شهد العام الماضي في لندن عدداً من الوفيات من جراء الأمراض الناجمة عن التلوث فاق بكثير عدد الوفيات بسبب حوادث السير . ومع ذلك تشير الإحصاءات إلى أن جودة ونقاء الهواء سجلا أفضل نسبة لهما . وفي المقابل ، أشارت التقديرات إلى أن عدد المركبات سيرتفع بمعدل النصف حتى العام 2026 . فما هي حقيقة الأمر ؟
هناك ثلاثة أنواع من الأكاذيب : الكذبة البيضاء والكذبة السوداء المميتة والإحصاءات ، ولعل الإحصاءات المتعلقة بتقارير التلوث هي أكثر ما يقصد بهذا النوع من الكذب . فهناك دائماً جدولين ، لا بل جداول ، ومعدلات وأهداف متنوعة لكل مصدر محتمل من مصادر التلوث .موقع طرطوس
وبإمكان الرأي العام أن يطلع عليها بسهولة فائقة . ففي بريطانيا تقدم الحكومة كل الأرقام على مواقع الإنترنيت مرفقة عادة بموجزات وتصاريح من الوزراء المعنيين ، الذين يعلنون بفخر انخفاض مستوى الضجيج في المدن وتدني مستوى التلوث في الأنهار ، وأفضل الأرقام الممكن تحيلها على صعيد تلوث الهواء ، ولكن السؤال الذي يشغل بال البريطانيين : هل شهد المستوى الصحي في بريطانيا على هذا الصعيد أي تحسن ؟ وما هي نسبة المقارنة مع أترابهم الأوروبيين ؟ والمعروف خلال الصيف تصل ردة الفعل المتساهلة أو المتغاضية عن التلوث إلى أقل مستوى لها ، وذلك لأن الناس يقضون معظم أوقاتهم في الخارج ، ولأن معظمهم يلاحظ بشكل ملموس الضجة والتلوث الناجمين عن النقل . فيطرح السؤال نفسه عن مدى صحة أرقام الإحصاءات وما هي الحقائق ؟ في ما يلي ثلاث حقائق حول نوعية الهواء في بريطانيا تصدم الرأي العام . فما هي صحتها ، وما هي المعايير التي اتبعت للوصول إلى هذه النتائج ؟موقع طرطوس
الحقيقة الأولى
في العام 2001 ، فاق عدد الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء الناجم عن النقل ، عدد الوفيات في حوادث السير .
فقد جاء في تقرير يبحث في الصلة بين الصحة والنقل في العاصمة البريطانية ، أن 380 شخصاً لاقوا حتفهم في العام الماضي من جراء أسباب مرتبطة بالتلوث ، بالمقارنة مع 226 وفاة فقط ناجمة عن حوادث سير . وأورد التقرير أيضاً أن الانبعاثات الناجمة عن وسائل النقل تقلص معدل حياة 34 ألفاً من سكان لندن سنوياً . وتقدر بعض الإحصاءات ، التي لم يتم التأكد منها ، ولكنها في المقابل الأكثر إثارة للمخاوف والقلق ، أن إصابة نصف مليون بريطاني من الذين يشكون من مشاكل في الجهاز التنفسي مردها إلى التلوث الناجم عن وسائل النقل .موقع طرطوس
هذه الأرقام لا تفاجىء الهيئات الصحية ، ومنها فريق حملة النقل 2000 . فعلى الصعيد الوطني ، يقول الناطق باسم هذا الفريق إن 24 ألف شخص يموتون في وقت مبكر من الأمراض المرتبطة بالتلوث ، في حين أن 3400 فقط يلقون حتفهم من جراء حوادث السير على الطرقات . ولكن ، بحسب المسؤول عن قسم المعلومات في برنامج البيئة والمناخ ( ACE ) جو باتشدال ، فإن أكثر ما يجب أن يثير القلق هو عدد الأمراض وليس فقط عدد الوفيات . ويوضح رأيه بالقول : ” إن دخان الديزل من شأنه طبعاً أن يحفز نوبة حادة قد تفتك بأحدهم ، ولكن الأهم هو أن التلوث يفاقم كل وضع صحي سريع العطب ” .موقع طرطوس
وهنا يطرح السؤال : في هذه الحال ، ما هو عدد الأشخاص المعرضين بشكل خطير للتأثر بالنوعية السيئة للهواء ؟ يقول مدير القسم السياسي في الجمعية البريطانية الوطنية من أجل هواء نظيف تيم براون ، أن لا جواب نهائياً لهذا السؤال ، لكن العلماء بدأوا في آخر مؤتمر لهم في مطلع هذا العام بتقدير الأرقام . ويضيف براون أنه ربما هناك عدد ضئيل من الأشخاص المعرضين لخطر الموت المباشر من جراء تلوث الهواء . وربما لا تتجاوز نسبة الذين قد يدخلون المستشفى من جراء التلوث الـ 5 في المئة ، ولكن التلوث سيقود حتماً إلى وفاتهم فيما بعد ، أي ربما بعد بضعة أعوام معدودة ، ومما لا شك فيه أن الوفيات والاضطرار للاستشفاء ، ترتفع في غضون الأيام التي تشهد مناخاً ضبابياً حاراً ورطباً . إذاً ، بحسب براون ، فإن العلاقة وثيقة جداً بين التلوث وارتفاع عدد الإصابات والوفيات .موقع طرطوس
الحقيقة الثانية
أرقام جودة الهواء التي سجلها العام 2000 هي الأفضل ، مع أن الأمر قد لا يبدو كذلك . لكن المناطق المدنية في العام 2000 سجلت فيها الأيام ذات التلوث المعتدل انخفاضاً إلى نسبة 16 يوماًُ من التلوث المعتدل أو المرتفع نسبياً في العام 1999 و 23 يوماً في العام 1998 ، والحديث هو عن المدن البريطانية طبعاً . ويعود الرقم المرتفع نسبياً في العام 1999, لأن الطقس كان حاراً جداً ، وهذا يعني المزيد من معدلات الأوزون .موقع طرطوس
حتى في المناطق الريفية ، شهدت الأرقام تحسناً عن العام الماضي . وقد كانت الأيام ذات التلوث المعتدل 25 يوماً للمنطقة ، مقارنة مع 48 للعام 1999 . لكن جو باتشدال ، من برنامج المعلومات البيئية والمناخية ، يعرف عن شبكة حيال هذه الأرقام ، غير أنه يعترف أنه قد يكون للطقس تأثير على نتائج التلوث في العام 2000 ، ويردّ ذلك إلى المزيد من الأيام الممطرة وانخفاض الأيام المشمسة ، التي تزيد سرعة التفاعل الكيميائي فينخفض بذلك معدل الأوزون .
من ناحية أخرى ، يشير بعض العلماء ونشطاء البيئة إلى سبب آخر ، وهو أن انخفاض ثاني أوكسيد النيتروجين ، أحد أهم الملوثات في المدن ، نجم عن إدخال استخدام أنابيب الفلتر في السيارات في التسعينات ، وعن زيادة المحطات والمعامل التي تعتمد الطاقة النظيفة ، إضافة إلى التشريعات لمكافحة المطر الحامضي Acid Rain ، وقد ساهمت في تخفيض معدلات ثاني أوكسيد السولفور . على أي حال ، وبحسب رأي براون ، فإن مشكلة السير الكبيرة لم تعالج بشكل فعال ، ” صحيح أن السيارات الفردية قد أصبحت أكثر نظافة ، لكن المزيد من السيارات والازدحام يعني المزيد من التلوث ” .
الحقيقة الثالثة
توقع ارتفاع عدد السيارات إلى الضعفين من الأعوام 1998- 2026 . ليست هذه توقعات أية حماية توعية ، بل هي أرقام صادرة عن مراجع حكومية ، وهي لا تتوافق أبداً مع الحقيقة الثانية . فحسب جداول النقل للعام 2000 ، تعود أرقام التحسن في نوعية الهواء إلى التقدم العلمي وليس إلى انخفاض السير . ولكن التقنيات الحديثة ، على غرار استخدام محركات الفيول النظيف ، ليست كافية بحدّ ذاتها لمكافحة التلوث الناجم عن ازدحام السير . وفي هذا الصدد يحذر ناطق باسم وزارة النقل من أن بريطانيا متخلفة عن باقي الدول الأوروبية بفعل استمرار الاعتماد الكثيف للبريطانيين على السيارة ، وعدم تطوير بدائل حقيقية في وسائل النقل العام وتشجع السير بالدراجات والسير على الأقدام .
وتعتبر الوزارة الجديدة للبيئة والغذاء والشؤون القروية ، وهي وزارة جديدة في الحكومة البريطانية ، مولجة بالحفاظ على نوعية الهواء ونظافته . ولكن هذا لا ينفي مسؤولية السلطات المحلية في المناطق عن وضع خطط عمل لمعالجة مشاكل التلوث الناجمة عن السير . ويعتبر براون أن الحكومة لا تريد ، لا بل تخشى ، أن تبدو مناهضة لاقتناء السيارات ، مشيراً إلى خلوّ خطاب الملكة البريطانية من أية ملاحظة حول تلوث الهواء . ويوضح أن ما نحتاجه في بريطانيا ليس وضع تشريعات جديدة ، على الرغم من أن فرض التشديد على الانبعاثات الغازية في المركبات ومراقبة واختبار سلامة المنفثات هي فكرة جيدة ، والمطلوب هو إيجاد بدائل لاستخدام السيارة ، وهي بدائل سهلة ومنخفضة الكلفة . وقد سعى بعض المدن إلى تشجيع هذه البدائل من أجل تقنية هوائها ، مثل لندن ونوتنغهام وبريستول ويورك ، التي تخصص مناطق ذات انبعاثات منخفضة لا تسمح بدخولها إلا للسيارات النظيفة ، وتفرض فيها ضريبة وتتخذ بعض الإجراءات الأخرى لتقليص السير فيها إلى حدهّ الأدنى .موقع طرطوس
هذا لا يعني بحسب الناشطين في حماية البيئة ، أن ليس هناك مسؤولية شخصية فعلى الجميع أن يعوا أنهم جزء من المشكلة وجزء أيضاً من الحل . ويعرب جو باتشدال ، من الجمعية الوطنية للبيئة ، عن اعتقاده بأن تلوث الهواء في العالم الصناعي تحول إلى مشكلة فردية ، لأن التلوث الصناعي آخذ في الانخفاض طوال الوقت ويقابله دائماً ارتفاع في التلوث الناجم عن وسائل النقل . وهو يرى أنه ، حتى الآن ، لم ينجز ما يكفي لتشجيع الحسّ بالمسؤولية . إن الأمر هو أشبه بمن يعلق في زحمة سير وهو دائماً يلوم غيره ، ولا ذنب له أبداً في التسبب بهذا الازدحام .
المدن الكبيرة تعني المشاكل الكبيرة
هناك في العامل أكثر 25 مدينة كبيرة أو ” ميغا مدينة ” وهي تلك التي يفوق عدد سكانها المليون نسمة ، وجميعها تشكو من مشاكل ضخمة في تلوث الهواء . ولعل مدينة لندن هي الأنظف في حين تعتبر مكسيكو الأكثر تلوثاً ، ويزيد تفاقم الأمر فيها مناخها وارتفاعها عن سطح البحر . والواقع الذي يعتبر صدمة حقيقية ، هو أن المدن في العالم المتطور التي تواجه مهمة التعامل مع تلوثها ، مثل بيجينغ ( بكين ) والقاهرة وجاكرتا ، هي من بين الأكثر تخلفاً في تطبيق المعايير الصحية لمنظمة الصحة الدولية ، وتكمن المشكلة الرئيسسة في هذه المناطق من جزئيات التلوث الناجمة عن السيارات العاملة على الديزل ومعامل الطاقة والصناعات . أما المعلومات حول معدلات الأوزون فغير متوافرة بشكل كاف في بعض المدن التي تشهد ارتفاعاً في حرارة المناخ ، مثل بومباي وكالكوتا ودلهي ومانيلا ، التي من المرجح أنها تعاني من انخفاض في معدل الأوزون .
ما هي ملوثات الهواء ؟
– الملوثات الأولية : وهي تلك التي تنبعث مباشرة من مصدر اشتعال البنزين في المحرك أو النفط أو احتراق الفحم الحجري أو الزيزت . طرطوس.كوم
– الملوثات الثانوية : مثل ثاني أوكسيد النيتروجين الذي يتشكل في مرحلة لاحقة من أول أوكسيد النيتروجين المنبعث بشكل خاص من وسائل النقل ومنشآت الطاقة ، وهي تتشكل بسرعة ، لذا تكون قريبة من مصدر التلوث .موقع طرطوس
– الأوزون : وهو من الملوثات الثانوية التي تتشكل بطريقة أكثر بطءاً بعد عملية تفاعل معقدة بين أوكسيدات النيتروجين والهيدروكاربون والأوكسجين في وجود الأشعة الشمسية ، ويعني الوقت البطيء لتشكيل الأوزون وجوده بمعدل منخفض بعيد عدة اميال عن المصدر الرئيسي وغالباً ما يكون ذلك في المناطق الريفية . وتتفاقم هذه المشكلة في فصل الصيف بسبب قوة أشعة الشمس .
– التلوث الجزئي : وهو مزيج من الملوثات الأولية والثانية من مختلف المصادر كالمركبات ومنشآت الطاقة المناجم والمعامل الصناعية الأخرى .