ومنذ سنوات قليلة عادت الحجامة لتفرض نفسها بقوة كوسيلة للإستشفاء في إطار ” الطب البديل ” الذي يسعى لوسائل استشفاء غير تلك العلاجات الدوائية المنتشرة في بقاع الأرض . بيد أنه هناك بعض الجدل حولها واختلافات حول سبل العلاج بها .
وتقول الطبيبة دعاء محجوب ، المعيدة بقسم الطوارىء والحالات الحرجة ، بمستشفى جامعة الملك عبد العزيز في مدينة جدة غربي السعودية وهي من أبرز المهتمين بالحجامة : إن العلاج بشفط الدم الفاسد ، على رغم تاريخه الممتد لآلاف السنين ، لا يزال يمارس بالطرائق التقليدية والشعبية المتوارثة في العديد من البلدان العربية وبينها السعودية ، لا سيما في مكة وجدة والمدينة المنورة ، وجميعها في المنطقة الغربية من السعودية .موقع طرطوس
وأضافت محجوب في حديث لوكالة الأنباء الألمانية أن الحجامة موجودة في بعض دول شرقي آسيا مثل الصين واليابان وإن اختلفت طرائق ممارستها عن مثيلاتها في العالمين العربي والإسلامي ، حيث تنتشر هناك الحجامة الجافة ، وهو ما يطلق عليه ” كاسات الهوا ” ونظراً لزيادة كثافة دماء سكان المناطق المرتفعة على نظرائهم من سكان المناطق الساحلية، فإن التبرع بالدم الذي كان يمارسه سكان المرتفعات والمناطق الجبلية كان يحمي مواطنيها من مخاطر الجلطات ، وهو ما كان يعرف آنذاك ب ” الفصد الدموي ” وهي الحجامة بمفهومها الحالي ، باعتبارها حقيقة علمية مسجلة في تاريخ الطب العربي منذ أكثر من 1400 عام .موقع طرطوس
أما في السعودية ، فإن الحجامة كانت تمارس باستخدام قرون الحيوانات كالفيلة التي كانت تجلب من الهند ، ولكن ذلك كان يتم بشكل بدائي عن طريق فتيلة داخل كأس زجاجي ، ولا تزال حتى الآن في بعض المناطق ، وأوضحت الدكتورة دعاء محجوب أن هناك ثلاثة أنواع من الحجامة : الحجامة الجافة وحجامة استخراج الدم والحجامة المتزحلقة أو حجامة المساج ، وأن الشيخ أحمد حفني هو من أعادها للأذهان كعلاج مؤثر في مصر .موقع طرطوس
ويعد الشيخ أحمد حفني من أوائل من يرجع لهم الفضل في إحياء مزاولة الحجامة في شكلها العصري بعد تطبيق إجراءات تعقيمية صارمة تحمي المريض والحجام في آن ، من خلال استخدام الكأس وكافة الأدوات المستخدمة لمريض واحد فقط ، كما يرجع له الفضل في تدريس الحجامة لنحو خمسة آلاف طبيب ، وثلاثة آلاف وخمسمئة من الممارسين الذين ينتشرون في الوقت الحالي في العديد من الأقطار العربية ، بينها الإمارات والسعودية ودول الخليج وسوريا ومصر .موقع طرطوس
ويشير الدكتور عادل الجوهري ستشاري وأستاذ مساعد الجراحة العامة وجراحة المناظير وأحد خبراء طب الحجامة في المستشفى ، إلى أن الأسلوب الحديث في الحجامة ” آمن تماماً لا تشوبه مخاوف مقارنة بالكاسات النحاسية القديمة التي كانت تستخدم لأكثر من مريض ، وبالتالي فإن تعرض المرضى للإصابة بالتهاب الكبد الوبائي بكل أنواعه ، إضافة لاحتمال الإصابة بالإيدز تبدد الآن بشكل كبير ” .
وأضاف الجوهري في حديث لوكالة الأنباء الألمانية أن الإجراءات الوقائية الدقيقة لتعقيم المشرط الطبي ، وتعقيم مضع الجراحة وكافة الأدوات والأجهزة الطبية المستخدمة ، ووضع كمية من العسل الأبيض على مواضع شفط الدم – بعكس ما كان يحدث في الماضي – ساهمت بقدر وافر في القضاء على تداعيات انتقال عدوى التهاب الكبد الوبائي والإيدز بشكل تام ، تقريباً . موقع طرطوس
كما أن ابتعاد الحجام عن شفط الدم من مناطق الأوردة والعروق والتركيز على السائل البيني الخلوي ، خففا كثيراً من الآثار السلبية والعوارض الجانبية .
وأكد الجوهري أن الأدوات تستخدم حالياً لمرة واحدة فقط ، كما أن أسلوب الشفط بالفم الذي كان يتبع بالطرائق التقليدية استبدل له الشفط بكاسات زجاجية وهو أسلوب احترازي ووقائي يوفر الحماية للحجام والمريض من أي عدوى محتملة ، وهي مظاهر إيجابية تصب في مصلحة الجدوى الطبية للعلاج بالحجامة .موقع طرطوس
وأوضح الجوهري أن العلم أثبت نجاحاً ملحوظاً للحجامة في علاج الأمراض المزمنة وآلام الرقبة والظهر ( الديسك ) والصداع ومشكلات العيون والدوخة وآلام البطن والسكر والقولون العصبي والسكري وضغط الدم المرتفع ، وتنشط الحجامة الموصلات العصبية ، بل إنها أثبتت تخفيفها للألم وتقوية جهاز المناعة عن طريق زيادة كرات الدم البيض والأجسام المناعية المضادة للإلتهابات البكتيرية والفيروسية والسرطانات وعلاج الضمور والشلل الرعاش .
ومن جانبه ، قال الدكتور حسان أمين سمباوة ، اختصاصي أول طب الطوارىء والحالات الحرجة ، والحاصل على الزمالة العربية والأردنية في طب الطوارىء في حديث لوكالة الأنباء الألمانية ، إن الطرائق التقليدية في ممارسة الحجامة أصبحت تقترب من الطرائق الحديثة في ظل تطبيق إجراءات .موقع طرطوس
وقائية وتنافسية بين الطب الشعبي الذي يعتمد على المشرط المعقم ، والطب الحديث المعتمد على ( التفريغ ) .
وأضاف أن الرغبة في التربح وسرعة إعادة الحجامة للنشاط والحيوية عند طالبي الاستشفاء ، ساهمتا في تنشيطها لاسيما بعد استخدامها في إزالة التسمم من جسم الإنسان ( المفرط في تناول المخدرات بأنواعها ) وهذه النظرية موجودة في الطب الصيني والهندي كإحدى وسائل الاستشفاء والعلاج في إطار ” الطب البديل ” .
وأشاد د . حسان في معرض تعليقه على سبيل الاستفادة الحالية من الأبحاث السورية التي تعد عريقة ورائدة في المجال . وقال : إن هناك اعتقاداً بأن الحجامة تزيد قوة الذاكرة .. وإن علماء المسلمين استخدموها لتقوية الذاكرة ومنهما بن سينا وأمد بن حنبل اللذان كانا يلجأان إليها إذا استعصي عليهم أمر من الأمور ووهنت الذاكرة في التفاعل مع الواقع ، بحسب سمباوة .موقع طرطوس
وأكد الدكتور عدنان المزروع عميد كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز في جدة ل ( د.ب.أ) أن الحجامة تعد جزءاً ثابتاً ومهماً في الطب العربي القديم ، ولها من الفوائد ما لا يمكن إنكاره أو تجاهله ، كما أنها جزء من الطب التكميلي على مستوى الطب الشرقي .
وأضاف الدكتور عدنان أن جامعة الملك عبد العزيز كصرح تعليمي طبي و أكاديمي ، ساهمت بدورها في تبني الجزء العلمي من أبحاث الحجامة لتأسيس مرجعية علمية لها . وأن بحوث عدة أجريت في هذا الصدد ، ولا يزال البحث العلمي قائماً تحت إشارف الجامعة .موقع طرطوس
وعلى الجانب الآخر تحدث الدكتور أمين يوسف الجنابي اختصاصي أمراض النساء والولادة في أثناء إجرائه عملية حجامة قائلاً إنه يعالج نفسه بها بشكل دوري ، مشيراً إلى أنه كان يعاني آلاماً في كتفه الأيسرى ، وعندما أجرى الحجامة اختفى الألم تماماً ، على رغم تجربته للعلاج الطبيعي الذي لم يساعد على الشفاء ، وأنه من خلال تجربته العلمية أيقن جدوى وفاعلية العلاج بالحجامة ولذلك كررها مشدداً على أنه بصرف النظر عن الميكانيزم الخاص بالحجامة ، فهو مقتنع تماماً بفائدتها لأنها من السنة المطهرة .
واستطرد موضحاً رغبة العديد من المرضى في استخدامها لإزالة الإرهاق والصداع النصفي في ثلاثة أماكن وهي ” اليافوخ ” ( نقطة في منتصف الرأس ) ونقطتان تسميان ” الأخدعين ” خلف الأذن ، وقال ، ثبت أنها تعالج تمزق العضلات والأربطة ما جعلها تمارس في الطب الرياضي في امريكا والعديد من الدول الأوروبية كألمانيا وسويسرا ، بوصفها إحدى الوسائل الطبية الفرعية التابعة لمنهج الطب البديل . وأضاف أنه شخصياً يلجأ للحجامة وأحياناً للإبر الصينية لإزالة الإرهاق والتوتر العصبي .موقع طرطوس
ومن ناحية ثانية أكد الدكتور محمد كمال عز الدين اختصاصي الأشعة في مستشفى الهدى من على سريره بالمستشفى ، وخلال تلقيه العلاج بالحجامة لأول مرة أنه مقتنع بها لأنها ” ضمن العلاجات الطبية النبوية والعربية المشهود بفائدتها السريعة ” ولأنها من وجهة نظره تعد من ” أفضل الوسائل السريعة جداً لإزالة الألم والإجهاد البدني والصداع النصفي ، كما أن السيدات يحتجن إلى الحجامة بعد الولادة لتخفيف آلام الظهر “.موقع طرطوس
وتعد الدكتورة هيفاء مظهر ، استشارية أمراض نساء في مكة ، بعد حصولها على الدكتوراه من بريطانيا ، من أوائل الطبيبات اللائي نجحن في عمل الحجامة في منطقة الظهر ( بعد شهر من تاريخ الولادة ) لأكثر من 30 سيدة من السيدات اللاتي أشرفت على توليدهن .
وعلى رغم المخاوف التي تبديها بعض شركات الأدوية من احتمال تأثرها بانتشار الحجامة ، لاسيما في مجال المسكنات ومزيلات الألم ، على اعتبار أن علاج الصداع النصفي قد يشفي تماماً بعمل الحجامة مرتين أو ثلاثاً على الأكثر طوال العمر ، فإن تكاليف الحجامة تقف حجر عثرة في شيوعها وانتشارها بالسرعة التي قد تؤثر في مبيعات المسكنات التقليدية في كل أنحاء العالم ، ولعل اعتمادها في كثير من دول العالم التي تقدر قيمة الأبحاث العلمية الموثقة والمستندة إلى حقائق علمية دامغة ، يثبت بالحجة والدليل جدوى ممارسة الحجامة ونجاح علاجها لقائمة طويلة من الأمراض . ويبدو أن الحوار الطبي بين الإبر الصينية والحجامة العربية يصب حالياً في مصلحة الحجامة : لأنها أسرع في الشفاء ، كما أن إجراءها لا يستغرق أكثر من نصف ساعة في معظم الحالات في حين تستغرق الإبر الصينية 10 جلسات على مدى 7 إلى 10 أيام ( 40 دقيقة لكل جلسة ) وهو ما يرجع كفة الحجامة كعلاج مفضل لدى شريحة أوسع في المنطقة العربية .