” عدائية ، توتُّر، أو هدوء. . “
أولم نلاحظ ظاهرة ازدياد العدائية والتوتر في أيامنا هذه؟ على الأرجح ، يعود ذلك إلى” العصرنة ” ( نمط حياة سريع ، تكنولوجيات معقدة، السعي إلى المال والمكانات الاجتماعية . . . ).
إنما . يؤكد خبراء اليوم بأنّ محتوى أطباقنا هو أول ما يتحكم بمزاجنا فيمنحنا الهدوء إن كان متوازناً . . أو العكس تماماَ!
عندما نعاني من نقص غذائي :
مجموع الجنح في تزايد ، ومعظمها يعرف بالعنف المجّاني ، أي غير المبَّرر : نظرة أو كلمة زائدة . ويشتعل الفتيل!
تزايد العنف ليس بالجديد بيد أنّ الباحثين اليوم باتوا يتساءلون عن أسباب وعوامل تفاقمه ، ليس إلاّ! هكذا ،رأى بعض الخبراء بأن نوع الطعام الذي يتناوله المرء كل يوم ، يلعب دوراً أساسياً في ظهور تصرّفات عدائية .موقع طرطوس
إنما، هذا لا يعني أن نسمي العدائية أو المزاج العكر بالمرض الغذائي فثمة أسباب نفسية أو اجتماعية دوماً ، ولكن التغذية قد تحسِّن أو لا من التصرفات السلبية . لم هذه الفرضية الجديدة ؟ ذلك لأنّ الطعام من أهمّ المسكِّنات ، حتى أنّ بعض الأشخاص لا يهدأ ما لم يتناول وجبة ما.
من جهة أخرى ، غالباً يربط الخبراء ما بين فعاليّة بعض المكمِّلات الغذائية من فيتامينات ومعادن . وبين موضوع ” التغذية والاكتئاب” . إذاً ثمة صلة حقيقية بين التغذية والسلوك .
خير دليل؟ إمضاء نصف النهار في العمل بلا تناول الطعام ، يصبح العديد منّا سريع الغضب أو التوّتر ، أكثر من المعتاد ! في الواقع ، هذه الظاهرة عائدة ببساطة إلى هبوط سكرّ الدم. بالفعل ، كي يعمل دماغنا بشكل سليم يحتاج حصّة دورية من السكّر. عندما ينقص هذا الأخير . يتعكر أو يتقلب المزاج أولاً ، من ثم يشعر المرء بتعب شديد . عندها. الحلّ الوحيد هو تناول أطعمة حلوة . تجنبًا للانزعاج.موقع طرطوس
الفطور المتوازن يساعد على الهدوء:
بيد أن الحلّ الأمثل يكون في تناول وجبة فطور كاملة .لأنّ اللقمشة لا تقضي دوماً على النزقيّة بالفعل . ابتلاع السكريات السريعة ( ما يرفع معدل سكرّ الدم سريعاً ) ، يثير إفرازا شديداً للأنسولين والتي قد تتسبب بهبوط نسبة السكر في الدم مجدداً كردة فعل. نستخلص ممّا ورد بأنّ المزاج يتقلب بحسب إيقاع وتناول حصص السكّر!
قامت دراسة منذ بضعة أعوام في أحدى المدارس وقد أظهرت أهمية الوجبة الأولى في النهار ، أي وجبة الفطور. قضى الاختبار بالزام مجموعة من التلاميذ العدائيين أو الذين يعانون من متاعب ، بتناول وجبة فطور كاملة . عملياً ، قد تمّ استبدال كل ” الأطايب” المصنّعة من رقائق البطاطس ، السكاكر ومرطبات الصودا المتوفرة في فترات الاستراحة ، بوجبة متوازنة في بداية الصباح . والنتيجة :
ما بين إيجابيات أخرى.موقع طرطوس
سجِّل تراجع في المشاحنات والعراكات المعهودة.
سواء ما بين التلاميذ أو بين التلاميذ والمعلمين ،وقد تأكد الأمر في خلال دراسات تالية طالت مدارس ومؤسسات أخرى .
الإكثار من الهامبرغر يعكّر المزاج “
إجابة على هذا السؤال ، عمد باحث أميركي إلى فرض تغذية معيّنة على نفسه : تناول أصناف الهامبرغر وتوابعه في المطاعم السريعة (Fast Food) . صباحاً ، ظهراً ومساءً وذلك لمدة 30 يوماً على التوالي . والنتيجة؟ كارثة صحية كما قد نتوقع ! وزن زائد من 12 كلغ . فساد كل المعدّلات من كولسترول ، ثلاثي الغليسريد . سكرّ الدم. . . إضافة إلى اعتلال الكبد أما المزاج فلم. يكن بحال أفضل : إرهاق واكتئاب طيلة الوقت. جد متقلب ما بين الوجبات ليعود ليصفو عند استهلاك الوجبة !
نقص التعقل لدى السجناء عائد إلى نقص في الاوميغا 3- ؟:
خلال المقارنة بين ملفات طبية عائدة إلى سجناء متهمين بجرائم جد عنيفة ،وبين تلك العائدة إلى أشخاص عاديين وبكامل الصحّة ، اكتشف الباحثون أمراً غريباً : معدلات الأحماض الدهنية اوميغا 3- جد متدنية لدى السجناء . حتى أنّ بعض الباحثين ذهب إلى أبعد من ذلك بحيث تمكن من الربط بين معدّل استهلاك الاوميغا 3- وبين معدّل جرائم القتل! بحسبهم : تراجعت نسبة جرائم القتل لدى الشعوب الذين يستهلكون كميات أكبر من الأوميغا .3-
اليوم ، يتحدث الخبراء عن مزايا عديدة للاوميغا .3-
تلك الأحماض الدهنية الأساسية المتعددة غير المشبعة : الوقاية من الأمراض القلبية الوعائية، الوقاية من السرطان ، الحدّ من الاكتئاب والاضطرابات الشخصية . . . إنما هذا لا يعني طبعاً بأنّ جزيئة واحدة من هذه الأحماض كفيلة بالقضاء على كل مرض ! بل. عندما نتحدّث عن الاوميغا 3- نقصد في الواقع التوازن بين الأوميغا 3- والأوميغا 6- والذي هو بغاية الأهمية ؛ هذان أساسيان لنموّ الدماغ لكن جسم الإنسان عاجز عن صناعتهما وبالتالي ، الطريقة الوحيدة لعدم نقصهما هي مراقبة تغذيتنا اليومية والتي يجب أن تكون متنوعة متوازنة . من الممكن أيجاد الأوميغا 3- في الأسماك الدهنية ( سلمون، سردين) ، الخضار ذات الأوراق الخضراء وبعض الزيوت ( زيت الجوز تحديداً ) . إن كنّا لنشدّد الأكثر على الأوميغا 3- . فلأنها أقل رواجاً من الأوميغا 6- والمتواجد في عدة أطعمة .موقع طرطوس
فيتامينات ومعادن للارتياح النفسي:
ولكن ، بعد ما ورد ، أن نوجز ضبط المزاج بتصحيح حصص الإحماض الدهنية الأساسية فحسب ، بمثابة خطأ فادح ! الفيتامينات ، المعادن والعناصر المساهمة في إنتاج الأنزيمات، جميعها من المغذيات الصغرى الضرورية لعمل الجسم بشكل سليم : هي أيضاً تشارك في ظهور أو على العكس شلّ التصرّفات العدائية ، كما بدا في خلال الدراسات . من جهة لأخرى ، هذه المغذّيات تساهم في حماية الأحماض الدهنية الأساسية كالاوميغا 3 ، كون هذه الأخيرة من العناصر الضعيفة أو الهشّة ضمن محيطها الغذائي . في الواقع ، استعمل أحد كبار الباحثين مكملات من الأحماض الدهنية التي تحتوي فيتامينات، على عيّنة من السجناء ، وقد أثبت ما يلي:
تلعب بعض الفيتامينات دوراً في إنتاج بعض الوسطاء العصبيين ، أي ، ناقلة انفعالاتنا الكيميائية ،والمسؤولة عن فرحنا وراحتنا ، والتي إذا ما نقصت ، سّببت التوتر والنزق. تلك حالة الفيتامينات ب 9- ( خضار خضراء طازجة ، كبد ، خميرة البيرة) والفيتامينات ب 6- ( الحبوب الغلالية والخضار).
الفيتامين (هـ) E يحمي الأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة من عملية التأكسد: ظاهرة تفقدها كل مزاياها. في الواقع . هذا الفيتامين مادة أساسية وضرورية لنشاط الأنزيمية المضادة للتأكسد، نجده خاصة في الزيوت النباتية وبكمية أقل في المرغرين، الأسماك الدهنية والخضار الخضراء..
لقد امضى بعض الباحثين في علم الجرائم سنوات عدّة في دراسة تأثير مكمّلات الفيتامينات على عينّة من السجناء الشباب . هكذا ، استطاعوا تسجيل تراجع هام ((%38 في السلوك العدائي والمشاحنات داخل السجن . وما بعد اختيارات موسعة لاحقة ، اطلقوا النظرية الجديدة التالية : استباقاً لعنف أحدهم ، من المستحسن دراسة نظامه الغذائي . اكثر منه تحليل سلوكيّاته في خلال الأعوام السابقة .موقع طرطوس
الامتناع عن بعض الأطعمة لا يخفف العدائية :
قد أثبتت الدراسات بأنّ النقص في السيلينيوم يلعب دوراً في إثارة السلوك الجنوحيّ ؛ ما بين عيّنة السجناء التي طالتها الدراسة الجديدة % 60 كانوا يعانون من نقص في السيلينيوم . هذا العنصر موجود في الحبوب الغلالية والقرنيات ويعمل بالتزامن مع الفيتامين (هـ ) E على تقوية نشاط الأنزيمات المضادة للتأكسد . وبالتالي ، هو ضروري لأيض الإحماض الدهنية الأساسية .
من جهة أخرى ,أظهرت الاختيارات بأنّ النقص في الليثيوم ( اللحوم ومنتجات البحر). يلعب دوره أيضاً في بعض الميول الإجرامية ، لا بل من الأكيد أنّ الليثيوم يضبط وبفعالية اضطرابات المزاج وبهدّي التوتر والغضب، بلا إثارة أعراض جانبية بالمقابل ، من الممكن إيجاد الليثيوم في اللحوم ، البيض القشّريات والخسّ.
الحديد من المعادن الأساسية أيضاً في هذا المجال، فأي نقص فيه يسبب التعب والنزقيّة ،وبالتالي، وتفادياً لهذه الحالة، يجب استهلاك البقول ( عدس وحمّص) بانتظام واللحم . الكبد والشوكولاتة يحتويان الكثير منه أيضاً .موقع طرطوس
من جهة أخرى ، ثمّة مادة ضرورية لنقل بعض المعلومات في الجهاز العصبي ألا وهي السيروتونين Serotonine . في الواقع ، يسميها الباحثون بالناقلة العصبية ” للحس” الاجتماعي التواصلي ” ؛ إذا ما نقصت ، شكلت أحدى القواعد البيولوجية للعدائية والتهوّر.
كون الجسم عاجزاً عن صناعة التريبتوفان ( الحمص الأميني نذير السيروتونين) ، فهو يستعمل للمتوفر في تغذيتنا اليومية . لحسن الحظ التريبتوفان موجود في كل الأطعمة ومن الصعب أن ينقصنا.
على أي حال، تنظيم مخزوننا من السيروتونين مبّرر جديد لاستبعاد العادات الغذائية التي تقضي بتفويت عة وجبات أو الامتناع عن عدة أصناف في إطار الحميات الصارمة ، لا فائدة أبداً من الامتناع إرادياً ومطولاً عن كمية الأطعمة الضرورية لعمل الجسم السلي: النقص الغذائي المتأتي عن ذلك يضر للغاية بالصحة ، أما خسارة الوزن فمؤقتة.
أهمية التوازن الغذائي مسألة تأبى النقاش وهذا ما تؤكده الصلة القائمة بين التغذية والعدائية ،كما أظهرها معظم الباحثين .موقع طرطوس
إنما ، هذا لا يعني أن نتوقع من التغذية إبادة التصرفات العنيفة أو العدائية بالكامل ، ذلك لأن عدة عوامل أخرى تحديداً الاجتماعية والنفسية تتدخل أيضاً في تحديد السلوكيات . حتى أن بعض الأشخاص يملكون استعداداً مسبقاً للعنف أو العدائية ؛ لدى هؤلاء ، من الممكن استعمال التغذية المتوازنة للحؤول دون تعبيرهم عن هذه الميول السلبية ، فالطعام الصحّي المتنوّع والمتوازن يساهم في خلق وضع جسدي وفكريّ جيّد لا يفسح المجال أمام التوتر والغضب !