قد يبدو غريباً أن يُسأل المرء عن كرم بلده، لكن تقريراً سنوياً لمؤسسة العطاء الدولية وضع بورما الفقيرة في رأس قائمة الدول المعطية للمحتاجين، فيما تربع العراق على قمة الدول التي تُعين الغرباء بقائمة ضمت الكويت والسعودية.
يبدو أن أهل بورما هم الأكثر عطاء للمحتاجين والمعوزين، فيما يبدو أنّ أهل العراق هم الأكثر مساعدة للغرباء، كما كشف تقرير مفصل لمؤسسة العطاء الدولية، مبدداً بذلك احتمالات يراها كثيرون ترتبط بالدول الأكثر ثراء والأقل ثراء، حسب موقع “ديلي ميل أونلاين” البريطاني الذي نشر التقرير يوم السابع عشر من آب/ أغسطس 2016.
قائمة الدول التي تصدرتها بورما في العطاء شغلت فيها الولايات المتحدة الأمريكية المركز الثاني وتبعتها نيوزيلندا ثم كندا فأستراليا فبريطانيا فهولندا فسريلانكا. وقد تكون دول مجموعة العشرين هي الأغنى في العالم، لكن بورما في مضمار العطاء بزت كل الأرقام والتوقعات. فالناس في البلد الأسيوي الفقير المعروف أيضاً باسم ميانمار أكثر عطاء من غيرهم للمحتاجين. كما أنهم يبذلون كثيراً من الوقت في مساعدتهم. ويجري هذا رغم أن هذا البلد بقي 50 عاماً تحت سلطة العسكر.
وقدّر تقرير المنظمة الدولية عدد الواهبين عبر العالم سنوياً بنحو 1.4 مليار إنسان، فيما تبرع نحو مليار إنسان بتكريس وقتهم لفعل الخير ومساعدة المحتاجين، بينما بادر 2.2 مليار إنسان عبر العالم لمساعدة الغرباء.
ونال العراق مركز شرف باعتباره البلد الأكثر مساعدة للغرباء رغم الحروب والعنف والاضطرابات التي تمزقه منذ نحو 13 عاماً. ومن عجيب المصادفات أن ليبيريا، التي تمزقها الحرب الأهلية، جاءت في المرتبة الثانية بعد العراق في مجال مساعدة الغرباء، وأظهرت إحصاءات التقرير أن 78 في المائة من الناس قد قاموا فعلاً بمساعدة الغرباء.
الإحصائية أجريت على 1000 إنسان تجاوزت أعمارهم 15 عاماً وتوزعوا على 145 بلداً وسئلوا إن كانوا قد تبرعوا بالمال، أم خصصوا وقتاً لمساعدة المحتاجين أو ساعدوا غريباً خلال الشهر الماضي. وكشف التقرير أنّ الرجال قد تقدموا لأول مرة منذ إحصاءات عام 2008 على النساء في عطاء الأموال.
المفاجأة الكبرى جاءت حين حل العراق بدلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية في صدر قائمة الدول المرحبة بالغرباء والمساعدة لهم. موقع “نيو ويبسايت” علق على هذا بالقول: “من المدهش أن يتواصل العراقيون في إظهار سخائهم رغم التوترات الأمنية المستمرة”.
في المقابل اعتبرت بوروندي أقل بلد يساعد الغرباء، وتبعتها من الأسفل الصين في المرتبة الثانية من أسفل القائمة.
هل للسخاء أسباب بيولوجية؟
وتحاول دراسة نشرتها جامعة أكسفورد أن تعزو السخاء إلى عناصر بيولوجية تتعلق بمركز معين في الدماغ، فيما يكرر علماء الاجتماع أنّ السخاء هو سلوك نفعي، فحين يقوم المرء بتناسي مصالحه ومساعدة شخص آخر فإنه في الحقيقة يتوقع في منطقة اللاوعي أن يعود عليه هذا الأمر شخصياً بالنفع، والى ذلك تذهب أغلب الديانات مكرسة مفهوم الإحسان جزاء الإحسان .
علمياً، يتوخى العلماء العثور على مركز سلوك السخاء والود في الدماغ محاولين عبر ذلك التوصل إلى تفسير بيولوجي لظاهرة إنسانية يصعب إثباتها فسيولوجياً. وتابع تقرير نشره موقع” ز أم أي ساينس” الدراسة التي نشرتها جامعة أكسفورد مبيناً أن الدكتورة باتريشيا لوكوود، التي قادت البحث في الجامعة، قد أشارت إلى أن “ما نعرفه حالياً عن سبب مساعدة الناس لغيرهم دون مقابل قليل جداً”. وقد توصلت الدكتورة لوكوود وفريقها إلى أن العطاء والسخاء سلوك يمكن أن يتعلمه مانح العطاء فيما قد لا يتعلمه المتلقي للعطاء. ثم توصل الفريق إلى تحديد بقعة معينة في الدماغ يمكن أن تفسر هذا السلوك.
هذه البقعة أطلق عليها تسمية “القشرة الأمامية في التلفيف الحزامي” وهي الوحيدة التي تنشط في الدماغ حين يساعد المرء الآخرين. لكن الملفت للنظر أنّ هذه المنطقة تنشط بشكل متباين عند الناس وتختلف من شخص لآخر. الرابط بين سلوك الناس وبين مشاعرهم غامض هنا ومعقد.
لكن الدراسة في النهاية يمكن أن تساعد في فهم مشاعر الناس ومحفز سلوك الكرم والسخاء وروح مساعدة الآخرين، كما قد ترشدنا إلى كيفية توجيه الآخرين ودفعهم لمساعدة الآخرين بكرم وسخاء.
DW