المعادن هي المخلفات التي تتبقى عن حرق الأنسجة الحيوانية أو النباتية والناجمة عن تفسخ هذه المواد تماماً بعد
الموت . والمعادن بالطبع عناصر لاعضوية ويعرف العلم 103 أنواع منها حتى الآن مسطرة في الجدول الكيميائي الدوري ، والمعادن أو العناصر تنبثق عن التربة وإلى التراب تعود وتعرف علمياً ، ببساطة ، على أنها جزئيات كيميائية تتعذر تجزئتها إلى مواد أبسط .
المعادن مكونات أساسية لكل مادة فهي موجودة في النسيج الحي وموجودة بشكلها اللاعضوي في الرض . وهي تشكل نسبة 4 – 5 % من وزن جسم الإنسان ، وتركز وجودها في الهيكل العظمي ، وتتواجد في بروتين الأنسجة وفي بنية الأنزيمات وفي الدم وفي بعض الفيتامينات .. إلخ . ولو تعرض جسد الإنسان لتفسخ تام لتحولت كافة الأنسجة العضوية فيه ، والمكونة من بروتين وشحم وسكريات ( مكونة بدورها من الكربون والأوكسجين والهيدروجين والنتروجين ) إلى ماء وثاني أوكسيد الكربون ونتروجين ، ولكانت قد عادت إلى التربة أو تبخرت في الجو بمعنى آخر لكان قد تبقى من الجسد البشري ما يعادل 2,5 كلغ من رماد العناصر المعدنية .
ويشكل عنصرا الكالسيوم والفوسفات عادة 75 % من هذه المخلفات وهي تأتي من العظام بشكل أساسي ، إضافة إلى ما مقداره ملعقة شاي من الحديد ، وملعقتا شاي من الأملاح ( صوديوم وكلور ( وشيء أكثر من هذا بقليل من البوتاسيوم ، والعديد من العناصر الأخرى بكميات ضئيلة .
يصف البروفسور ميكائيل ليسر المختص بشؤون العلاج بالفيتامينات والتغذية الجسد البشري على أنه : 65 % أوكسجين 18 % كربون ، 10 % هيدروجين ، 3 % نتروجين ، ويتخد 90 % من هذا الأوكسجين مع 70 % من هذا الهيدروجين ليشكلا بنية الجسد من الماء الذي يؤلف عادة ثلثي وزن الإنسان .
يطلق على المعادن الأساسية التي ترتفع نسبة كل منها عن 0,01 % من وزن الجسم إسم معادن الجسم أو المعادن الكبرى ، وهي : الكالسيوم ( 15 % من وزن الجسم ) ، الفوسفور ( 1 % ) ، البوتاسيوم ( 0,35 % ) ، الكبريت ( 0,25 % ) ، الصوديوم ( 0,15 % ) ، الكلور ( 0,15 % ) ، المنغنيزيوم ( 0,05 % ) ، السيليكون ( 0,05 % ) ، مع العلم أن السيليكون غير مثبت كعنصر أساسي ولكن الدراسات الحديثة صارت تتحدث عن أهميته . ويتواجد معظم الكالسيوم والفوسفور في العظام ، لكنّ شيئاً منها يتواجد أيضاً في الدم وفي كل خلية وللكالسيوم على وجه الخصوص أهمية كبيرة في عمل القلب والعضلات وفي تعزيز ناقلية الأعصاب ، ويدخل الفوسفور المتبقي والكبريت مع العناصر الأربعة بهدف تكوين البروتينات والشحوم والأحماض النووية .
ويطلق العلماء إسم المعادن الضئيلة أو العناصر الزهيدة على المعادن التي تقل نسبتها عن 0,01 % من وزن الإنسان وهي عناصر أساسية في الجسم رغم ضآلة وجودها حيث تقاس عادة بالميكروغرام أو الميليغرام . ( الغم = 1000 ملغ والأخير يساوي 1000 مكغ ) وتحتسب المعادن عادة بالجزء من كل جزء من مليون من وزن الإنسان ( PPM) علماً أن كل PPM يعادل ا مكغ / غم .
إن معظم المعادن الضئيلة المشروحة هنا هي معادن ضرورية لحياة وصحة الإنسان ، ويأتي الحديد في مقدمتها ( 60ppm) يليه الفلور ( 37ppm) وهناك خلاف حول إدخال الفلور ضمن العناصر الضرورية كما أنه من المعروف أن الإفراط به قد يؤدي إلى تسمم ، ويلي الفلور من ناحية الأهمية الزنك ( 33ppm) أما البقية فتقدر بكميات أقل مثل الروبيديوم والسترونتيوم ( 4,6ppm) ثم البروم ( 2,9ppm) الذي يختلف العلماء حول مدى أهميته ثم النحاس ( 1,2ppm) .
تأتي بعد ذك مجموعة المعادن الضئيلة جداً وهي البورون ( 0,7ppm) ، الباريوم ( 0,3ppm) الكوبالت (0,3ppm) الفاناديوم ( 0,3ppm) اليود ( 0,2ppm) ، السيلينيوم ( 0,2ppm) الموليبيدنوم ( 0,1ppm) ، الزرنيخ ( 0,1ppm) والكروم ( 0,09ppm ) . ونحن نعرف أيضاً أن عناصر الموليبدنيوم والكوبالت والمنغنيز والسيلينيوم واليود والكروم هي عناصر في غاية الضرورة لجسم الإنسان .
أما أهم العناصر الأخرى المتواجدة في جسم الإنسان والتي قد تتحول إلى سموم إن زادت بشكل ضئيل فهي : الرصاص والألمنيوم والكادميوم والزئبق ، وهي معادن ثقيلة تزداد نسبتها لدى عمال المناجم ، وصار بعضها يتواجد في الجوز بتركيز أكثر من المعتاد بفعل الغاز المنطلق عن السيارات مثل الرصاص ، ويؤثر التسمم المعدني أساساً على أنزيمات الاستقلاب ووسائط الدماغ والجملة العصبية ككل ، وهي تصيب الإنسان إما بسبب زيادة الوارد منها أو بسبب قصور وظائف الجسم عن التخلص منها .
فائدة المعادن
المعادن مثل الفيتامينات لا تحتوي على سعرات حرارية ولا تمنح طاقة ، لكنها تعين الجسم في عملية إنتاج الطاقة ، وإذا كان الجسم قادراً على تكوين بعض الفيتامينات فإنه عاجزٌ عن تكوين المعادن داخله ، وتبقى الأرض المصدر الأساسي للمعادن ، وإذا انعدمت المعادن في التربة فهذا يعني أن النباتات التي نقتات عليها ستكون خالية من المعادن ، ويلجأ الإنسان إلى تخصيب التربة بين حين وآخر وعدم الإكثار من زراعتها للحفاظ على غنى محتواها بالمعادن والخصوبة وخصوصاً الفوسفات والكالسيوم والنتروجين والمعادن الضئيلة .
يتعامل بعض المختصين في حقل التغذية مع المعادن كمواد تفوق الفيتامينات في أهميتها بالنسبة للإنسان ، وفي الحقيقة إن إصابة الإنسان بنقص المعادن هي أكثر حدوثاً ً من إصابته بنقص الفيتامينات ، إضافة إلى ذلك فإن تحرير المعادن من تراكيب الأغذية المختلفة ومن ثم امتصاصها هو أصعب من تحرير الفيتامينات ويترتب على ذلك أن امتصاص المعادن من الأمعاء أقل كما أن كمية المعادن التي تنتقل من الأمعاء إلى الدم أقل أيضاً .
والمعادن عناصر أساسية هامة لنشاطنا الجسدي والعقلي ، وتشكل حجر الأساس في بناء الخلايا وخصوصاً كريات الدم والخلايا العصبية والعضلية إضافة إلى العظام والأسنان والأنسجة المختلفة ، فهي توفر دعماً للنشاط الوظيفي والبنيوي للجسم وتنظيم ميزان السوائل الحامضي – القاعدي من خلال نسب الصوديوم والبوتاسيوم والكلور ، وتشكل بعض المعادن جزءاً من أنزيمات هامة هي العامل المساعد في التفاعلات الكيميائية الحيوية التي تساعد في إنتاج الطاقة وتعزيز عملية الاستقلاب ، كما تلعب بعض المعادن دوراً هاماً في عملية إيصال الإيعازات في الأعصاب لتقلص العضلات أو تبسطها ، وتتداخل في نفوذية جدران الخلايا وفي تكوين الدم والأنسجة الحية .
يمكن رصد الأعراض الناجمة عن نقص المعادن الرئيسية وهي البوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم والمغنيزيوم بسهولة لدى الإنسان في حين أن رصد نقص المعادن الضئيلة أصعب ، وقد ألقى العلم في السنوت الأخيرة ضوءاً على مهمات هذه المعادن الضئيلة كما هو الحال مع الكروميوم والسيلينيوم حينما كشف الباحثون أهميتهما الأساسية في استتقلاب الكربوهيدرات وتنظيم نسب سكر الدم وفي جهاز المناعة وفي عمل القلب وفي الوقاية من السرطان ( السيلينيوم ) .
وهناك عدة طرق لتحديد ما إذا كان المعدن الذكور أساسياً أو لا ، وكمثال فإن معدناً مثل الكوبالت الضروري في تكوين فيتامين B12 يعتبر أساسياً ، ويطلق إسم الأساسي على كل معدنٍ ضرروري لنشاط وتكوين الأنسجة والدم والأنزيمات والسوائل والعمليات البيولوجية المتجة للطاقة .
وعلى هذا الأساس فهناك 17 عنصراً أو معدناً أساسياً تقريباً ولا تحتسب العناصر الأولية وهي الكربون والأوكسجين والهيدروجين والنتروجين ضمنها .
تنظيم المعادن داخل الجسم
يعمل الجسم على موازنة نسب المعادن من خلال عدة آليات دقيقة ، وطبيعي أن عملية امتصاص المعادن تجري من قبل الأمعاء ، وهي أولى عمليات الاستفادة منها ، وهي تنطوي على الكثير من التعقدات ، أما عمليات التخلص منها فتجري عبر الإرادة الكلوي وبوساطة الكبد والعصارات الهضمية مثل المادة الصفراء وغيرها ، ويحفظ الجسم هذه المعادن في الأنسجة المختلفة للإستفادة منها لاحقاً كما يمكنه تنظيم وجود هذا المعدن من خلال امتصاص المعدن المخالف أو المكمل له في هذه العملية الحيوية أو تلك ، فالمعادن في منافسة دائمة فيما بينها سواء داخل الجسم الحي أو داخل الدواء ، وكمثال فإن كميات كبيرة من الكالسيوم قد تؤدي إلى تقليص امتصاص المغنيزيوم والفوسفور والزنك والمنغنيز ، ويمكن للزنك أن يقلص امتصاص الحديد والنحاس والفوسفور إلى إضعاف امتصاص عدد كبير من المعادن الأساسية الأخرى .
مصادر المعادن
تتوفر المعادن للإنسان بأشكال مختلفة ، وربما كان أشهر هذه الأشكال هو الأملاح غير العضوية مثل كلور الصوديوم وفوسفات الحديد ، ويمكنها أيضاً أن تكون جزءاً من الأملاح العضوية في نسيج نباتي أو حيواني أو متصلة بأحماض أمينية أو بروتينات العضلات كما هو الحال مع الحديد في الهيموغلوبين ، ويطلق العلماء على عملية ( اختطاف ) المعدن من قبل الجسم بهدف تسهيل امتصاصه من قبل الأمعاء اسم الاستخلاب Chelation .
وتتواجد العديد من المعادن في الماء بشكل متأين أي بشكل جزئيات تحمل الشحنات الموجبة أو السالبية وماء البحر المالح يوفر على هذا الأساس مادة الحياة الخلوية بسبب كثرة الأملاح المتأينة فيه. لاحظوا هنا أن الأيونات الموجبة مثل الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنيزيوم تتحد مع الأيونات السالبة مثل الكلور والفوسفات والكاربونات . وربما تتواجد المعادن في محاليل مثل وجود الكالسوم والمغنيزيوم والصوديوم والبوتاسيوم في الماء ، أو قد تتواجد بشكل حر وطبيعي ، وعدد الشحنات الموجبة ( البروتونات ) وعدد الشحنات السالبة ( الإلكترونات ) تحدد قابليتها على الاتحاد مع المواد الأخرى ، وتحدد فعاليتها في تقرير حامضية أو قاعدية هذا السائل أو ذاك طبيعي أن الأيونات الأحادية القطب مثل البوتاسيوم والصوديوم والكلور ( ذات الكترون واحد أو بروتون واحد ) هي أسهل امتصاصاً عند جدران الأمعاء من الأيونات الثنائية القطب مثل الكالسيوم أو المغنيزيوم ( بروتونان أو الكترونان ) .
وإليكم مثالاً عن صعوبة وتعقيد عملية امتصاص المعادن ، فالحديد المتأين موجود في الطبيعة بشكلين إيجابيين ( إيجابيا الشحنة ) هما الحديديك ( +3 ) والحديدوز ( +2 ) ، ويتميز أيون الحديديك بعدم الثبات في الطبيعة وعدم الاستفادة منه في الجسم ، ولهذا تقتصر أقراص الحديد على شكل الحديدوز وهنا يتدخل فيتامين C القادر على تحويل الحديديك إلى سلفات حديدوز السهلة الإمتصاص في الأمعاء ، إلا أن الأخيرة تتميز أيضاً بقدرتها على إثارة الأمعاء والتسبب بحالة الإمساك .
وطبيعي أن المعادن تأتي من النباتات ومن المياه التي تعتمد في مكوناتها على طبيعة التربة ومدى غزارتها بالمعادن ، والمعادن التي تتوفر في المياه هي عادة : الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والكلور والفوسفات والكبريتات . واعتماداً على مصدر الماء واختلاف التربة يمكن أن يحتوي الماء على الحديد والزنك والنحاس أيضاً . ومياه المرشحات التي تسمى المياه الرخوة أو اليسيرة تفقد العديد من المعادن لصالح كثرة في الصوديوم ولذلك فهي ليست صحية للمصابين بارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب والدورة الدموية . وبالعكس فإن المياه الخشنة أو العسيرة تحتوي على المغنيزيوم والكالسيوم الذين ينفعان في علاج هذه الحالات .
وتتوفر المعادن كما أسلفنا في النباتات وهي تشارك في تقرير طبيعتها داخل الجسم كمواد حامضية أو قاعدية . وعلى هذا الأساس فإن الغذاء قد يكون مثيراً للحامضية أو للقاعدية في جسم الإنسان وذلك بحسب المخلفات المعدنية التي تتبقى عن عملية تحطيمه وامتصاصه ، ويميل الدم في الجسم البشري إلى القاعدة التأثير وخصوصاً الفواكه والخضار . وشيء مهم بالنسبة للعديد ممن يعتقدون أن الفواكه الحمضية هي حامضية بطبيعتها نقول أن هذه الفواكه قاعدية التأثير ، في حين أن اللحوم ومشتقات الحليب والجوز والبذور هي حامضية التأثير وقد تخل بقاعدية الجسم .
إن معاملة الأطعمة وتعقيمها وطبخها بشكل غير صحيح يفقدها الكثير من معادنها ، ولهذا السبب هناك الآن مراجعة علمية للعديد من عمليات التعامل مع الغذاء مثل عملية طحن الحنطة التي تشغل حيزاً من نقاشات المختصين منذ فترة ، وصناعة السكر الأبيض حيث يحوي السكر الطبيعي على نسبة عالية من المعادن والمعادن الضئيلة والتي يفقد معظمها أثناء تحويله إلى سكر أبيض ، ويجري جمع مخلفات صناعة السكر ومنحها للحيوانات وهو ما يجري أيضاً مع عملية معاملة الحنطة وطحنها حيث تحول ( النخالة ) الغنية بالمعادن والفيتامينات إلى علف .
يرتبط نقص المعادن عند الإنسان بعدة أمراض بعضها خطير ، وعلى سبيل المثال فإن ترقق العظام قد ينشأ نتيجة لحالة مزمنة من نقص الكالسيوم وفيتامين D . وإذ تؤدي قلة المنغنيزيوم والكالسيوم إلى رفع ضغط الدم تؤدي زيادة الصوديوم والبوتاسيوم إلى ذات النتيجة وهناك علاقة وثيقة بين نقص المغنيزيوم والتشنجات العضلية والآلام العصبية وبعض الأزمات القلبية ويتسبب نقص الزنك والسيلينيوم بخفض قدرات جهاز المناعة ضد الالتهابات .