بدت الأمراض التي قضت على حياة العديد من البشر مع بزوغ فجر القرن العشرين , وكأنها تنتشر إلى ما لانهاية , فالسرطان وأمراض القلب , وأمراض الكلى , والتليف الكبدي , وذات الرئة , والكوليرا , والدفتيريا ( الخناق) والسل , وحتى الأنفلونزا , كانت أمراضاً فتاكة لا تمنح ضحاياها أية فرصة للتصدي لها .
وكان بعض الضحايا يحتالون على العيش رغم العجز والألم , في حين أن البعض الآخر كان يتعافى كلياً ولكن النجاة كانت مجرد ضربة حظ ليس إلا , رغم إن الأمر لا يخلو من المفاجآت غير السارة .
وكانت المستشفيات عبارة عن أماكن يقصدها الناس ليختموا حياتهم بها , وليس للعلاج من الأمراض. ومما لاشك فيه أن المسرح الطبي تغير هذه الأيام إلى حد تجاوز التوقعات .
فالعقاقير أضحت أكثر ذكاء والمعدات الجراحية أقوى وأكثر فاعلية , والاختبارات التشخيصية أدق بصورة مذهلة . واليوم باتت معظم تلك الأمراض الفتاكة التي عاثت فسادا في القرن التاسع عشر قابلا للعلاج , أو على الأقل يمكن التحايل عليه بطريقة أو بأخرى .
وارتفاع نسبة الشفاء من الأمراض ليس العامل الوحيد الذي يجعل الطب الحديث متميزا إلى هذا الحد , فالتغلب على المرض أمر عظيم , ولكن الأعظم منه هو عدم الإصابة به مرة أخرى .
فبينما كان البعض الآخر يعمل على تطوير وسائل للتدخل الجراحي أو الكيماوي , كان البعض الآخر يعمل على الوقاية من المرض , في المقام الأول .
وأحدث علم الوقاية تغيرات في المفاهيم المتعلقة بآلية عمل الجسم على جميع المستويات , والأمر الذي لايقل أهمية عن ذلك كله هو : أن الباحثون بدؤوا يفهمون علاقة أنظمة الجسم ( النظام المناعي , والنظام العصبي والغدد الصم ) ببعضها البعض , وقد تمكن العلماء من كشف أسرار علاقة ممارسة التمارين الرياضية , والتغذية , وبالوقاية من جميع أنواع الأمراض بدءا من أمراض القلب , وحتى الشيخوخة .
ويعمل الخبراء في الوقت الراهن على تطوير لقاحات للإيدز والملاريا والسل وحتى السرطان
تمكنت اللقاحات من التغلب على بعض أكثر الأمراض فتكا التي عرفها الإنسان في تاريخ البشرية , وها هي الآن تساعد في مواجهة الإرهاب البيولوجي , وسوف تتمكن في المستقبل القريب من حمايتنا من أمراض خطيرة أخرى مثل الإيدز , وإيبولا , وأمراض القلب , وحتى السرطان , ورغم أنه من النادر أن تتصدر اللقاحات أغلفة المجلات الطبية المتخصصة بالوقاية من الأمراض , إلا أنها تحكي أنجح قصص الوقاية في الطب الحديث .
و لا يمكن القول إن اللقاحات سلاح جديد مثير , إذ أن تاريخها يعود إلى القرن الثامن عشر عندما قام إدوارد جينر للمرة الأولى بنزع قشور الحبوب من بائعة حليب كانت مصابة بجدري البقر , من أجل تحصين الناس ضد مرض الجدري .
ومع نهاية القرن العشرين , كانت اللقاحات قد تمكنت من القضاء على معظم الأمراض الخطيرة التي كانت تفتك بالبشر مثل : الجدري
والنكاف ( أبو كعب ) والحصبة , والحصبة الألمانية , السعال الديكي , والخناق وشلل الأطفال على الأقل في الدول المتقدمة . وعليه , فقد قامت اللقاحات بعملها على أكمل وجه .
ولكن بمفهوم طب القرن الحادي والعشرين مع وجود العقاقير الذكية , والأساليب التكنولوجية المتقدمة , بدت اللقاحات وكـأنها ” موضة قديمة ” أكل عليها الزمن وشرب . ولكن سرعان ما تغير هذا المفهوم بشكل دراماتيكي مع حدوث هجمات بجراثيم الانثراكس ( الجمرة الخبيثة ) في الولايات المتحدة في العام الماضي , ما جعل اللقاحات تتصدر عناوين الصحف من جديد , الأمر الذي دفع الحكومة الأمريكية إلى المسارعة في بناء مؤونتها من لقاحات الحصبة , ولقاح الجمرة الخزن في المختبرات العلمية منذ سنوات .
انبعاث اللقاحات :
ومع ذلك فإن الوقاية من مثل هذه الهجمات ليست إلا جزءا من عملية انبعاث اللقاحات من جديد . وقد حدثت تطورات كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية في مجالات علم المناعة وعلم الفيروسات وعلوم الجينات . وكانت اللقاحات قد انجزت كل المهمات السهلة التي يمكن إنجازها , وبات الباحثون مستعدين لخوض التحديات الأصعب , والتي تتلخص في استخدام اللقاحات لمكافحة السرطان , على سبيل المثال , أو مكافحة الرواسب البروتينية التي تعطل عمل الدماغ لدى مرضى الزهايمر أو حتى استخدامها كعلاج لأمراض القلب . ويقول الدكتور جاري نابل , مدير مركز أبحاث اللقاحات في المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية : ” لقد بدأنا عهداً جديدا من أبحاث اللقاحات وأنه لأمر مثير للغاية أن نخوض في هذا المجال في هذا الوقت بالذات ” ويتلخص أحد أهم الأسباب التي تقف وراء هذا التحول إلى أبحاث اللقاحات في الفشل الذريع الذي مني به هذا النوع من الأبحاث قبل عدة سنوات , ففي ثمانينات القرن الماضي عندما بدأ وباء الإيدز في الانتشار حاول العلماء التصدي له بالطريقة التي تصدوا بها لشلل الأطفال , والحصبة , أي باختصار , من خلال تجريد الفيروس من قدرته , ومن ثم استخدامه لتدريب نظام المناعة على مكافحة العدوى الحقيقية . ولم يكن الخبراء مهتمون كيف كان ذلك يجري على المستوى الجزيئي , إلى أن ظهر الإيدز في المساحة .
وعلى كل حال فقد ثبت أن فيروس ” HE” , المسبب للايدز أكثر مكراً لدرجة أن هذه الاستراتيجيات لم تنفع معه فقد تمكن الفيروس من المراوغة بطرق لم يتوقعها الخبراء مثل الاختباء في خلايا النظام المناعي لتفادي رصده والتغاير إحيائيا بسرعة كبيرة لم تستطع مواكبتها دفاعات الجسم , وهكذا اتجه خبراء علوم المناعة إلى محاولة دراسة وفهم تعقيدات نظام المناعة على أمل التغلب على أعمال المراوغة التي يلجأ إليها الفيروس . ويبدو أن جهودهم كانت مثمرة . فبعد أكثر من عقد من البحث والدارسة , بات الخبراء يعلمون الآن أن نظام المناعة لا يعمل بطريقة تشبه الضغط على مفتاح الكهرباء , فهو يستجيب للغزو البكتيري أو الفيروسي أو الطفيليات باستخدام مجموعة من الأسحلة الدفاعية تتناسب تماما مع مستوى التهديد .
استراتيجية الدفاع :
ولا شك في أن هذه الطريقة في العمل تجعل نظام المناعة معقدا , ولكن لكي نفهم ثورة اللقاح , علينا أولاً أن نفهم جميع التعقيدات . فمن المعروف أن أبسط رد فعل مناعي كالذي ينجم عن عقصة بعوضة , أو مادة مثيرة للحساسية مثلاً , هو الالتهاب . فعندما تعقص البعوضة الجلد , يستخدم النظام المناعي جنودا خليويين لم يتلقوا أية تدريبات خاصة . وهناك خلايا مثل الكريات البيضاء , والخلايا الشباع , والكريات البيضاء المتعادلة تجوب مجرى الدم باستمرار باحثة عن أي بصمة كيماوية غريبة , فإذا ما عثرت هذه الخلايا على تلك البصمة , فإنها تبرق رسالة تطلب فيها تعزيزات من أجل قتل الغزاة . وإذا ما تبين أن الكائنات الدقيقة الغازية تفوق هذا الخط الدفاعي الأول قوة , يرسل نظام المناعة دفعة ثانية من الخلايا وتمثل هذه العملية ما يعرف بالنظام المناعي الفطري .
وبخلاف الدفعة الأولى من الخلايا الدفاعية , والتي هي بمثابة آلات قاتلة غير متمرسة , يتم تزويد الدفعة الثانية من الخلايا بأسلحة كيماوية قادرة على استهداف أنواع معينة من الكائنات الغازية بما فيها الفيروسات الشائعة , مثل فيروس الانفلونزا والرينوفيروس ( الفيروس الذي يسبب الرشح ) .
ومع ذلك , فإن هاتين العمليتين الدفاعيتين ليستا كافيتين دائماً . وعندما تكونان غير كافيتين , يحين موعد استخدام سلاح المدفعية الثقيلة , بدلا من استخدام سلاح المشاة , أي بمعنى آخر, يجب استخدام خلايا أكثر تخصصاً كانت قد اكتسبت استجابة مناعية , من خلال التجربة في الماضي , وبالتالي عندما تتواجه هذه الخلايا مع فيروس , أو بكتير , فإنها تتعامل معه وكأنها تواجهه للمرة الثانية . وهذا ما يفسر لنا سبب احتمال إصابة الشخص بالجدري مرة واحدة فقط أو مرتين في حالات نادرة جدا .
وكل هذه الآلية كانت معروفة منذ عقود . ولكن ما يثير اهتمام خبراء اللقاحات اليوم هو الرغبة في فهم ماهية النظام المناعي الدقيق , ومن ثم التحكم به , فالاستجابة المناعية المكتسبة , على سبيل المثال تنقسم عملياً إلى قسمين , يشتمل القسم الأول على الأجسام المضادة وهي جزيئات تتوافق مع البروتينات التي تغلف أسطح الفيروسات والبكتريا كما يتوافق المفتاح مع القفل وكلما ازداد عدد المفاتيح ارتفع احتمال قيام الخلية المناعية بقتل الكائن الممرض .
وفي بعض الأحيان تستخدم الجراثيم خدعة كيماوية لإخفاء نفسها , ومن ثم غزو الأجسام المضادة , ولكن الاستراتيجية المضادة التي اكتسبها النظام المناعي المتمثلة في ما يسمى ” الخلايا المطهرة للانتيجينات ” والتي تشمل الخلايا المتشجرة التي تلتصق بالجراثيم الغازية وتجردها من السلاح الكيماوي الذي يمكنها من تمويه نفسها . وعندما تكون الجراثيم مجردة من هذا السلاح يصبح بإمكان نوع من الخلايا المناعية تسمى ” الخلايا التائية ” قتلها , حيث تقوم هذه الأخيرة بابتلاع الجراثيم ومن ثم تدميرها .
تناغم موسيقي :
وفي غضون ذلك يتم إغواء الخلايا التائية بالتوجه إلى موقع العدوى بأكبر عدد ممكن بوساطة مواد كيماوية تسمى ” سيتوكينات ” تفرزها الخلايا المتشجرة . ويمكن تشبيه هذه العملية بعمل القوات العسكرية المتدربة جيداً , أو كما يحلو للخبير نابل وصفها بـ ” التناغم الموسيقي ” .
ورغم أن هذه العملية فعالة معظم الوقت , إلا ان النظام المناعي يحتاج إلى مساعدة إضافية في مواجهة بعض الأمراض ويقول نابل : ” أننا ببساطة نمتلك أوركسترا مناعية , وإذا ما كان مختلف أجزائها في التسلسل غير الصحيح , أو بمعنى آخر , غير منسجمة مع بعضها بالطريقة الصحيحة فقد ينتهي الأمر بمعزوفة غير مرضية ” .
والطريقة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى تلك المعزوفة هي : أن تخرج العدوى الفيروسية أو البكتيرية عن السيطرة قبل أن يتمكن نظام المناعة من الرد عليها . ومن هنا تأتي أهمية اللقاح . ويقول نابل : ” ما يقدم به اللقاح هو تنبيه هذه الخلايا المختصة إلى أن جسماً دخيلاً يمكن أن يحدث مشكلة الأمر الذي يمكن نظام المناعة من الاستجابة على نحو أسرع واكثر فعالية مما لو أنه لم يتعرض أبداً للجرثومة من قبل ” .
نشقة فيروسية :
والواقع إن هذه الاستراتيجية لم تنفع حتى الآن مع أمراض مثل السل , أو الملاريا , أو الإيدز , ويعود جزء من السبب في ذلك لعدم توافر نموذج للمناعة الطبيعية لأي من هذه الأمراض ولذلك لم يتمكن الباحثون من أن ” يسرقوا ” من الطبيعة لتطوير لقاحات مثلما فعل جيز مع الجدري .
بيد أن هذا الواقع بدأ يتغير مع حصول الباحثين على معلومات حول عمل الآلات التي تستخدمها أوركسترا النظام المناعي , إضافة إلى حصولهم على معلومات حول كيفية تحسين أداء هذه الأوركسترا , فبالنسبة لفيروس ” HEF ” على سبيل المثال , تبين للعلماء إنه يتغاير إحيائيا على نحو سريع جدا . فما أن يتعلم النظام المناعي المكتسب كيف يرصد الفيروس وينقض عليه , حتى يكون هذا الأخير قد طور أنتيجينات جديدة على سطحه وبات باستطاعته التخفي مرة أخرى . ولكن استراتيجية جديدة أظهرت مستوى مبشرا من الفعالية للمرة الأولى في المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة ويتوقع بأنها قد تكون قادرة على القضاء على هذه المرواغة من قبل الفيروس وتعرف هذه الإستراتيجية باسم ” الدفعة الأولى ” حيث أنها تمنح نظام المناعة ” نشقة ” من رائحة الفيروس قبل استخدام اللقاح الفعلي . وفي مختبر نابل , تتكون تلك ” النشقة ” من نتف من الحمض النووي المأخوذ من الغلاف الخارجي لفيروس ” HEF ” , غير قادرة على إثارة استجابة مناعية كاملة ولكنها كافية لوضع النظام في حالة استنفار كما أظهرت الدراسة التي أجراها الخبير على الحيوانات للمرة الأولى . ولم تنجح هذه الاستراتيجية مع الإنسان في السابق لأن نظامنا المناعي بخلاف النظام المناعي عند الثدييات الأخرى , لا يستجيب بقوة كافية للحمض النووي فقط ولتضخيم قوة إشارة الحمض النووي, قام فريق نابل باستخدام ” الجرعة المعززة ” ( وهي عبارة عن فيروس الزكام المجرد من سلاحه تم تزويده بحمولة من أنتجينات فيروسية ) بعد بضعة أيام من عملية التحميل , ومن ثم ينطلق النظام المناعي بالسرعة القصوى . بيد انه من السابق لأوانه الحكم فيما إذا كانت هذه الاستراتيجية فعالة ضد فيروس ” HEF ” , على الرغم من أنها تعمل بشكل جيد مع فيروس مميت آخر.
وعلى الرغم من أن عدد ضحايا فيروس إيبولا أقل من عدد ضحايا فيروس الإيدز إلا أنه يمتلك قوة هائلة محتملة للتدمير . وحتى الآن لا يتوافر أي علاج أو لقاح لهذا البلاء ولكن فريق نابل أشار في إحدى التجارب التي جرت مؤخرا إلى أن استراتيجية تحميل الحمض النووي قادرة على حماية القرود من مرض إيبولا .
وصحيح أن لقاحاً للإيدز قد لا يتوافر لإجراء التجارب على المرضى قبل مضي عقد من الزمن على الأقل , ولكن عندما يتم الحصول عليه , يخطط نابل وآخرون لاستخدام جميع الحيل التي تعلموها من اجل تعزيز فاعلية هذا اللقاح . فمن الممكن أن يقوموا مثلا بمزج السيتوكينات مع اللقاح معتمدين على هذه المواد الكيماوية في تجنيد أعداد إضافية من الخلايا التائية ضد الفيروس . وهناك خطة أخرى ممكنة تتلخص في استخدام مقدار صغير من الكهرباء إلى جانب الجرعة المعززة من الحمض النووي الفيروسي , على اعتبار أن مثل هذه الصدمة الكهربائية يمكن أن تعزز قدرة الحمض على إثارة استجابة مناعية . وعلاوة على ذلك يجري الخبراء تجربة تتمثل في إطلاق الحمض النووي مباشرة إلى خلايا النظام المناعي بضغط عال , باستخدام ما يسمى البنادق الجينية لضمان الحد الأقصى من تأثير الأحماض النووية .
رقاقات الحمض تخلف اللقاحات :
ويعتقد أحد مبتكري البندقية الجينية بأن إطلاق الحمض النووي الفيروسي سيحل يوما ما مكان اللقاحات ويستخدم الدكتور ستيفن جونستون , مدير مركز الابتكارات الطبية الحيوية في جامعة تكساس , المهارات الطبية الحديثة في وضع الخرائط الجينومية , من أجل تحديد الجينات التي ينبغي أن تنشط وتشتغل عندما تدخل جرثومة إلى الخلايا المضيفة . وباستخدام المصفوفات المجهرية التي تعرف أيضا باسم ” رقاقات الحمض النووي ” , يعمل جونستون من أجل تحديد تلك الجينات ليقوم بعد ذلك باقتطاعها من جينوم الجرثومة المعنية , ومن ثم استخدامها , أو استخدام البروتينات التي تنتجها كلقاحات لإثارة استجابة مناعية .
ومن شأن استراتجية مشابهة أن تقود إلى لقاحات ضد الملاريا والسل .
وصحيح أن السيطرة على مثل هذه الأمراض المقاومة للقاحات , أمر في غاية الأهمية , إلا أن تطوير اللقاحات لتشمل أشياء تبدو وكأنها خارج نطاق سيطرتها سيشكل ثورة حقيقية . ومن الأمراض المرشحة لذلك , أمراض القلب التي ربما يكون نظام المناعة متورط فيها بطريقة لم تكن لتخطر على بال إلى وقت قريب . فقد تبين أن رواسب الكوليسترول الشحمية على جدران الشرايين , ربما تنجم عن التهاب سببه بعض البكتيريا . وهذه الاستجابة المناعية ( التهاب ) تحدث تغيرات في الشرايين بطرق تجعلها عرضة لأضرار الكوليستيرول وعليه , يرى العلماء أن تطوير لقاح يمكنه كبح العدوى الأولية , أو كبح الاستجابة الالتهابية , قد يمنع حدوث سلسلة من الأحداث تؤدي إلى الإصابة بالنوبات القلبية .
ويبدو أن لسرطان آخر الأمراض التي يمكن الوقاية منها عن طريق اللقاحات , على اعتبار أن العدوى لا تلعب أي دور في الإصابة به , باستئناء بعض الأنواع النادرة من الأورام الخبيثة . والخلية السرطانية , بخلاف الجرثومة الغازية , لا تعتبر غريبة كلياً عن الجسم . ومع ذلك تشير المعلومات إلى انه من الممكن تدريب النظام المناعي على مطاردة الأورام . فعلى سبيل المثال يتم تصنيع ” كانفاكسين ” , وهو لقاح ضد سرطان الجلد القتاميني القاتل , من خلايا سرطانية ,وتبين أن بعضها يحتوي على أكثر من 20 انتجيناً ورمياً معطلاً يمكن تدريب النظام المناعي على التعرف إليها .
ويقول الدكتور جاي جامون , نائب رئيس قسم التطوير الإكلينيكية في شركة ” كانسرفاكس ” التي تصنع اللقاح : ” ما استطعنا أن نثبته هو : أنه ليس فقط غالبية المرضى يمتلكون استجابة مناعية , بل إن الذين يمتلكون الاستجابات الأقوى تمكنوا من البقاء على قيد الحياة لفترة أطول ” ولتعزيز فعالية اللقاح , يجري العلمّاء في الشركة اختبارات على نسخة من ” كانفاكس” معززة بالسيتوكينات , بهدف تقوية استجابة المرضى الذين تضرر نظامهم المناعي بسبب العلاج الكيماوي .
لقاح لكل مريض :
ويتطلع الباحثون بأمل كبير إلى النجاح الأولي التي حققوه مع نظام أكثر تعقيدا , يتم فيه تطوير ما يسمى اللقاح الخاص بالمريض . ففي بداية عام 2001 , أعلن العلماء في جامعة ستانفورد عن حدوث تراجع في أورام الرئة وورم القولون في مراحله المتقدمة , عند ستة مرضى . وقد استخدم الخبراء لقاحات مصنوعة من الخلايا المتشعبة التي تم أخذها من المرضى . ويقول رئيس فريق الباحثين , الدكتور لورانس فونج : ” نأمل بأن نجعل هذه اللقاحات أكثر فعالية ومن تجريبها في المرحلة الأولى من المرض , ولربما نستخدمها أيضا للوقاية منه ” .
هذه ولا شك مجرد بداية , فقبل عشر سنوات فقط يئس العلماء حتى من التوصل إلى لقاحات للوقاية من أمراض مثل الملاريا , والسل , التي ابتليت بها البشرية لآلاف السنين , بالإضافة إلى الإيدز الذي بدا أكثر فتكاً من الأوبئة القديمة . وما يمكن قوله هو أن استراتيجية الوقاية من الأمراض تبشر بأنها ستثبت فعاليتها ضد هذه الأمراض وأمراض أخرى ربما أخطر . وقد بات واضحا إن الإعلان عن عهد اللقاحات بات قريبا . ولاشك أن بعض اللقاحات التي يتم تطويرها في الوقت الراهن لن تنجح , ولكن العلماء قد تعلموا درساً من التاريخ يتلخص في أن أي كلام عن محدودية قدرة اللقاحات قد يثبت خطأه في وقت قريب كما لم يتوقعه أحد .