لطالما ارتبط الحديث عن طبيب الأسنان بالخوف وتذكر الألم، خاصة عند الصغار وعدد لا يستهان به من الكبار أيضاً. عوامل كثيرة ساعدت في تشكيل هذا الانطباع، منها تلك الصورة التقليدية التي عايشنا بعض ملامحها في الأفلام القديمة ورسمت في أذهاننا حول الطبيب وهو ممسك بآلة خلع الأسنان بيد وفي الأخرى حقنة معدنية طويلة مخيفة. بينما مساعدوه يتأهبون للإمساك بالمريض لتثبيته على الكرسي .
كلنا استمع إلى أحد الوالدين عندما يريد أن يسيطر على صغاره، كيف يهددهم بأنه سوف يأخذهم إلى طبيب الأسنان . هي صورة نمطية حفرت في أذهاننا جعلت من طبيب الأسنان مصدراً للألم، بدل أن يكون هو من يزيل الألم . هناك بالتأكيد أسباب أخرى وراء الخوف من زيارة عيادات الأسنان .
أولاً: الخوف من الألم
وتعود أسبابه إلى أن الكثير من علاجات طب الأسنان تولد بالفعل بعض الألم لكثرة وكثافة الأعصاب الحسية المتواجدة في الفن والأسنان واللسان وتشابكها مع بعضها البعض، ما يدفعنا في كثير من الحالات إلى إعطاء المريض أكثر من حقنة تخدير للسيطرة على الأعصاب التي تغذي سناً واحدة، ومن هنا تأتي خصوصية الشعور الزائد بالألم عند علاج مشكلات الأسنان مقارنة مع أعضاء أخرى في الجسم.
السيطرة على الألم
تفرض الأساليب الحديثة على الطبيب عدم البدء بالعلاج الفعلي حتى يتأكد تماماً من سيطرته على الألم، من خلال تخدير جميع الأعصاب التي تغذي المنطقة التي يود العمل فيها، متبعاً الطرق العلمية الحديثة في كيفية إعطاء التخدير وبشكل متدرج، ومنح الوقت الكافي للوصول إلى التخدير الكامل للمنطقة المستهدفة، مع ما يتطلبه ذلك بالطبع من دراية كاملة ودقيقة بتشريح الفم والأسنان .
علماً بأن هناك مجموعة من الأسباب، مثل الخوف، والتعب، والتدخين والتهاب المنطقة المراد تخديرها تلعب دوراً كبيراً في تأخير حدوث التخدير.
ثانياً : الخوف من المجهول
تشير التقارير الطبية أنه يتصدر قائمة أسباب الخوف أثناء جلسات علاج الأسنان، فالمريض يرى الكثير من الأدوات الحادة ومعدات الحفر تدخل إلى فمه، لكنه يجهل تماماً طريقة عملها، وكيف ومتى ستلامس أسنانه ؟ وإذا أضفنا إلى ذلك أن كل مراحل العلاج سوف تتم داخل الفم، ولا يستطيع مشاهدتها أو توقعها ليكون مستعداً لردة الفعل، أدركنا عندئذ سبب الخوف من المجهول .
احترام عقلية المريض
يتعامل بعض الأطباء مع المرضى بفوقية، معتبرين أن ما يفعلونه هو أكبر من مستوى فهمه، وأن ذلك لا يعنيه مطلقاً. لكن توجهات العلاج الحديثة تعول على الطبيب كثيراً في إزالة هذا العامل الرئيس، من خلال الشرح الدقيق لجميع مراحل العلاج، وبشكل مبسط يستطيع أي إنسان فهمه واستيعابه، والطبيب الحاذق هو من يجيب عن كل استفسارات المريض مهما كانت تبدو تافهة في نظره ، وتنبيهه عند بداية كل مرحلة من مراحل العلاج، وتقديم شرح مبسط وسريع عن كل ماسوف يستخدمه من أجهزة وأدوات وطريقة عملها، وما يمكن أن يشعر به في أثناء استعمالها.
وقد أتاحت التقنيات المتطورة، مثل الكاميرا الفموية تصوير جميع مراحل العلاج لحظة بلحظة وشرحها للمريض تباعاً، ما أدى إلى خفض درجة الخوف بنسبة كبيرة جداً قد تصل في كثير من الأحيان إلى % 100 ،وقد أثبتت الدرسات أن عرض الوسائل التوضيحية، مثل الصور أو الأفلام التي تشرح للمرضى مراحل العلاج قبل البدء فيه، تساهم بشكل فعال في تخفيف من حدة الخوف والقلق لدى المرضى .
ثالثاً : المحيط الغريب
تعد عيادة الأسنان من أكثر أنواع العيادات التي تحتوي على أجهزة غريبة الشكل، ناهيك عن الأصوات المزعجة والمرتفعة التي تصدر عنها، وتساهم الرائحة القوية لبعض الأدوية كذلك في صناعة هذا الخوف .
عيادات 5 نجوم
أبدت شركات تصنيع أجهزة ومعدات عيادات الأسنان في الآونة الأخيرة تفهماً لمدى تأثير بيئة العيادة على المريض، وأصبحت تهتم بشكل كبيرة بإعطاء هذه الأجهزة أشكالاً ذات تصاميم أكثر جاذبية، وألواناً هادئة مريحة. بل أجريت العديد من البحوث الطبية والنفسية لاختيار الألوان والديكورات التي تساعد على تهدئة مرضى عيادات الأسنان، فعيادت اليوم لم تعد تلك العيادات القديمة ذات الأجواء الباردة والألوان القاتمة والرائحة المنفرة والأجهزة الضخمة المخيفة.
أما في ما يخص الأصوت المزعجة، فقد تمت السيطرة عليها إلى حد كبير، من خلال أجهزة حديثة صغيرة الحجم تعمل على كتم الصوت، خصوصاً مع التقدم السريع الذي شهدته أجهزة حفرة الأسنان بالليزر والتي تعمل من دون إصدار أي صوت، ومن المنتظر أن تكون من دون ألم أيضاً.
وحول ما إذا كانت الأسباب هي نفسها التي تثير مخاوف الأطفال من التردد على عيادات الأسنان، أن خوف الطفل من عيادة طب الأسنان تحدده الأمور التالية .
صورة يرسمها الأهل
– من الأخطاء التي يقع فيها الأهل من دون قصد، ذكر تجارب مؤلمة مروا بها أثناء علاج أسنانهم أمام أطفالم، ما يولد خوفاً لديهم من زيارة طبيب الأسنان.
– يحاول بعض الأهل خطأ التخفيف من خوف أطفالهم قبل زيارة الطبيب، بترديدهم عبارات، مثل: لا تخف، لن يؤلمك، لن يعطيك حقنة .. الخ . في حين تشير الدراسات النفسية إلى أنها عبارات ذات مدلول عكسي وتزيد من خوفهم. وكل ما يجب على الأهل فعله وببساطة، أن يذكروا الإيجابيات بدلاً من التركيز على السلبيات، كأن يقولوا، سوف نزور صديقنا طبيب الأسنان، أو أن طبيب الأسنان سيقدم لنا العون ويخفف من ألمنا.
– من الخطأ إعطاء الوعود للطفل بأن الطبيب لن يفعل كذا ولن يفعل كذا، وأنه سوف يقوم فقط بالنظر إلى الأسنان .هذا من شأنه أن يعيق عمل الطبيب، ويجعل تشجيع الطفل على التعاون مع الطبيب والاستماع لما يقوله ويطلبه منه، لأن ذلك سيزيل الألم.
التأثر بسلوك الآخرين
قد يشعر الطفل بالخوف في أثناء جلوسه في غرفة الانتظار ، بسبب سماعه بكاء طفل آخر في غرفة العلاج، لذلك تحرص العيادات الحديثة على أن تكون غرفة العلاج معزولة نوعاً ما عن غرفة الانتظار ،ويفضل أن يكون باب الغرفة مغلقاً. كما أن بعض الأهل يصطحبون أطفالهم بشكل جماعي إلى طبيب الأسنان، وتفيد الدراسات أن معالجة كل طفل بشكل منفرد أفضل ، لأن لكل طفل سلوكاًَ معيناً وتجربة خاصة يمكن أن تؤثر في إخوته.
الزيارة الأولى
تلعب الزيارة الأولى إلى طبيب الأسنان دوراً مهماً في تحديد مستقبل العلاقة بين الطفل والطبيب، لذلك توصي طرق العلاج الحديثة أن تكون هذه الزيارة مركزة نحو تأسيس علاقة طيبة بينهما، من خلال علاجات بسيطة وقصيرة المدة وغير مؤلمة، وتلعب الهدية التي يمنحها الطبيب مهما كانت بسيطة مفعول السحر عند الطفل، وتترك انطباعاً جيداً لديه ورغبة لزيارة الطبيب مرة أخرى.
غرفة خاصة بالأطفال
من غير المناسب معالجة الطفل في غرفة علاج البالغين نفسها، وتحرص العيادات الحديثة على أن توفر غرفة خاصة ذات أجواء ممتعة ومريحة للطفل، ابتداء من كرسي أسنان خاص بالأطفال بتصميم جذاب، وإظهار أقل ما يمكن من أدوات الأسنان وعدم إخراجها إلا عند الحاجة لاستعمالها، ووجود ألعاب مسلية وشاشة تعرض رسوماً متحركة أو أفلاماً خاصة بهم .
أسلوب التشبيه والمقاربة
وأخيراً يلجأ الطبيب الناجح إلى أن تمثل أدواته التي يستعملها أشياء معروفة للطفل ومحببة إليه، ما يؤدي إلى تخفيف مخاوفه من تلك الأدوات، ويقبل بإدخالها لتعمل في فمه، بل وتصبح محببة له خاصة إذا رافقتها قناعة أنها تزيل ما يشعر به من ألم.