عندما ذكر فريق من علماء الفلك الأسبان أنهم اكتشفوا إضافة مدهشة للنظام الشمسي، عبارة عن كرة مضيئة من الثلج، يقترب حجمها من حجم كوكب بلوتو، وتسبح في أعماق الفضاء خلف كوكب نيبتون، عزا مايكل براون، الذي يعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك)، الكشف إلى المصادفة وسوء الحظ، حيث إن فريقه كان يتعقب هذا الجرم السماوي لعدة أشهر دون أن يُعلِموا أحداً بذلك.
وأُطلق على هذا الجسم اسم (2003 EL61).وأرسل مايكل رسالة تهنئة بالبريد الالكتروني إلى رئيس الفريق الإسباني خوزيه لويس أورتيز الذي يعمل في معهد أندلسيان للفيزياء الفضائية في جرانادا.أما الآن فإن د.براون قد طلب إجراء تحقيق حول اكتشاف د.اورتيز، مدعياً أنه خالف الأخلاقيات العلمية.وقال إن السجلات تُظهر، قبل إعلان الاكتشاف بيوم واحد، أن أجهزة الحاسوب الخاصة بـ د.اودتيز وتلميذه بابلو سانتوس- سانز قد زارت موقع ويب الذي يحتوي على بيانات حول أماكن وأزمان توجيه تلسكوب مجموعة كاليفورنيا.
ويقول د.براون إن هذه المعلومات يمكن أن تكون قد استُخدمت في المساعدة على اكتشاف الجسم في الصور الإسبانية التي التُقطت منذ أكثر من سنتين، أو لإثبات أن الفريقين اكتشفا الجسم في وقت واحد.ويؤكد د.براون أنه بناءً على ما قام به الفريق الإسباني، فإن عدم ذكر ملاحظات فريق كاليفورنيا يمكن اعتباره من قبيل عدم أمانة علمية، أو ربما نوعاً من الاحتيال.وفي تعليق له على موقعه على الإنترنت /mbrown/planetlila) www.gps.caltech.edu)، والذي يحتوي على جدول زمني مفصل للأحداث المحيطة بإعلان شهر يوليو، كتب براون:
«ليس من الواضح من الجدول الزمني بالضبط ما الذي عرفه أورتيز وسانتوس ـ سانز، أو كيفية استخدامهما السجلات التي دخلا عليها.إن الأخلاقيات العلمية تفرض عليهما الاعتراف بأنهما استخدما السجلات الموجودة على موقعنا على الانترنت».
وفي رسالة بريد إلكتروني موجهة إلى بريان مارسدن، الذي يعمل في مركز هارفارد ـ سمشونيان للفيزياء الفضائية، ومدير مركز Minor planet في الاتحاد الدولي للفيزياء الفضائية، وهو الاتحاد المسؤول عن توثيق هذه الاكتشافات، كتب د.براون في يوم 15 أغسطس (آب):«إنني أُطالب بتجريد أورتيز وفريقه من الحق الرسمي للاكتشاف، وأن يصدر الاتحاد الدولي للفيزياء الفضائية بياناً يشجب ما قاموا به».
ولكن د.أورتيز لم يرد على العديد من رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية.إلا أنه أرسل رسالة بريد إلكتروني إلى د.براون لم يعترف فيها، ولم يُنكر أنه نظر إلى سجلات الرصد Observing logs، ولكنه انتقد عدم إبلاغ د.براون مبكراً في الحال عن اكتشافه لوحدة Minor Planet.وقال إن شغف د.براون الشديد بإخفاء الأجسام قد أضر بعلماء الفلك و بالعلم.وجاء في رسالته أيضاً تذكر يا د.براون أن السبب الوحيد الذي يجعلنا نتبادل الرسائل الآن هو أنك لم تبلغ عن كشفك مبكراً.وكان د. براون قد قدم هذه الرسائل إلى صحيفة The New York Time..بيد أن خوزيه دل تورو إنيستا، مدير معهد أندلسيان، قال في رسالة بريد إلكتروني إنه سوف يحقق في ادعاءات د. براون، مضيفاً «أرجو منكم الفصل بين المعهد كمؤسسة، وبين الباحثين الأفراد فيه، فإن أعمال الباحثين تقع مسؤوليتها على عاتقهم شخصياً».
لايوجد بروتوكول للتحكيم
إن هذه الادعاءات قد أربكت الاتحاد الدولي للفيزياء الفضائية ويذكر د.مارسدن أنه وزملاءه لم يستغفلهم أحد من قبل.ولذلك، فإن الاتحاد ليس لديه بروتوكول للتحكيم في هذه الخلافات.أما د.روبرت كرشنر، وهو فلكي في جامعة هارفارد، ورئيس الجمعية الأمريكية لعلم الفلك، فيقول:«لا أظن أن لدينا طريقة لحل هذه المشاكل، اللهم إلا إعلان غضبنا علناً».إن هذه المشكلة تمثل مخاطر إجراء البحث العلمي في زمن الانترنت، حيث يمكن بنقرة صغيرة أن تحصل على كم هائل من المعلومات مما يكون زملاؤك ومنافسوك على وشك أن يكتشفوه.إن التاريخ حافل بأمثلة من الفلكيين الذين احتفظوا لأنفسهم بالمعلومات حول إحداثيات جرم سماوي حتى يتمكنوا من إكمال حساباتهم، وحافل أيضا بعلماء آخرين يحاولون الاستيلاء على هذه المعلومات.ففي عام 1930، عندما اكتشف كوكب بلوتو، احتفظ مرصد لويل lowell، الذي كان يعمل به مكتشف الكوكب «كلايد تومبا»، بتفصيلات موقع كوكب بلوتو، لأنهم أرادوا أن يكونوا أول من يقيس مدار الكوكب.أما ريتشارد بروج، الفلكي بجامعة أوهايوستيت، والذي اكتشف المخالفة التي نتكلم عنها، فقد قال إن العلماء كانوا دائما بينهم ميثاق شرف. فالفلكيون يعملون دائما في لجان تحديد الوقت للتليسكوبات، ويراجعون أعمال بعضهم بعضا دون أن يسرق أحدهم أفكار الآخر».إن هذا يمنحنا جماعة منفتحة متعاونة.وفكرة إساءة استخدام هذا الانفتاح يمكن أن تدمر مناخ الثقة في جماعتنا».
مكتشفوا الكوكب العاشر
إن د.براون، وزميليه رابينوفيتش من جامعة يال، وتشادويك تروجيلو من مرصد جمناى، في هاواى، قد اشتهروا الآن على أنهم مكتشفوا الكوكب العاشر».أما د.اورتيز، الذي حصل على الدكتوراة من جامعة جرانادا، عام 1994، في بحث عن سحب كوكبي المشتري وزحل، فليس بنفس القدر من الشهرة.عمل د.اورتيز في معمل الدفع النفاث بمعهد كاليفورينا للتكنولوجيا كزميل باحث لما بعد الدكتوراه.ويقول عنه جلين أورتون الذي يعمل في نفس المعهد إنه «باحث متميز»، وأنه رشحه لعدة وظائف ومهام خلال السنوات الماضية.ومنذ عام 2002، يبحث أورتيز وزملاؤه عما يُعرف بـ «الأجسام عبر نيبتون» في النظام الشمسي الخارجي بزوجين من التليسكوبات الصغيرة في مرصد سيرانيفادا في جرانادا.ويبدو أن El61 كان أول اكتشاف كبير لهم.وطبقاً للدكتور اورتيز، فإن الذي لاحظه لأول مرة كان سانتوس سانز يوم 25 يوليو كجرم بطيء الحركة من خلال الصور التي أخذت في مارس (آذار) 2003.وأرسل رسالة بريد إلكتروني بذلك إلى مركز Miner Planet يوم 27 يوليو، ولكنها لم تجذب انتباه أحد لأنها لم تكن تحتوي على معلومات كافية تدل المراقبين الآخرين على مكان رؤية هذا الجرم.وفي الليلة التالية، ذكر د.أورتيز أن فريقه تمكن من تتبع الجرم في عدة صور قديمة تعود لعام 1955 مما مكن مجموعة في الرصد الفلكي في مايوركا من مراقبة الجرم.ونشر فريق د.مارسان، بعد أن تأكدوا بأنفسهم من أن هذا الجرم حقيقي، التفاصيل وأرسلوها إلى الفلكيين في العالم عن طريق موقعهم على الانترنت، وعن طريق البريد الإلكتروني.إن اكتشاف هذا الجرم يعد أكبر جائزة لمكتشفيه، فقد كان في ذلك الوقت أوضح وأكبر جرم فضائي بعد كوكب بلوتو يوجد في حزام Kupier، وهو حلقة من الحطام تمتد لما بعد كوكب نبتون. والمشكلة الوحيدة هي أن هذا الجرم كان قد اكتُشف قبل ذلك.
دهشة واستغراب
أثار إعلان أورتيز عن الاكتشاف الدهشة في الاتحاد الدولي للفيزياء الفلكية لأنه وتلسكوباته غير معروفين نسبياً، ولأنه مضت سنتان على التقاط صور الجرم، كما أن الدكتور مارسدين تفاجأ بالشبه الشديد بين ما علمه عن اكتشاف براون واكتشاف اورتيز.وبتوقيت إعلان اورتيز، قال انه أخبر د.براون باحتمال أن تكون معلومات قد تسربت من عنده.وفي الحقيقة فإن د.براون، دون وعي منه، جعل حدوث هذا التسرب أمراً ممكناً.فقد أشار في المستخلصات إلى (سانتا) باسم كودي هو le 40566A، وهو نفس الاسم الذي كان فريقه قد استخدمه في السجلات.واكتشف د.براون ما أصابه بالرعب يوم أعلن اورتيز اكتشافه:إن أي فلكي، قرأ المستخلصات، وكتب الاسم الكودي في أي محرك بحث، سيصل مباشرة إلى الموقع الذي يحتوى على سجلات مجموعة Smarts، أو أنظمة التلسكوبات البحثية الصغيرة والمتوسطة. وكان د.براون وفريقه يستخدمون احد هذه التلسكوبات لتعقب الجرم السماوي في مرصد Cerro Tololo في شيلي.ويعد هذا التلسكوب واحدا من أربعة يمتلكها مشروع بحثي مشترك بين عدة جامعات ويشغله اثنان من المساعدين في المرصد.وموقع الانترنت هذا متاح للجمهور، وهو لا يحتوي على البيانات المأخوذة أثناء الرصد، ولكنه يحدد مكان توجيه التلسكوب.وحين صُدم د.براون بحقيقة أن بياناته مكشوفة للغاية، دعا إلى مؤتمر صحافي ليعلن عن كشفه المخبوءكوكب جديد أكبر من بلوتو، وفي السابعة مساء الجمعة 29 يوليو (تموز)، قال براون في موقعه على الانترنت: «إن هذا هو أفضل وقت لتعلن أخباراً لا يريد أحد أن يسمعها».واعتذر د.براون للدكتور اورتيز مسبقاً (في رسالة بالبريد الإلكتروني) على أنه سوف يسحب البساط من تحت قدميه.لكن الأسئلة لا تزال تدور في أذهان بعض الفلكيين حول ما إذا كان فريق اورتيز قد استولى على معلومات من سجلات براون، وهي ملاحظات تثير ضيق أوريتز وكتب د.اورتيز رسالة إلى دانيال جرين عضو الاتحاد الدولي يوم 5 أغسطس (آب) جاء فيها:«إنني غير معجب بالمرة بعدم الثقة والريبة التي تثور حول إنجازنا»، وأعطى د. جرين الرسالة إلى مجلةThe Times.ولكن يوجد حالياً دليل على أن اورتيز وفريقه دخلوا على موقع سجلات براون. فقد أثار د. رابينوفيتش، من جامعة بال، أسئلة جعلت احد أعضاء فريق د. براون، د.دوج، وهو المسئول عن الموقع الخاص بالتلسكوب، يقرر أن يتحقق من هويات من دخلوا على الموقع.وتم اكتشاف أن أجهزة كمبيوتر، من عنوان غير مألوف، زارت الموقع ثماني مرات في الفترة من 26 إلى 28 يوليو (تموز)، وهو الوقت الذي أعلنت فيه المجموعة الأسبانية الاكتشاف.وفي كل زيارة دخلت أجهزة الحاسب مباشرة إلى صفحات بعيدة داخل الموقع تحتوى على ملاحظات مجموعة براون حولk40506A.وكانت الزيارات الثلاث الأولى قد حدث بفاصل عدة دقائق يوم 26 يوليو، أي قبل يوم ونصف اليوم من إعلان المجموعة الأسبانية للاكتشاف.وتمت عدة دخولات صباح يوم 28 يوليو، قبل أن يتم رصد الجرم في مايوركا، وقبل أن يقدم د.اورتيز تقريره الكامل إلى الاتحاد الدولي للفيزياء الفضائية.
منافي للأخلاقيات العالمية
وتمكن د .بروج من تعقب أجهزة الحاسب من خلال ما يسمى أرقام IPP، وهى أرقام تعطيها الإنترنت لكل حاسوب متصل بها.وقادته هذه الأرقام في النهاية إلى موقع معهد أندلسيان.وقال د.بروج أنه شهق بصوتٍ عال عندما رأى ذلك «إنني اذكر أنني قلت : لا، لا، لا عدة مرات». والأهم أن أرقام IPP الخاصة بمن تطفلوا على شبكة براون هي نفس الأرقام الخاصة برسائل البريد الإلكتروني التي أرسلها سانتوس واورتيز إلى مكتب Minor planet، على حد قول د.مارسون.واتصل د.بروج بدكتور براون في الثامن من أغسطس (آب) وأرسل د. براون بدوره رسالة بريد إلكتروني إلى د. اورتيز يطلب منه توضيحاً، ولكنه لم يتلق رداً».ولكن في بداية هذا الشهر رد د. انيستا و د. اورتيز، و قال اورتيز انه كان في عطلة، وأنه سوف يكتب له مرة أخرى في 15 سبتمبر (أيلول). وبسبب عدم وجود معلومات أخرى، فإنه من المحتمل أن يبقى ما فعله اورتيز بسجلات المرصد لغزاً. فهل كان هو وزملاؤه يتأكدون من أن اكتشاف د. براون هو نفس اكتشافهم، وبهذا يتأكدون مما رصدوه؟، أم أنهم استخدموا المعلومات للعثور على الجرم وهزيمة فريق كالتك؟.
يقول الفلكيون إن كلا التصرفين يخالفان الأخلاقيات العلمية، ولكن بدرجات متفاوتة. جون هوشرا، وهو عالم فلك، ونائب العميد لسياسة الأبحاث في هارفارد يقول: «إنه أحياناً لا يكون هناك خطأ في استخدام معلومات قدمها الفريق المنافس». إذا سمعت، على سبيل المثال، معلومات منهم في مؤتمر، فإن هذه المعلومات تكون حلالا، ولكن إذا وجدت المعلومات في صندوق القمامة، أو في ماكينة النسخ، فإنها تصبح حراما».إن أحد عوامل تعقد هذا الأمر هو أن المحترفين، من أمثال د. براون، يميلون إلى الرقود على اكتشافاتهم وإخفائها، حتى يكونوا على استعداد لنشر بحث علمي ضخم. وأدت هذه الممارسات أحيانا إلى حدوث توتر بين مراقبيMinor Planet ، الذين يضمون عدداً كبيراً من الهواة يفخرون بأنهم استطاعوا رصد مذنبات ونيازك غير معروف مسارها، وأجسام أخرى قبل المحترفين. وقال د. اورتيز في رده على د. براون إنه مستعد للتعاون معه في تسمية الكشف بشرط أن يتخلى عن أساليبه التكتمية. ووصف د. براون هذه الرسالة بأنها «تبعث على الدهشة والذهول». وعن حمايته لبياناته قال: «إن هذا ما يفعله كل عالِم كل يوم». وأشار د. مارسدن أن د.براون أفاد العلم عندما كان يحتفظ بـ Santa تحت المراقبة. فقد اكتشف أن له قمراً أطلق عليه اسم رودلف، ومكنه هذا من قياس كتلة الجرم، وهي حوالي ثلث كثافة كوكب بلوتو، بل إنه أيضاً أبلغ عن اكتشافاته، مشيراً إلى المستخلصات». إنني لا ألومه على رغبته في أن يقوم بالعمل كاملاً. فهكذا يتم العمل في الفلك أو هكذا تعودنا».وقال د. مارسدن، وهو أمين لجنة تسمية الأجرام الصغيرة في الاتحاد الدولي، انه سوف يقترح على د. براون أسماء لـ 2003 EL61 والقمر التابع له .