لا تشكل البدانة أمرا نختص به وحدنا نحن البشر، إذ أن العالم يعج بالكثير من الحيوانات ذات الحجم الهائل. لكن تحديد الحيوان الأكثر بدانة، أو الذي يحتوي جسده على القدر الأكبر من الدهون، على وجه الأرض ليس بالأمر اليسير كما قد يبدو.
في بادئ الأمر، يمكن القول إن الحيتان من نوع “الحوت الأزرق” تشكل -باعتبارها الحيوانات الأضخم في العالم – أكثر الكائنات التي تحتوي على دهون على الإطلاق. وفي دراسة أجريت عام 1968 وشملت 49 من أنواع الحيوانات الثديية التي تعيش في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة والبرازيل، خلص الباحثون إلى أن “الحوت الأزرق” لديه النسبة الأكبر من الدهون في الجسم، إذ تفوق هذه النسبة 35 في المئة.
ومع وصول وزن الحوت الواحد من هذا النوع إلى ما يصل إلى 180 طناً، فمن اليسير أن يحتوي جسمه على قدر قياسي من الدهون، بما يفوق مثيله لدى أي حيوان آخر.
ولكن إذا نظرنا إلى الأمر بمنطق النسبة والتناسب، قد نُباغت عندما نتعرف على بعضٍ من الأنواع الحيوانية “كاملة الدسم”.
يمكننا أن نبدأ بالحديث عما يُعرف بطبقة “شحم الحوت”، وهي عبارة عن نسيج غني بالدهون يوجد في الثدييات البحرية وله فوائد وفيرة؛ تتعلق بتمكين هذه الثدييات من الحركة بشكل انسيابي، وكذلك من الطفو فوق الماء، فضلا عن تعزيز قدراتها الدفاعية. ومن بين فوائد هذه الطبقة الدهنية كذلك العزل الحراري وتخزين الطاقة.
ومن بين الحيتان التي تمتلك طبقات أكثر سمكا في هذا الصدد؛ تلك المنتمية إلى نوع يُعرف بـ”الحوت الصحيح” (يوبالينا). ويُعتقد بوجه عام أن هذا الجنس اكتسب ذاك اللقب الشائع في خضم تلك الحقبة الدموية التي راجت خلالها عمليات صيد الحيتان في القرن التاسع عشر.
وحول سبب اعتبار حيتان هذا النوع الحيتان “الصحيحة” أو المناسبة للصيد؛ يقول سام ريدجواي، رئيس المؤسسة الوطنية للثدييات المائية في الولايات المتحدة: “إنها بطيئة وعامرة بالدهون، وعندما يتم اصطيادها باستخدام الرماح تظل طافية، وهو ما يسهل انتشالها من المياه، (بينما) تغطس غالبية الحيتان” المنتمية للأنواع الأخرى.
وتظل هذه الحيتان طافية نظرا لأنها تحتوي على نسبة مرتفعة من الشحوم أو الدهون في ذلك النسيج المعروف باسم “شحم الحوت”. وتوجد ثلاثة من الأنواع الفرعية المنتمية إلى نوع “الحوت الصحيح”؛ تعيش في شمال المحيط الأطلسي وشمال المحيط الهادي وكذلك في المحيط الجنوبي.
وكانت هذه الحيوانات الطيعة سلسة القياد تسبح قديما إلى جوار القوارب، ولكنها صارت الآن من بين أكثر الكائنات المهددة بالانقراض في العالم. فقد كانت تلك الحيتان على شفا الانقراض بفعل عمليات الصيد التي استهدفت الحصول على زيوتها، التي كانت تُستخدم في كل شيء تقريبا؛ بدءا من الصابون مرورا بالمصابيح، وصولا إلى السمن الصناعي النباتي.
ولا نزال في الماء، ولكن مع الاتجاه شمالا قليلا، لنجد “الحوت مقوس الرأس”، وهو من الكائنات التي لا تحيا سوى في مياه القطب الشمالي، وذلك من أهم خصائصها. ولكي تتمكن من البقاء في هذه المياه المتجمدة النائية؛ يصل سمك طبقة “الشحم” لديها إلى نصف متر (قرابة قدميّن). وفي دراسات أجريت في هذا الشأن، وجد كريغ جورج أن كتلة تلك الطبقة تشكل ما يتراوح ما بين 43 و50 في المئة من كتلة جسم الحوت من هذا النوع، عندما يكون بعمر السنة.
ويقول جورج: “رغم ذلك هناك كثير من الشحوم (الأخرى) في أمعاء ولسان وعظام (تلك الحيتان) وغير ذلك من أجزاء جسدها، لذا فالنسبة الإجمالية (للدهون) لديها أعلى قليلا” من نسبة طبقة “شحم الحوت” في أجسامها.
ويمكن أن تضم قائمة الكائنات المرشحة لأن يكون من بينها صاحب لقب الحيوان الأكثر “بدانة” في العالم، تلك المنتمية لفصيلة “بينيبدس”، والتي تضم ثدييات مائية آكلة للحوم ذات أطراف تحورت لتصبح بمثابة زعانف، مثل الفقمة والفظّ.
ويمكن أن تصل معدلات الدهون إلى مستويات عالية لدى صغار ثدييات هذا النوع من تلك المفطومة حديثا بشكل خاص، بعدما تتغذى على لبن الأم الغني بالدهون. فنسبة الدهون قد تبلغ نحو 50 في المئة من أجساد صغار العديد من الأنواع المختلفة لحيوانات الفقمة في فترة فطامها، وهي صغار فقمة فيل البحر، والفقمة ذات القلنسوة، وفقمة القيثارة، والفقمة ذات الطوق. ولكن حال هذه الصغار التي تكاد تكون “منتفخة” حرفيا لا يدوم طويلا.
يشكل السنام مخزن دهون يستخدمه الجمل لأغراض التغذية ويمكن أن يصل وزنه إلى 35 كيلوجراما
ولم نزل قريبين من المياه، فهناك يمكننا ملاقاة حيوانات الفظ التي قد تبدو بدينة، ولكن القياسات الخاصة بأجساد عدد من إناثها في طور النضج بمنطقة غرينلاند، أظهرت أن طبقة الشحم لا تشكل سوى 18 في المئة من هذه الأجساد، بينما تصل نسبة العضلات إلى 44 في المئة.
وبالمثل، تُعرف أفراس النهر بشكلها البدين والقصير، ولكن الجلد يشكل في حقيقة الأمر ما يربو على 18 في المئة من أجسادها ثقيلة الوزن إلى حد مذهل، والتي يصل وزن الواحد منها إلى نحو 1.5 طن. وأسفل طبقة الجلد السميكة هذه التي يصل طولها إلى خمسة سنتيمترات، يحتوي جسد حيوان فرس النهر على طبقة رقيقة نسبيا من الدهون.
على أي حال، يحتاج المرء في بعض الأحيان إلى التركيز بشكل أكبر قليلا على الحيوانات التي تعيش على البر للعثور على تلك الأكثر بدانة فيما بينها.
فعلى سبيل المثال، يخزّن حيوان القندس احتياطاته الكبيرة من الدهون في ذيله الضخم. فذيل هذا الحيوان – الذي يمكن أن يصل طوله إلى 45 سنتيمترا، وعرضه إلى 20 سنتيمترا- يتألف في غالبيته من الدهون، وإن كان يحتوي كذلك على حفنة من العظام والعضلات والأنسجة العضلية.
وكما هو الحال مع الحيتان، أدى احتياطي القنادس من الزيت إلى جعلها هدفا للصيادين في الماضي. ولحسن الحظ، تعود أعداد هذا النوع حاليا إلى مستوياتها السابقة في البرية بفضل خطط وُضعت لهذا الغرض. لكن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى أن ما اعتادته القنادس من بناء السدود في مجاري الأنهار وقضم الأشجار من المناطق السفلى في جذوعها يمكن أن يثير الجدل.
وتتغذى هذه الحيوانات خلال فصل الصيف على الأشجار والحشائش والنباتات المائية، إذ تكون بحاجة إلى تخزين الطاقة لمساعدتها على مواجهة تغير الطقس في شهور الشتاء.
تشكل مسألة اكتساب وزن كبير خلال فترة قصيرة من الزمن حيلة معتادة تلجأ إليها الحيوانات الثديية لتنجح في البقاء على قيد الحياة في ظل برودة الطقس.
ففي القطب الشمالي الذي يسوده الجليد، يمكن أن يبلغ الاحتياطي الدهني للدببة القطبية نصف الكتلة الكلية لأجسامها. ويمكن أن تصل الدببة إلى هذا المعدل عبر التهام طبقة الشحوم الموجودة في أجسام الثدييات البحرية، كما أنها تفطم صغارها على لبن تصل نسبة الدهون فيه إلى نحو 30 في المئة.
ولا تقتصر فوائد الدهون للدببة على الإبقاء على أجسادها دافئة فحسب، بل إنها تتحول إلى مياه نقية من خلال عمليات التمثيل الغذائي، وهو أمر ضروري في الصحراء القطبية.
يقودنا ذلك إلى الحديث عن الجمال، التي تعيش على طرف نقيض من الدببة القطبية فيما يتعلق بدرجات الحرارة.
فالسنام المُميز للجمل لا يمتلئ بالمياه، ولكنه يشكل في حقيقة الأمر مخزنا للدهون يستخدمه هذا الحيوان لأغراض التغذية، يمكن أن يصل وزنه إلى 35 كيلوغراما. رغم ذلك فإن الجمال – إجمالاً – ليست سوى حيوانات هزيلة وضامرة، يتركز الجانب الأكبر من الدهون التي تحتوي عليها أجسادها في منطقة السنام ليس إلا.
وتفيد النظرية الشائعة في هذا الشأن بأن السنام يؤدي إلى تقليل نسبة العزل الحراري في الأجزاء المتبقية من جسد الجمل، بخلاف السنام، وهو ما يساعده على التكيف مع الأجواء شديدة الحرارة التي يحيا في ظلها.
ومن الغريب أنه بوسعنا العثور على بعضٍ من أكثر الحيوانات التي تعيش على البر احتواءً على الدهون في أجسادها – عبر مقارنة معدلات الدهون إلى حجم هذه الأجساد – بين مجموعة من الحشرات التي لا يُكترث بها على الأغلب.
فلطالما اعتبر السكان الأصليون لأستراليا (الأبوريجنال) الفراشات ويرقاتها وجبات خفيفة غنية بالدهون.
وفي هذا الصدد، بوسعنا الاطلاع على ما ورد في دليل إرشادي بخصوص القيمة الغذائية لتناول الحيوانات أو الحشرات أو النباتات البرية، أعده فريق من الخبراء بينهم الممرضة المتخصصة في علاج أمراض الكلى لِزلي سالِم، وذلك لإسداء النصح فيما يتعلق بكيفية دعم المحتوي الغذائي الذي يحصل عليه المرء.
ويوضح هذا الدليل كيف تشكل الدهون 20 في المئة من محتوي أجساد يرقات الفراشات من فصيلة “كَوسِد”، والمعروفة باسم اليرقات آكلة الخشب، بينما تمثل قرابة 39 في المئة من كتلة أجساد فراشات الـ”بوغون” المعروفة علميا باسم (أغروتيس إنفوسا).
لكن الحيوان الأكثر بدانة على الإطلاق، من منظور نسبة الدهون في جسده، ربما يكون مخالفا لكل ما يمكن أن يتوقعه المرء في هذا الشأن.
BBC