كثيرة هي القيود التي تفرضها أوساط الفن على المحجبات في مصر ، لكن البانتومايم أو فن الحركات الإيحائية من الاستثناءات، فهن يشاركن في ورش عمل البانتومايم، مما يسهم في تغيير صورة نمطية رافضة لمشاركة المحجبات في مختلف الفنون.
فريق “اسمه..ايه” يهدف إلى إرساء فكرة المسرح الإيمائي وترويجها وتدريب الشباب على تعلم فن “البانتومايم”، وتوفير التدريبات البدنية اللازمة للقيام بالحركات بليونة. وقد خصص الفريق ورش خاصة بالفتيات، وأطلق دعوة تحت شعار” تعالي لو بتحبي التمثيل، الحركة، الجنان، لو إنتي محجبة أو لأ، استمتعي بتجربة مميزة مع فن المايم”، مما قد يساهم في مشاركة نسائية أكثر فاعلية في ورش البانتومايم. واللافت في هذا السياق أن البانتومايم في مصر لا يعد من الفنون التي تتمتع بشعبية كبيرة، ولكن ممثلي البانتومايم شاركوا مؤخرًا في مهرجانات عديدة وكذلك في المسارح والتجول في الشوارع والمواصلات العامة، كمحاولة لتقديم فنهم في الشارع.
مواجهة القيود
صفاء المحمدي، واحدة من مؤسسي فريق “اسمه..ايه” ومدربة المايم، تحدثت عن خبرتها في حوارها مع DW. قائلة: “بعد التخرج من الجامعة أسسنا فريق وقمنا بعروض مسرحية عديدة، وجاء التفكير في البانتومايم بسبب خبرة العمل في المسرح والرقص المعاصر”. وأشارت إلى أهمية هذا الفن مضيفة: “نستخدم الإشارات في حياتنا اليومية دون كلام، الناس ممكن تنسى الكلام ولكنها لن تنسى الأفعال والحركات، فهو فن صادق وبسيط ولا يحتاج إلى كلام أو ديكورات”.
وأضافت:” نتيجة لغياب الجهة الأكاديمية لتعليم هذا الفن، قمنا بجهود فردية في الشارع، للفت الجمهور لهذه العروض وأقبلت عليها الفتيات خاصة لتعلم هذا الفن”. وأردفت: “هناك فتيات عديدة ترغب في تعلم هذا الفن ولكنهن يشعرن بالخجل بسبب وجود أولاد عديدة في الفرقة، لذلك فكرت في ورش خاصة للفتيات”. وأشارت إلى أهمية إدراك المحجبات أن الحجاب ليس عائقًا أمام الفن، وأن هناك حلولاً عديدة لمشاركة المحجبات في الفن”.
وقامت المحمدي بنشر صور عديدة لمحجبات شاركن في عروض سابقة لتشجعيهن على الانضمام للعروض المقبلة”. وأكدت أن مشاركة المحجبات في العروض الفنية يساعد على كسر القيود التي يفرضها الفن على المحجبات. وتشرح، قائلةً: “ليس لدينا قيود وأفكارنا مجنونة، ولكن المحجبة تشعر بقيد الحجاب على حديثهن وعملهن وعلاقاتهن، ولكنه قيد غير حقيقي”.
واعتبرت المحمدي أن فن البانتومايم بدأ ينتشر في مصر بصورة كبيرة، ولكن الضوء غير مسلط على هذا الفن، لعدم عرضه على شاشات التليفزيون، لذلك يحاولون توصيله إلى الشارع، ومخاطبة جميع المستويات”. وتفسِّر، قائلةً: “هناك عروض عديدة في أحياء شعبية وأحياء راقية”.
محجبات لا يعتبرنَ الحجاب قيداً
أشارت دينار جمال، 22 سنة، أن سبب مشاركتها لعروض البانتومايم هو ارتباطه بدراستها، حيث تدرس جمال الدراما والنقد المسرحي، لذلك شاركت في عروض عديدة. وعندما تمكَّنت من الفن قامت بعروض عديدة لوحدها. وتقول: “الفن يتعامل مع مشاكل من الواقع، وكلما تناول الفن مشاكل خاصة بالتحرش وفرض الحجاب ومشاكل اجتماعية أخرى كان هناك إقبال جماهيري أكبر”. وتفرِّق بين نوعين من جمهور البانتومايم، جمهور يفهم قيمة الفن ويهتم به، وجمهور آخر ليس لديه وعي بمعناه وأهميته، مثل مشاهدة العرائس.
بينما تروي منال علي، قصتها مع انضمامها للبانتومايم قائلة: “خلفيتي عن الحجاب كأسلوب حياة لا يقوم بتعطيلي عن أي شيء أتمناه”. وتشرح، موضحةً: “أعمل مصورة فوتوغرافية حرة، وأتحرك وأسافر كثيرًا، كما أن والدي ووالدتي متوفيين، مما يمنحني قدراً من الحرية والتحرك”.
وتعتبر أن الحجاب لا يتعارض مع البانتومايم لا سيما وأن فناني البانتومايم يكتفون بارتداء الزي الأبيض والأسود للوصول إلى الحيادية، ولا يوجد إكسسوارات وعناصر الإضاءة والموسيقى، فلا يحتاج الفنان إلى الكلام، حيث يعتمد الفن على ما يمتلكه الفنان من قدراته ماعدا صوته. وتقول: “نقوم يوميًا بعمل إشارات لإرسال رسائل معينة، فهو فن لا يحتاج إلى الإغراء”. وتعتبر أن هناك فنوناً تتعارض مع الحجاب مثل التمثيل، لأن هناك مشاهد لن تكون واقعية بالحجاب”.
واندهشت من عدم سماع تعليقات سلبية بسبب مشاركتها بالحجاب، قائلة: “توقعت انتقادات من الناس، ولكن المفاجأة هي عدم انتباه الناس لحجابي، وهذا دليل على أن ارتداء الحجاب من عدمه غير هام”. مؤكدة أن مشاركتها مع غيرها سيشجع فتيات عديدة لممارسة الفن كما أنها رسالة قوية أن الحجاب ليس ضد الفنون خاصة الراقية.
ورأت أن عدم مشاركة المحجبات في الفنون الراقية هي حجة لاستسلامها للقيود المجتمعية التي تعتبر كل شيء عيب وحرام. وتقول: “البنت لا ترتدي مايوه للشعور بالخجل، أتمنى أن يعطي المجتمع ثقة أكبر في المحجبات، ومنحهن الحرية طالما أنهن لا يُسِئْنَ للدين”.
عوامل مشاركة المحجبات في الفن
يفسِّر جمال زايدة، كاتب صحفي في الأهرام وأمين عام مؤسسة نون للثقافة والفنون، في حواره مع DW، مشاركة المحجبات في الفنون بوجود تغير في المزاج الاجتماعي والديني في مصر. مفسراً ذلك بأنَّ: “هناك أولاً مرونة لدى الفتيات الصغيرات في السن أي من 16 إلى 21 في التعامل مع الهوايات المختلفة، ولم يعد الحجاب عائقًا أمام ممارستهن للفن”. وأردف: “والدليل على ذلك أن الحجاب لم يعد الآن تعبير عن التدين بقدر ارتباطه بالعادات والتقاليد، حيث نرى فتيات عديدة يرتدين الحجاب على ملابس ضيقة وملتصقة بالجسد وهو ما لا يتسق مع تعاليم الدين”.
وهناك ثانيًا انحصار لظاهرة الحجاب في مصر بشكل تدريجي، وبات لدى الفتيات جرأة في خلع الحجاب، نتيجة للحراك المجتمعي منذ ثورة 25 يناير. وثالثًا الحصار المفروض على جماعة الإخوان المسلمين من العمل العام والسياسي، وتراجع قدرتهم على تجنيد الفتيات لصالحهم، بحسب زايدة.
واعتبر أن هذا الحراك أسهم في إقبال الفتيات على تعلُّم الفنون المختلفة، من ضمنها فن البانتومايم. وتطرَّق إلى موقف شخصي تفاجأ به بعد تلقيه دعوة لحضور معرض فن تشكيلي، واكتشف أن صاحبة المعرض فنانة محجبة، حيث كان يرى تعارض بين الحجاب والحرية. مستخلصاً من ذلك أنه لا يوجد تعارض بين الحجاب والفن.
ريهام مقبل
DW