هامة وهي عدم التعبير عن الحب والعاطفة، كما هي العادة بين شعوبنا بالتقبيل المستمر للطفل، والمسكين لا حيلة له ولا قوة ولا يدري لماذا يحصل له كل ذلك.
وسبب تحذيرنا هنا هو أن الطفل لا يملك مناعة جيدة، فانتقال العوامل الممرضة من الكبار -الذين يملكون مناعة جيدة- يؤدي إلى إصابته المباشرة بشتى أنواع المرض، فعبروا عن حبكم بإحضار هدية متواضعة له ولا بأس لو كانت غير متواضعة! ثم في الأشهر والسنوات التالية يشجع الطفل على اللعب مع أقرانه وتنمية مهاراته سواء التعليمية أو اللغوية، ويفضل البدء بتعليم الطفل باكراً.
وكثير من الأطفال يمكن أن يتعلموا بعمر ثلاث أو أربع سنوات. ويتابع برنامج اللقاح بانتظام ومتابعة تطور الطفل الروحي والحركي والذي يعني تطوره الجسماني والنفسي، حيث هناك بعض الأمراض التي تصيب الأطفال والتي تحتاج إلى تشخيص باكر كمرض التوحد الذي يحتاج إلى عناية خاصة لدى اختصاصيين.
وخلال هذه الفترة يكتسب الطفل عاداته الغذائية والسلوكية، حيث يجب تهذيبه وتعليمه تدريجياً الاعتماد على ذاته بالطعام واللباس وقضاء حاجياته، ويجب توضيح مبدأ الثواب والعقاب، وعدم الاسترسال بتدليل الطفل. ويستحسن عدم تلبية رغباته كلها، حتى ولو قام باتخاذ البكاء سبيلاً للضغط، حيث إنه ومع الوقت سوف يقوم بتكرار استخدام هذا السلاح، وهو سلاح محرم دولياً! إذ إنه سوف يجعل الطفل يبالغ في طلباته ويقلل من اعتماده على نفسه.
الابتعاد عن العناية المباشرة ويعتبر دخول حدث مهم جداً في تطور الطفل حيث ولأول مرة يبتعد عن عناية والديه المباشرة، ويكون فرداً ضمن مجموعة، حيث يتعلم مهارات تكوين الأصدقاء والنظام ويدخل في المرحلة الأولى من الحياة خارج المنزل، وهي خطوة لها تأثيرها المميز على نفسية الطفل، حيث إنه إما يرتكس لذلك بالانطواء والعزلة والخوف من المدرسة، وإما تنمي فيه روح المنافسة وتظهر هنا ميزة حب السيطرة والبروز.
يترك للطفل اختيار الكثير من أشيائه اليومية، أو يوجه بطريقة لطيفة وغير مباشرة خصوصاً لدى الأطفال المشاكسين من ذوي الميول الاستقلالية، حيث لا يتم فرض الأشياء والتصرفات مباشرة عليهم، بل يتم ذلك من خلال تزيين الأمر وترك حرية الاختيار الموجه لهم لتعويد الطفل تنمية استقلالية شخصية ولا يبقى أسير الارتباط العاطفي الشديد الذي قد يتحول إلى ظاهرة مرضية فيما لو زادت عن مستوى معين. ملحوظة عامة: وهي أن تبني الطفل لقيم الوالدين ومعاييرهم يعتمد على مقدار الدفء والحب الذي يحاط به في علاقته بوالديه، فمن خلال ذلك يكون الطفل حريصاً على الاحتفاظ بعلاقته العاطفية الدافئة مع والديه، ويخشى دون شك من فقدانها، ولذلك فهو يحافظ على معاييره السلوكية حتى يقلل من حدة هذه الخشية.
قد يكون من البديهي الإشارة هنا إلى تصرفات الأطفال بهذا الشكل، والتى تختلف فيما بينهم بحسب القدرات المعرفية لدى كل منهم، بمعنى أنه كلما أصبح الطفل قادراً على الفهم والاستيعاب بدرجة أكبر، فإن معايير سلوكه تصبح أكثر ميلاً إلى تجاوز التحريمات البسيطة مثل «لا تضرب أخاك الأصغر». ويصبح الطفل أشد وعياً بالتطبيقات الأعم للمعايير والقيم الأخلاقية، مدركاً مثلاً أن معظم الكائنات الحية تستحق منا أن نعاملها برفق! من هنا نرى أن الأسرة هي التي تقع في المكان الأول من بين العوامل السابقة جميعاً. لتوضيح ذلك نقرأ بعض ما جاء في الدراسة التي أعدتها الدكتورة ناصرة الشربتلي- الباحثة بمعهد دراسات الطفولة بجامعة عين شمس- والتي توضح فيها أنه خلال مراحل النمو الأولى من عمر الطفل يعتبر الأبوان والأقران هم العناصر الأشد تأثيراً في نمو الطفل اجتماعياً.
إن أعضاء الأسرة هم الذين تكون صلتهم بالطفل في هذه المرحلة أكثر دواماً، وأثقل وزناً. كما أن التفاعل بينهم وبين الطفل يكون أشد كثافة وأطول زمناً. تشكيل السلوك الاجتماعي للطفل وتمضي الدكتورة ناصرة قائلة إن تأثير الأسرة في تشكيل السلوك الاجتماعي للطفل يتم من خلال ما يمكن أن نسميه عملية التنشئة الاجتماعية، فعن طريق هذه العملية يكتسب الطفل السلوك والعادات والعقائد والمعايير والدوافع الاجتماعية التي تقيمها أسرته، والفئة الثقافية التي تنتمي إليها هذه الأسرة.
ولكن ما التنشئة الاجتماعية، وما المجالات السلوكية التي يكون للتنشئة تأثير عليها في الشهور أو السنوات الأولى من عمر الطفل؟ – قال بعض الآباء الذين قمنا باستطلاع آرائهم حول تلك الجزئية: إنهم كانوا يسعون باستمرار إلى إحلال عادات ودوافع جديدة محل عادات ودوافع كان الطفل قد كونها بطريقة أولية.
وأضاف بعضهم أنهم كانوا يهدفون من وراء ذلك إلى جعل أبنائهم يكتسبون أساليب سلوكية، ودوافع وقيماً واتجاهات يرضى عنها المجتمع. وكيف يقوم الآباء بهذه العملية بالفعل، وما الذي «يعملونه» لكي ينشئوا أبنائهم اجتماعياً؟ (إحدى الطرائق التي قال الآباء إنهم يستخدمونها في عملية التنشئة الاجتماعية هي طريقة الثواب والعقاب). وعلى الرغم من شيوع تلك الطريقة، فإن بعض الدراسات الاجتماعية أثبتت أن نسبة من الأطفال لا ينتظرون حتى يوقع عليهم الجزاء «ثواباً أو عقاباً» لكي يكتسبوا ألواناً جديدة من السلوك. فالأطفال يتعلمون أيضاً عن طريق الملاحظة والتقليد، ثم إنهم يتعلمون أيضاً عن طريق التوحد مع الوالدين! .
أشارت نتائج الاستبانة أيضاً، إلى أن الطفل يبدأ في تقليد أفعال الآخرين في نهاية السنة الأولى من حياته، إلا أن الملاحظ أن التقليد عندئذ لا يعتمد على الصورة الذهنية بقدر ما يعتمد على الملاحظة المباشرة للفعل. «من الأمثلة التي أوردتها بعض أفراد العينة في هذا المجال عندما يضع الطفل شيئاً ما على وجهه ثم يدفعها فجأة تقليداً لما تفعله أمه في أثناء ملاعبتها له بهذه الطريقة». غير أن بعض الأمهات أشرن إلى أن أطفالهن عندما وصلوا إلى سن السنة والنصف أو السنتين، فقد أصبح بإمكانهم تكوين صورة ذهنية لما يقع حولهم، والاحتفاظ بتلك الصورة واسترجاعها.
وفي هذه المرحلة أيضاً يقوم الأطفال بتقليد كل شيء يقع تحت ملاحظتهم حتى جلوس الآباء وطريقة تناولهم للأشياء أو أسلوب الكلام! أكثر من ذلك، فإن بعض أفراد العينة أكدوا أن أبناءهم في تلك المرحلة كانت لديهم رغبة كبيرة في القيام بكل شيء يفعله آباؤهم وإخوانهم. وفي بعض الأحيان فإن هذه الرغبة كانت تتعدى حدود إمكاناتهم. فما كانوا يريدون القيام به لم يكن يتناسب بالمرة مع قدراتهم الفعلية. ومع ذلك، فإنهم قد تولد لديهم الشعور بأنهم أعضاء في أسرهم ولهم قيمتهم، لأنهم يستطيعون الآن إنجاز الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الآخرون.
الشعور بالثقة من خلال المعلومات التي توفرت لدينا من نتائج الاستطلاع بين الآباء والأمهات تبين لنا أن كل مهارة يكتسبها الأطفال كانت تزيد من شعورهم بالسيطرة على البيئة وفي الوقت نفسه كانت تزيد من شعوره بالكفاءة. تقول إحدى أفراد عينة البحث:
«عندما تمكن طفلي من الإمساك بسماعة الهاتف والتحدث ببعض الكلمات، فإن ذلك قد أدى إلى شعوره بالثقة بقدراته الخاصة، فيما بعد».
أما بعض الأطفال الآخرين فكانوا ينتهزون كل فرصة لإثبات مدى قدرتهم على القيام ببعض الأفعال. وقد يدفعهم ذلك في بعض الأحيان إلى محاولة مد أنشطتهم لكي تشمل مقداراً كبيراً من الأعمال اليومية. فهم يبذلون كل جهد لكي يشاركوا في معظم القرارات الخاصة بهم. مثل الذهاب إلى الفراش، وارتداء الملابس بمفردهم، واستخراج أطعمتهم من الثلاجة، وهكذا. تدليل وتساهل وهو من بين أساليب التنشئة الأكثر شيوعاً.
قد يكون ذلك من قبيل القيام عن الطفل بما يطلب منه من واجبات مع عدم توجيهه لتحمل أية مسؤوليات تتناسب مع مرحلة النمو التي يمر بها. وقد يتضمن هذا الاتجاه أيضاً دفاع الوالدين عن التصرفات والسلوكيات غير المرغوب فيها ضد أي توجيه أو نقد يصدر إلى الطفل من المحيطين به. لقد تبين أن مثل هؤلاء الأطفال عندما ينتقلون إلى عالم الواقع يصطدمون بصعوبات كثيرة، فإذا واجهتهم بعض المواقف الإحباطية فإنهم يتعرضون لبعض مظاهر الاضطراب النفسي والعصبي، مثل قضم الأظفار، ثورات الغضب، عدم احترام مواعيد الطعام.
وهكذا.. حيث ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن مسالك الأطفال تختلف تبعاً لدرجة الضبط التي يستخدمها الآباء. فغالباً ما تجد الذكور العدوانيين ينتمون إلى الأسر التي تتصف فيها الأم بالسيطرة المبالغ فيها، أو التساهل المبالغ فيه تجاه تصرفات الأطفال. تشدد وقسوة يتضمن ذلك الوقوف أمام رغبات الطفل التلقائية، أو منعه من القيام بسلوك معين. وقد يستخدم الوالدن في سبيل ذلك أساليب متنوعة تختلف درجة خشونتها أو نعومتها. ومنها صنوف التهديد المختلفة أو الخصام أو الإلحاح أو الضرب أو الحرمان وما إلى ذلك. لكن النتيجة النهائية هي فرض الرأي، سواء بالضعف أم اللين.
ويقصد بالقسوة استخدام أساليب العقاب البدني (الضرب) والتهديد به، والحرمان، وإثارة الألم النفسي كأسلوب أساسي في عملية التطبيع الاجتماعي. ويؤكد المختصون أن لقسوة الوالدين وصلابتهما في معاملة الأبناء آثاراً خطيرة، حيث إن ذلك يساعد على إنشاء شخصية لا تقوى على إبدا ء الرأي وخائفة ومستكينة.
كما أنها تؤدي إلى تقوية الناحية الهدامة في ضمير الطفل، وإضعاف ذاته وتأخير نضجها. وبالتالي ينمو مثل هؤلاء الأولاد عاجزين عن الاعتماد على أنفسهم. وتظهر بعض الدراسات الميدانية أن من أخطر الآثار للقسوة والصرامة كراهية الأطفال لمنازلهم، وقد يلجأون إلى الفرار منها، مما يعرضهم لأشكال مختلفة من الانحرافات السلوكية وممارسة ألوان من السلوك المضاد للمجتمع مثل التشرد أو الجنوح للإجرام. في مقابل ذلك، هناك الأب المتراخي الذي يترك لأطفاله الحبل على الغارب، إلى درجة أن الطفل قد لا يشعر بأنه يعيش مع أب. وقد يستوي هذا مع الطفل الذي لا يعيش فعلاً مع أب.
الأب الحازم بين هذا وذاك، نجد الأب الحازم الذي تتميز تنشئته لأطفاله بالاعتدال، فهو يؤدب الطفل لأسباب معقولة يفهمها الابن، ويحاول دائماً أن يفهمه لماذا عوقب. ويظل يقنعه حتى يقتنع. ويعتمد مثل هؤلاء الآباء بشكل أساسي على الإقناع، وليس على الفرض والإلزام. كما أن العقاب يتناسب مع الخطأ. كيف نربي أطفالنا؟ يوضح لنا ذلك الأستاذ خالد بن صالح الشمري- الاختصاصي النفسي بمستشفى الأمل بالرياض- قائلاً:
مما لاشك فيه أن أخطاء السلوك عند الأطفال هي هم وهاجس كل أبوين. وهي مظهر من مظاهر الخلل في التربية الوالدية السوية، ولا يكون علاجها إلا بتنمية العنصر المفقود الذي يؤدي غيابه إلى ظهور الخطأ أو المشكلة. كذلك في التربية لابد من الاهتمام بالحاجات التي تشكل سلوك الطفل وشخصيته ونموه سواء في معتقداته أو معارفه أو أخلاقه أو حتى عواطفه.
وهنا لابد أن نشير قبل الإجابة عن التساؤل الذي يوجهه الآباء والأمهات باستمرار، وهو «كيف نربي أولادنا من الجنسين؟» إنه لابد من معرفة لماذا يرتكب الأطفال الأخطاء وبالتالي نستطيع أن نحدد الأساليب المناسبة لتعديل هذه الأخطاء. – فالطفل يخطئ في حالات كثيرة لأنه لا يعرف السلوك الصحيح وبالتالي لابد من تعليمه. – وقد نعلّم الطفل السلوك الصحيح، ومع ذلك يخطئ لأنه لم يتلق منا تشجيعاً وتعزيزاً لسلوكه الصحيح وبالتالي انعدام تكراره. – وقد يخطئ الطفل في أحيان أخرى لأنه وجد في السلوك الخاطئ ما يشبع حاجاته ولم نوفر له البديل الصحيح.