سلط خبراء الآثار الضوء على كيفية انتشار الأمراض القديمة، في أبحاث لها آثار عميقة على جائحة فيروس كورونا.
وكشف علماء الآثار عن كيفية انتشار الأمراض المعدية، مثل داء العليقي المداري، ما يؤكد تهديد الأمراض مثل “كوفيد-19”. ويمكن لمرض الداء العليقي في الطفولة التسبب في آفات جلدية شديدة العدوى، بالإضافة إلى التأثير على العظام والغضاريف.
وينتشر المرض عن طريق الاتصال ويمكن أن يصيب الأشخاص بتشوه شديد.
وعلى الرغم من سهولة علاج المرض في مراحله المبكرة، إلا أن تشوهات العظام لا رجعة فيها.
ولكن، رغم أن الداء العليقي لم يعد مصدر قلق طبي في معظم أنحاء العالم، فإنه ما يزال منتشرا في غرب المحيط الهادئ، ويطال آلاف الأشخاص.
وفشلت المحاولات السابقة لاستئصال هذا المرض المداري، وانتهت محاولة جديدة بجائحة فيروس كورونا.
وقامت ميلاندري فلوك، العالمة بجامعة أوتاغو ومرشحة الدكتوراه، بدمج أدلة علم الآثار لتسليط الضوء على كيفية انتشار الأمراض، عندما يجتمع السكان المتنوعون لأول مرة.
وركزت على ما تسميه “منطقة الاحتكاك”، حيث التقى المزارعون بالصيادين.
ودرست خبيرة الآثار على وجه التحديد بقايا الهياكل العظمية من موقع “مان باك” الأثري، في مقاطعة نينه بينه، فيتنام.
ووفر هذا كنزا من البيانات، نظرا لدور المنطقة أثناء الانتقال من البحث عن الطعام إلى الزراعة.
ودُرست البقايا المسترجعة في الموقع جيدا، ولكن لم تُحلل بحثا عن دليل على وجود الداء العليقي.
ورأت المشرفة على فلوك، البروفيسور هالي باكلي، ما اعتقدت أنه قد يكون داء عليقيا على صورة لبقايا “مان باك”. وفي وقت لاحق، اكتشفت فلوك مثالا ثانيا للمرض.
وكان هذا مهما، حيث تم تأريخ الموقع الأثري بنحو 4000 عام. ولم يكن هناك دليل قوي على وجود الداء العليقي في آسيا ما قبل التاريخ حتى الآن.
وتشير الدراسة البارزة إلى أن الداء العليقي وصل إلى الصيادين في فيتنام الحديثة، من قبل السكان الزراعيين الذين يسافرون من الصين.
ونشأ هؤلاء الصيادون من الأفارقة الأوائل، الذين انتقلوا أيضا في النهاية إلى غينيا الجديدة وجزر سليمان وأستراليا.
وكان المزارعون في الصين لمدة 9000 عام على الأقل، لكن الزراعة لم تُدخل إلى جنوب شرق آسيا قبل نحو 4000 عام. وهذه الهجرة جلبت على الأرجح الأمراض، بما في ذلك الداء العليقي.
وتعتقد عالمة الآثار أن طول الفترة الزمنية التي استمر فيها المرض في المنطقة، مهم عند النظر في مدى صعوبة القضاء عليه.
وقالت: “هذا مهم، لأن معرفة المزيد عن هذا المرض وتطوره، يغير كيفية فهمنا لعلاقة الناس به. إنها تساعدنا على فهم سبب صعوبة القضاء عليه. إذا كان معنا آلاف السنين، فمن المحتمل أنه تطور ليلائم البشر بشكل جيد للغاية”.
وجذبت جائحة “كوفيد -19” المميت هذا العام، انتباه العالم على تأثير الأمراض المعدية.
ونتيجة لذلك، تعتقد فلوك أنه يجب أخذ عبر قيّمة من الماضي.
وأضافت: “علم الآثار هو الطريقة الوحيدة لتوثيق المدة التي قضاها المرض معنا. نحن نتفهم مع “كوفيد-19″ اليوم مدى روعة هذا المرض في التكيف مع البشر. لذا، هذا يوضح لنا ما يحدث عندما لا نتخذ إجراءات مع هذه الأمراض. إنه درس لما يمكن أن تفعله الأمراض المعدية للسكان، إذا سمحوا لها بالانتشار على نطاق واسع. ويسلط الضوء على الحاجة إلى التدخل، لأنه في بعض الأحيان تكون هذه الأمراض جيدة جدا في التكيف معنا، وفي الانتشار بيننا”.