الموضوع الذي أصبح يشغل العالم أكثر من أي موضوع آخر هو موضوع تلوث البيئة ، إذ عقد له في دار الأوبرا في ستوكهولم مؤتمر عالمي اشترك فيه ألف ومئتا مندوب يمثلون مئة واثني عشر بلدا .
وقد افتتحه الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة الدكتور فالدهايم وحدد له أهدافا تحققت كلها أثناءه لفرط اهتمام ممثلي الدول المشتركة فيه بالخروج منه بنتائج ايجابية .
حدد الأمين العام في خطابه أهداف المؤتمر العالمي بالامور الاتية :
1- إعلان عالمي عن البيئة الانسانية .
2- المواقفة على الخطة الموضوعة لصيانة البيئة .
3- الموافقة على إنشاء صندوق عالمي للبيئة ، يضاف إلى ما ساهمت به الحكومات لبرامج تنمية المشاريع التي تحمي البيئة .
4 – إبراز الأهمية الحيوية للجهاز والمال الضروريين لجعل كل ما يخطط في سبيل صيانة البيئة ممكن التحقيق .موقع طرطوس
وعندما عقد المؤتمر جلسته الختامية في 16 حزيران كان قد تم الاتفاق الكامل على جميع هذه الأهداف ، رغم ما في المؤتمر من حساسيات سياسية .
والتلوث لا ينحصر في ما يفسد الماء والهواء أو في ما يشوه المنظر ويؤذي العين . وإنما يشمل التلوث مختلف أنواع الضجة والروائح الكريهة والسموم التي يتعرض لها الطعام .
وفيما يلي بعض دراسات عن التلوث عن طريق الأذن الأنف والفم .
أكبر مركز في العالم لدراسة تلوث الهواء
تم بناء أكبر مركز في العالم لدراسة تلوث الهواء ووسائل تنقيته وذلك في ” فاكنسجو” بجنوب السويد . وقد كلف بناؤه وتجهيزه ثلاثة ملايين كرون سويدي ، أي حوالى 360 ألف جنيه .
وأقيم فوق 2500 متر مربع من الأرض ، ويضم معامل لاختبار المراوح ، ومرشحات الهواء ، ووحدات المتدفئة والتبريد . وتتم في هذا المركز دراسة كل أنواع المرشحات ومضخات ضغط الهواء ، واستعمالات التيار الكهربائي في التعقيم ودراسة مقاومة ذرات الغبار للاستفادة من هذه الخاصية في تطوير مرشحات الهواء . ويمكن باستعمال إمكانيات وتسهيلات هذا المركز ، لحصول على ما يحدث في الهواء من تلوث خلال 10 سنوات في فترة زمنية لا تزيد على 3 شهور وذلك باستخدام أجهزة خاصة تقوم بتلويث الهواء وتحريكه بسرعات مختلفة ،وفي ظروف جوية متنوعة ،وتقوم بإضافة المواد الكيمائية كالتي تخرج مع دخان المصانع والآلات والسيارات .
وفي المركز قاعة تمتلئ بالمراوح الضخمة التي يمكن عن طريقها تحريك 70 ألف مترا مكعب من الهواء واختبار درجات تلوثها . ورغم تعدد الاجهزة والمعدات ، فإن 50 فقط من الفنيين والخبراء يديرون هذا المركز ،ويتولون الأبحاث والصيانة فيه .
من جملة التلوث في البيئة الروائح الكريهة التي تخنق العالم
ينتبه المرء في صالون انتظار في المطار أو محطة سكة الحديد ، أو في جلسة عائلية ،إلى رائحة تنفس شخص أكل ثوما أو بصلا ،أو يحمل سيكارا له رائحة قوية غريبة .
مع أن هذا بسيط بالنسبة إلى الروائح التي هي أعم ، والناتجة عن أسباب أهم ،والتي لها تأثير أبعد .
وقد أثارت الروائح الكريهة المنتشرة في الجو عن طريق الصناعات اهتمام العلماء المختصين في الحفاظ على الصحة . ذلك أن مثل هذه الروائح من شأنه أن يلوث مناطق بأكلمها ، مسباً التسمم للسكان .
فالروائح التي تتأتى من مصانع ورق ” الكرافت” ،والحرير الصناعي ، والهلام المصنع ،تعطينا صورة واضحة عما يعانيه السكان الذين يتنشقونها .
وبالإضافة إلى روائح المصانع، فإن حاسة الشم تستقبل أيضاً أنواعا أخرى من الروائح الكريهة المنبعثة من سوق السمك ،أو من المسالخ ،وحتى من صناعة بعض الحلويات .
ويمكن تصنيف الروائح إلى فئتين :
الروائح التي تختفي بسرعة ،والروائح التي تظل معلقة على الثياب وغيرها . لكن لا يخلو الأمر من الروائح النظيفة نوعا ما ، كرائحة الفحم الحجري المستعمل للتدفئة ، والأبخرة المتصاعدة من مصانع الفولاذ في بلدان أوروبا الغربية .
أما في الولايات المتحدة الاميركية فتتصاعد في فصل الشتاء خاصة رائحة ” الهيدروكاربون” الذي تفرزه محركات المنقلات . لكن مع الوقت تتخدر حاسة الشم وتعتاد على مثل هذه الروائح .
وهناك سؤال يطرح : ماذا يمكن أن تكون تدابير الصحة العامة في المكافحة ضد الروائح الكريهة ؟
والجواب المحدد عن هذا السؤال صعب : فمصادر الروائح الملوثة متعددة وكثيرة نذكر منها تلك التي تتصاعد من زيت الكتان ،وكذلك رائحة ” سلفيت الهيدروجين” وهو غاز له رائحة البيض العفن .
أما مصانع الورق ،ومصانع الصوف وهي من أهم منابع الروائح الملوثة ففي روتردام بهولندا قد أدى وجود مصانع متقاربة في منطقة واحدة إلى نزوح السكان نتج عنه خسائر كبيرة من الناحية الاقتصادية وحدا بالمسؤولين إلى ايجاد طريقة أكثر تقدماً بغية مكافحة الروائح .
لكن العلماء لم يتمكنوا حتى الساعة من معرفة مدى الأضرار التي تلحقها الروائح في الجسم . فخلايا حاسة الشم تتخدر من جراء اشتمام الروائح .
والغريب في الأمر أن لعلم النفس الحصة الكبرى في هذه الظاهرة إذ أن آلام الرأس ، والربو، والغثيان ، الناتجة عن الروائح ، ما هي سوى ردود فعل بسيكولوجية تؤثر في الجسم .
وأن طريقة اشتمام الروائح تختلف حسب الفرد ، وجنسه ،ونوعه ، فهناك أشخاص شديدو الحساسية لمختلف الروائح ، القوية منها وغير القوية ، وهناك أفراد لا يبالون كثيراً ، وإن كانت الروائح تفعل فيهم فعلها دون أن يشعروا .
ولو أردنا الحد من هذه الروائح يكون قد أوقفنا أكثر النشاطات البشرية . ونحاول الصناعات اليوم الحد من الروائح ، إنما لم تنجم عن هذه الخطوة أية نتيجة ايجابية نهائية بعد .
ومازالت محاربة الروائح جزءاً من الحرب التي تشن اليوم في العالم كله ضد تلويث البيئة ، إذا أن الروائح الكريهة ، مثل الأصوات المزعجة ، ناحية من نواحي التلوث الذي يزداد خطره مع ازدياد التقدم الصناعي .
الأغذية الملوثة ، أخطار مخبأة
باتت العدوى التي تصيب الأغذية عن طريق المستحضرات الكيميائية ـ شاغلة البلدان ذات الطابع الصناعي . وتدخل المستحضرات تلك ، السلسلة البيولوجية وتتجمع في الحيوانات والنبات .
ويتوزع التلوث الذي يصيب الأغذية على ثلاث فئات :
المعادن ، مبيدات الحشرات ، ” والميكرتوكسين” ويلي ذلك الزئبق ، والرصاص ، و” الكدميوم” والقصدير ، والكوبلت” ويشكل الزئبق خطراً على الإنسان وذلك عن طريق الاستهلاك المتكاثر للاسماك والقشريات ، وهو يتجمع في الجسم مسبباًً إصابات في الجهاز العصبي المركزي ، ففي العام 1972 تسممت مجموعة كبيرة من الناس في العراق أثناء رش القمح والقرطمان بمستحضرات سامة ممنوعة من الزئبق .
أما الرصاص ، فهو يسبب فقر الدم ، ويوجد في أغلبية الأطعمة .
وينتشر ” الكوديوم” في أكثر المأكولات البحرية ، ويدخل السلسلة الغذائية من خلال التربة أو بواسطة الأرز ، والقمح ، وهو يسبب أمراضاً في الكلي .
أما القصدير فيوجد في أكثرية الأغذية على شكل غذاء طبيعي .
وقد تسبب ” الكوبلت” في موت عشرين شخصاً من أصل ثمانية وأربعين كانوا قد اجترعوا البيرة ممزوجة ” بالكوبلت” منعا للرغوة .. وجدير بالذكر أن استعمال المبيدات قد تكاثرة في الآونة الأخيرة ، خاصة الـ د.د. ت.، ” والديلدرين” وغيرهما . وقد أظهرت التجارب التي أجريت على الفئران ، مدى خطورة هذين المستحضرين اللذين أحدثا تورما في كبد الفئران . حتى أن الولايات المتحدة قررت أخيراً تخفيف استعمال الـ د.د.ت . فيها إلى واحد بالمئة مما كانت تستعمله من قبل !
أما ” الباراتيون” وهو مستحضر عضوي – فوسفوري فقد سجل الكثير من ضحايا التلوث .
وأما الحبوب والمحاصيل المخزنة ، فقد تصاب بنوع من الفطر يسبب ردود فعل كيميائية أهمها ” الأفلاتوكسين” الذي يصيب ثمار ” الكاكاهوات ” .
وقد حدثت غرب اليابان حالات تسمم نتجت عن كثرة استهلاك نخالة الأرز الملوث ..
. . . والضجة أيضا تلوث . . .
الضجة لا تؤذي السمع فحسب وإنما تؤثر على الجهاز العصبي والجهاز التنفسي وتسبب لنا عسر الهضم .وقد أصبحت الضجة رفيقنا الدائم ومازلنا نجهل مدى مضارها . غير أننا مع ذلك نعرف أن السكون قد لا يكون أهون الشرين !
في محل لبيع الاسطوانات قفص فيه أرانب تسمع الموسيقى بصورة دائمة .
وبعد 88 ساعة من استماع الموسيقى بدون انقطاع تبين أن % 25 من خلايا الاذن الداخلية تعطلت تماما . وهناك مثل آخر : نضع أرنبا على بعد متر واحد من محركات الطائرة فنراه يموت بعد مرور عشر دقائق فقط ونلاحظ آثار حروق في أذنيه ، أن مضار الضجة لا تتوقف عند هذا الحد وإنما هناك عوامل أخرى مثل دقات المطارق وضجيج القطارات والأحمال الثقيلة والساعات المنبهة وجرس التلفون . تضاف إليها أصوات أخرى مختلفة بحيث تسيطر تماما على المدينة أوالقرية التي نعيش فيها .وحتى في المنزل نفسه لا يمكننا أن نتجنب مثلا صوت الثلاجة أو مطحنة البن أو غسالة الثياب . باختصار لم نعد قادرين على حماية سمعنا من الضرر أينما كنا وأينما رحلنا.موقع طرطوس
وهنا نلاحظ أن البالغين سن الخمسين من سكان المدن خف سمعهم . لهذا أنشئت دائرة خاصة تابعة لوزارة الصحة والشؤون الاجتماعية في فرنسا لمعالجة هذه القضية واتخاذ التدابير الوقائية لحماية السكان من ضرر الضجة . ولا يغيب عن بال القاريء أن الضجة التي نتكلم عنها لا تعني الأصوات الطبيعية التي نسمعها وإنما تنحصر في الضجة الصناعية التي خلقتها وسائل النقل الحديثة التي نستعملها اليوم ، وهي مختلفة الأنواع .
فالضجة إذا هي الأصوات التي نحاول ألا نسمعها مثل أحاديث الجيران ، وزمامير السيارات في الشارع وصخب ورشة البناء وحتى صوت نقطة الماء التي تنزل من الحنفية ! ومع هذا نحن معرضون في كل يوم لهذه الأصوات التي تسبب لنا عطلاً في سمعنا واضطرابات في الجهاز العصبي تؤدي في النهاية إلى إحداث ضعف فيزيولوجي في الأذن .
والأطباء المتخصصون بالرأس يحاولون معالجة قضية الأذن بكل دقة وانتباه خاصة الذين يتعرضون للضجة مدة ثماني ساعات في اليوم مثل عمال البناء والسيارات ومعامل المعلبات وسواها إذ أن هؤلاء يضعف سمعهم وفوق ذلك هم معرضون لفقده في كل لحظة ، ولهذا يوفرون لهم حماية خاصة باستعمال الخوذات والصمامات.
الضجة والرؤية
تأثير الضجة لا ينحصر في الاذن فقط وإنما ينعكس هذا التأثير على التنفس والجهاز العصبي وكل ما يمت إليهما بصلة وحتى على هرمونات الجسم بكامله . بحيث يزداد السكر في الدم . لكن التأثير الأكبر بتناول الجهاز العصبي قبضعف البصر خاصة في الليل إزاء النظر إلى الألوان المتعددة وفوق ذلك يشعر الإنسان باضطراب عصبي دائم وبتعب متواصل ولا يعود إلى حالته الطبيعية الا عند الابتعاد لمدة من الزمن عن الضجة التي سببت له كل ذلك .
ذاكرة واضطرابات عقلية
أن نقول أن الضجة تسبب لنا الأرق هو أمر يعود إلى المكان الذي نسكنه والعادة التي نألفها . وهنا من المستحسن أن نفرق بين الضجة العابرة والضجة المستمرة. ومع هذا نلاحظ أن أناساً كثيرين يستغرقون في نوم عميق رغم الضجة القوية القريبة منهم لأنهم اعتادوا هذه الضجة المستمرة . بينما أناس غيرهم يستيقظون مذعورين بمجرد مرور سيارة قرب المحلة لأنهم لم يألفوا سابقا هذه الضجة .
وتختلف قوة الذاكرة أيضا بسبب الضجة وهذا يدل على أن هذه الأخيرة تؤثر تأثيرا كبيرا على الذاكرة .هناك طلاب يفضلون الدرس وسط صخب من الموسيقى بينما يفضل القسم الآخر السكينة والهدوء كي يستوعبوا الدروس بكل راحة . وبعد التحليل تبين أن الذين يدرسون وسط الضجة بإمكانهم أن يتذكروا بسهولة ما درسوه لأن الضجة ساهمت في أيقاظ الذاكرة لاستيعاب الأشياء .موقع طرطوس
والآن أمامنا قضية أخيرة تتعلق بالاضطرابات العقلية التي تسببها الضجة وتفسر هذه الاضطرابات بفقدان التنسيق في الأفكار وعدم الاستقرار الفكري ، والعصبية . وبإمكاننا أن نشدد على الأخطاء التي ترتكب والتعب في العمل والضغوط النفسية التي تشعر بها تصدر عادة عن الضجة التي تحيط بنا أثناء الشغل .وهذا ما حدا بالأوساط الصناعية إلى معالجة قضية الضجة لتحسين أوضاع العمل وزيادة الانتاج وتفادي الأخطاء والحوادث التي تحصل بسببها .
الصمت المستحيل . . .
قضية أخيرة ينبغي أن نتنبه إليها هي أن الاشخاص الذين يخافون الضجة هم أنفسهم يخافون الصمت . غير أن هذا الأخير لا يستوجب الخوف مطلقاً لأنه سيصعب على العالم تحقيقه في الوقت الحاضر .