إجهاد العين في القراءة أو الخياطة قد يسبب قصر البصر . فما هي التمارين التي تعمل على الوقاية من هذه الظاهرة ؟ وهل يمكن الاستغناء عن النظارة باعتماد الطريقة المسماة ” المعالجة البصرية ” وما هي الإرشادات التي يجب أن تنصحي بها أولادك اعتباراً من الثامنة من أعمارهم للعناية بصحة العين ؟
يصاب بقصر البصر عادة طلاب المدارس اعتباراً من الصف الرابع الابتدائي فما فوق . ومع أنه قد يصيب أيضا الأطفال الصغار في روضة الأطفال و الكبار الذين تجاوزوا الأربعين من العمر , إلا أن إجهاد القراءة المتزايد الذي يعانيه طلاب المدارس , غالباً ما يعمل على إثارة المشكلة ومضاعفة أعراضها .
و الملاحظ أن المشكلة متزايدة الانتشار على نطاق واسع , وان الإصابات تنتشر بين الأطفال الأصغر سناً . فثلث سكان الولايات المتحدة الأمريكية , على سبيل المثال , مصابون , هذا العام بقصر البصر مقابل 14% في العام 1930 . وما يزال انتشار الظاهرة في تزايد مستمر .
و في ما يختص بالمحاولات الرامية إلى معالجة هذه المشكلة , يعتقد فريق من الاختصاصيين الذين يسمون أنفسهم ” المبصاريون ” أن بإمكانهم مساعدة بعض الأطفال في تجنيبهم الاعتماد على نظارات المسافات طوال حياتهم .
و يعالج هؤلاء الاختصاصيون قصر البصر و غير ذلك من الاضطرابات البصرية المختلفة عند الأطفال الصغار , بالطريقة المسماة ” المعالجة البصرية ” , و هي طريقة صممت ليس للتحكم بقصر البصر فقط و لكن للوقاية منه أيضاً . وهم في ذلك يعتمدون على تمارين دقيقة للعينين , ونظارات خاصة لإبطاء تطور المشكلة البصرية أو حتى إيقافها كلياً . أما أطباء العيون الذين يركزون اهتمامهم على علاج أمراض العين , فانهم نادراً ما يستعملون العلاج البصري , بل حتى أنهم يميلون إلى السخرية من الفكرة أساسها . وانهم يقولون أيضاً ان الذين يسمون أنفسهم بالمبصارين لا يملكون دليلاً علمياً على فعالية معالجتهم . ومع ذلك فان قسماً كبيراً من أطباء العيون يتجاوز الربع , يعتمدون بشكل كامل على طريقة المعالجة البصرية .
ففي علاج قصر البصر , يركز الاختصاصيون المبصاريون على الأسلوب البصري , وعلى ضرورة التبكير في كشف الإصابة , حتى يؤتي العلاج أفضل مفعول له , و ذلك لأن العين تكون عندئذ مطواعة لينة . ولسوء الحظ فليس من المؤكد ان تمارين العينين تفيد الكبار الذين يعانون قصر البصر حتى ولو ثبت أنها تفيد في علاج الصغار . وفي ذلك يقول المبصاريون : بالنسبة للصغار فإننا قادرون على شفاء البصر وإيقاف المشكلة كلياً . أما الكبار الذين عانوا من قصر البصر فترة طويلة , فإن أكثر ما نستطيع أن نقدمه لهم هو التحسين المؤقت .
وفي رأي المبصارين , فان قصر البصر يتسبب عن استطالة مقلة العين و تمددها أكثر من اللازم , تماماً كما أن بُعد البصر ينشأ عن قصر شديد في مقلة العين . ولكن ما الذي يسبب استطالة مقلة العين ؟ ثمة ثلاث نظريات تحاول تفسير هذه الظاهرة , تقول إحداها انك ترث المقلة المستطيلة من أبوين مصابين بقصر , و تقول الأخرى أن ذلك عائد إلى عوامل البيئة التي تسبب تغيرات في المقلة ناشئة عن التوتر . أما الثالثة فهي معروفة بنظرية العمل القريب , و تقول أن نموذج النمو للمقلة , والذي تشكل حسب المورثات الجينية يمكن أن يتغير عن طريق العمل لساعات طوال في تركيز النظر على أشياء قريبة .
وحسب هذه النظرية , فإن السبب الرئيسي الذي يؤدي إلى قصر البصر هو قدرة عدسة العين على تغيير شكلها في ما يسمى بعملية التكيف . فعندما تركّز على صفحة في كتاب مطبوع مثلاً , فإن عضلات معينة في العين تتقلص مسببة انتفاخ العدسة التي هي في الأصل مستوية , وبهذه الطريقة يزيد الشكل الكثيف قوة تركيز العدسة , بحيث أن الكلمات تنطبع بشكل حاد على الشبكية .
ولكن العين بطبيعة تكوينها ميالة للنظر إلى الأشياء البعيدة , فاذا طلب منها أن تنظر إلى الأشياء القريبة , فإنها تغير من شكلها لتتمكن من أداء عملها بفعالية أكبر . واذا أنت قضيت وقتاً طويلاً في القراءة , فان رد الفعل في عينيك قد يسهل تثبيت عملية التكيف , تستقر انتفاخه العدسة على ما هي عليه , وفي نفس الوقت يزيد ضغط السائل بين العدسة والشبكية , وفي نهاية الأمر فقد يعمل تراكم الضغط على استطالة المقلة و تمدّدها .
وفي الحقيقة فان مقلة العين المتمددة تعمل جيداً في مجال الرؤية القريبة , ولا تعاني التدقيق في الكتب المدرسية وكتب القانون . ولكن التغيير في شكل العين يجعل صور الأشياء البعيدة . تقع في مكان ما في منتصف المقلة , تكون هذه الصور غائمة ومغبشة والنتيجة : أنت بحاجة إلى نظارة لرؤية الأشياء البعيدة ..
وإذا صحت هذه النظرية , فان نظارة المسافة الثابتة التي توصف للأطفال المصابين بقصر البصر لا تزيد الأمر سوءاً . فالنظارات تعمل على تكييف البؤرة , بحيث تسحب الصورة إلى الخلف وتقع على الشبكية , بدلاً من أن تقع في الوسط . وعندما يستعمل الطفل هذه النظارة للرؤية القريبة ( للقراءة مثلاً ) , فان الصور تكون قد رفعت إلى الخلف أكثر من اللازم إلى ما بعد الشبكية , الامر الذي يضطر العدسة لبذل مزيد من الجهد , وإلى مزيد من الانتفاخ لتتكيف مع الوضع الجيد , و هذا يؤدي إلى أن يزيد قصر البصر .
ولا يعني هذا أن المبصارين يريدون منا العودة إلى العصر الحجري والاستغناء عن النظارات لتحاشي هذه النتيجة , ولكنهم يرون ان الحل يكمن في استعمال نظارة خاصة للأطفال يستعملونها في القراءة بدلاً من النظارة العادية للمسافات البعيدة . ومما يدعو للسخرية أن هذه النظارة هي من نفس النوع الذي يستعمله الكبار المصابون ببعد البصر , مع الفارق المتمثل في أن هؤلاء يضعونها بسبب أن عيونهم فقدت القدرة على التكيف , بينما الصغار يضعونها حتى يمنعوا التكيف !
وبينما تساعد النظارة العادية الأطفال المصابين بقصر الأطفال على رؤية الأشياء العادية بوضوح , فان نظارة القراءة تسهل التركيز على المادة القريبة فقط , لهذا فان المبصارين يأملون وقاية الطفل من الاعتماد الدائم على استخدام النظارة ذات المسافات البعيدة . و لكن معظم الأطفال لا يمكن الوثوق بانهم سيستعملون نظارة القراءة عندما يكونون بحاجة إليها , و أنهم سيخلعونها في غير وقت الحاجة . وما الحل اذن ؟ النظارة ذات البؤرتين . فهذه النظارة تشمل عدسة للقراءة في الجزء الأسفل , وفي حال عدم الحاجة إلى أي تعديلات بصرية , فان الزجاج المجرد موجود في الجزء الأعلى من النظارة .
وقد لا يبدو أن هذا نوع من التحسين , لان الطفل في النهاية ما زال يضع النظارات , ولكن المبصارين يأملون في أن الطفل الذي يستخدم النظارات من الصف الرابع و حتى نهاية الدراسة قد لا يعتمد عليها في ما بعد . و على كل , فان الأطفال الأكبر سناً و الذين يعرفون متى يجب أن يستخدموا النظارة , فلا حاجة بهم إلى اعتماد واحدة ذات البؤرة الممزوجة طول الوقت .
وبالإضافة إلى النظارات , فان المبصارين يقترحون بعض التمارين للعينين , وهي تمارين بسيطة بل ومسلية أيضاً . مثل التركيز على المقاعد الدوارة و الأضواء المتقطعة الوامضة , والتناوب السريع بين النظر للأشياء القريبة والبعيدة , ومحاولة التحكم في الخداع البصري المتعلق بالعمق والناشئ عن دوران بعض الأهداف الملونة المعينة . ويقولون في هذا الصدد : أننا ندرب على بعض المهارات أيضاً و ذلك بالإضافة إلى تقوية عضلات العينين .
وتستغرق كل جلسة من جلسات التمارين 45 دقيقة مع الطبيب , بالإضافة إلى جلسات في المنزل تتراوح من 5 إلى 20 دقيقة أو أكثر عدة مرات في اليوم . وبعض المرضى يحضرون إلى العيادة عدة مرات في الأسبوع .وتستغرق فترة العلاج عادة بين ستة أسابيع و ثمانية أشهر .
أما أطباء العيون العاديون , فانهم لا يوافقون على شيء من هذا بالطبع , ويرون أن كل هذه مضيعة للوقت و المال , ويقولون إن وظائف العين ربما كانت قابلة للتحسين , إلا أنه ليس ثمة دراسة علمية جادة تثبت إمكانية تقوية و تعديل وظيفة التكيف . وما يزال الجدل بينهم قائماً حتى الآن , وربما كشف المستقبل عن آفاق جديدة في الموضوع .
وفي ما يلي بعض الإرشادات المهمة بشأن العناية بصحة العين , وهي تحريك من إجهاد العين الناشئ عن التوتر , وقد تمنع الإصابة بقصر البصر , أو على الأقل تؤجلها و تخفف من آثارها على المدى البعيد :
· لا تقرأ ولا تمارس الخياطة ولا تنظر إلى التلفزيون في غرفة مظلمة . لا تستعمل الأضواء المركزة فانت بحاجة إلى شيء تنظر اليه لكي تريح عينك .
· عندما تقرأ أو تستعمل الكومبيوتر حوّل نظرك , بين الحين و الآخر , عن الكتاب أو الجهاز الى مكان بعيد لكي ترتاح عينك وتسترخي .
· إذا كنت تقرأ في الفراش فاسند بالوسائد بحيث يصبح الكتاب على بعد 45 سم على الأقل من أنفك .
· امسك مادة القراءة على زاوية لا بشكل مستو .
· اذا كنت تقرأ مستلقياً , فلا تستلق في وضع ملتو . وامسك الكتاب على بعد معقول عنك .
· تجنب الوهج , فان الورق اللامع تزيد من توتر التركيز .
· واذا كنت قصير البصر , فاعط عينيك فرصة : لا تضع نظارة المسافات البعيدة أثناء القراءة الا اذا طلب منك الطبيب ذلك .