بدأت تظهر في الأسواق أصناف جديدة من عدسات النظارات لها مميزات عجيبة تذكر المرء بالحرباء ذلك أن لونها يتكيف مع ازدياد كمية النور التي تتعرض لها .
ولا بد أن الذين يستعملون النظارات الطبية ذات العدسات الداكنة اللون لتخفيف وهج نور الشمس يدركون أن الانتقال من مكان تسطع عليه أشعة الشمس إلى مكان خفيف الإنارة نسبياً يستدعي استبدال النظارات الداكنة بنظارات صاغية العدسات . ولكن العدسات الجديدة بقدرتها على التكيف مع قوة النور تحل هذه المشكلة .
لا سحر في ذلك اللهم إلا سحر العلم الذي استطاع بعد أبحاث طويلة وشاقة أن يتوصل إلى استخدام مواد تتأثر بالنور للقيام بهذه المهمة في الزجاج . تسمى هذه المواد علمياً مواد ” غوتوكروميك” وهذه الكملة مركبة من كلمتين باليونانية غوتو = ضوء ، كرومو= لون ، أوهي مواد يزداد لونها قتامة كلما زادت قوة النور التي تتعرض له وتخف تلك القتامة بنسبة انخفاض قوة النور المسلط عليها . على أن هذا التغير في اللون يتسبب إما من جراء اختلاف درجة الحرارة أو من جراء اختلاف الذبذبات الضوئية .
ولا بد هنا لإيضاح هذه النقطة من التذكير بأن الضوء عبارة عن أحد أشكال الطاقة وله ذبذبات معينة وأن لكل لون ذبذبات معينة .
لاحظ العلماء الظاهرة الفوتوكرومية هذه في أواخر القرن الماضى عندما تبين لهم أن بعض أنواع الدهان كانت تتغير ألوانها بتعريضها إلى حالات ضوئية مختلفة . ومع الزمن اكتشفوا عشرات المركبات الكيماوية التي تتميز بالقدرة على تعديل ألوانها حسب الحالة الضوئية التي تتعرض لها . ولكن هذه الاكتشافات بقيت حتى سنوات قليلة مضت عبارة عن طرفة عثر عليها في المختبر .
أما الآن فهناك ميدان تقني جديد بل وصناعة جديدة تنمو حول هذا الاكتشاف ومن المتوقع أن تبدأ في مدة غير طويلة تطبيقاته الصناعية والتجارية .في مجالات الصباغات مثلاً .
وتجرى الأبحاث فعلاً لصنع الأصبغة الفوتوكرومية التي تستعمل في صباغ أقمشة الستائر وأقمشة المفروشات بحيث يتحول لون تلك الأقمشة من القاتم عندما يكون النور ساطعا إلى الزاهي الفاتح عندما تنخفض قوة النور.
ومتى نجحت هذه الاختبارات وبات بالإمكان استعمال تلك الأصباغ في الأقمشة فلا بد للسيدات ومصممي الأزياء النسائية والرجالية على السواء من الولوج في هذا الباب الجديد والتحول إلى صنع الملبوسات من أقمشة مصبوغة بصباغات تتأثر بالنور مثل أقمشة الستائر والمفروشات .
وبالفعل تقدم صناعة الأقمشة في الولايات المتحدة مبالغ كبيرة ومساعدات واسعة لتشجيع الأبحاث العلمية الرامية إلى جعل تلك الأصباغ وطريقة استعمالها عملية تجارية في تكاليفها .
وليست الأبحاث مقتصرة على صناعة الأقمشة المذكورة بل أن صناعة مستحضرات التجميل تخصص مبالغ كبيرة للأبحاث في هذا الاتجاه كذلك بحيث يتغير لون مساحيق تجميل الوجه والجفون وصباغ الشعر مع تغير قوة النور .
وقد نجحت التجارب التي أجريت لإنتاج أقلام خاصة بالرسم تتمتع بلاصفة الفوتوكرومية وأضحى بالإمكان معها رسم مشهد يصور ألوان الخريف في الداخل ولكنه ينقلب إلى مشهد ربيعي زاه بمجرد نقله من غرفة معتدلة النور إلى غرفة قوية الإضاءة .
وبلغت الأبحاث درجة متقدمة جداً في مجال الصناعة الفوتوكرومية بحيث بات بالإمكان الآن دمج المواد الفوتوكرومية بالزجاج وبالبلاستيك وبالأقمشة بل وبأي مادة أخرى تقريباً .
واتقنت صناعة النظارات الفوتوكرومية بشكل خاص إذ صار المرء يستطيع بمساعدة هذه النظارات أن ينظر إلى وهج قوي جداً مثل وهج انفجار قنبلة نووية فتتحول النظارة خلال بضعة أجزاء من مليون من الثانية إلى لون قاتم يحمي شكية العين من شدة الوهج .
واستفادة الهيئات العاملة في مجال الفضاء من هذا الاكتشاف لصنع نظارات لملاحي الفضاء وحواجز ضوئية على خوذهم تقي عيونهم من شدة نور الشمس ووهجها على سطح القمر وفي الفضاء الخارجي .
وانتقل الاكتشاف الآن إلى نطاق تجاري أوسع ! ذلك أن إحدى الشركات التي تصنع الزجاج للنوافذ أخذت تستعمل المواد الفوتوكرومية في بعض مصنوعاتها ما يجعل إنارة المنازل والمكاتب التي تركب فيها نوافذ مزودة بهذا الزجاج تتكيف آليا حسب قوة النور في الخارج .ويتوقع الخبراء أن يكون لهذا النوع من الزجاج مجال كبير في صناعة زجاج السيارات .
ما هي الفوتوكرومية . يقول العلماء إنها انعكاس لتهيج الجزئيات ، فإذا تهيج الالكترون أخذ يمتص النور بذبذبة تختلف الكترون غير متهيج . وهذا الفرق يظهر للعين بشكل تغير في اللون أي أن اللون يصبح قاتماً أكثر . وعندما يبدأ الالكترون المتهيج بالهدوء- بتعريضه إلى نور مختلف – يتخذ لونه بالعودة إلى ما كان عليه .
ولهذه الميزة مجالات واسعة للتطبيق فقد أخذ الخبراء يدرسون إمكانات استخدامها في مجالات الآلات الحاسبة ( كمبيوتر) وعلى الاخص في الجزء الذي تختزن فيه المعلومات من الكمبيوتر ذلك لأنه بالامكان اختزان كمية لا تكاد تحصى من المعلومات على قطعة صغيرة جداً من مادة فوتوكرومية . وهناك مجال واسع لاستخدامها وهو في التفلزيون الملون الثلاثي الأبعاد أي أن الناظر إلى التلفزيون لا يرى المشهد ملونا وحسب بل يراه طولا وعرض وعمقاً .