Otzi كان ذكياً وأنيقاً
لا ، لم يكن الإنسان القديم كما يظنه البعض ساذجاً وعاجزاً . بل ذكياً ، خلافاً ومفكراً .. وأيضاً شريراً . قبل أعوام وجد عالم الآثار الألماني ” هارتموت كييم ” في عمق 15 متراً تحت الأرض قطعة خشبية مستطيلة وسميكة . اعتبرت نادرة كونها لم تتحلل في التراب ، فظن لأول وهلة أنها تعود لجذع شجرة قديمة ، لكن حين نظفها من الوحول والأوساخ المترسبة تيقن أن أحد أطرافها كان حاداً مثل الرمح .. وبالفعل كانت رمحاً .
واكتشفت لاحقاً قطعتان مماثلتان في أفريقياوبريطانيا رجح أنهما ترجعان إلى أكثر من أربعين ألف عام ، ويرجّح أن هذا النوع من السلاح الخشبي كان يستخدم من أكثر من أربعة قرون .
هذه الاكتشافات وغيرها من الموجودات التارخية من عظم ومومياءات وبقايا حيوانات منقرضة مثل الكركدن والدببة وأدوات كان يستخدمها الإنسان القديم ، وساهمت جذرياً في عصرنا الحديث . ويبدو أن التفاصيل التي طالما طبعت في الأذهان عن بساطة الإنسان القديم الذي لا همّ له سوى تأمين الأكل ليست صحيحة . فهو أذكى من هذا بكثير ، إنه صياد ماهر ومفكر ومخطط في آن ، قطع منذ آلاف الأعوام مسافات كبيرة حول العالم ، بحثاً عن المواطن الأنسب له .
تكرّ الاكتشافات في العالم وتتحدد أكثر فأكثر شخصية الإنسان القديم . العلماء استفادوا كثيراً من اكتشاف الرجل الجليدي “ Otzi “ قبل سبعة أعوام ، في جبال الألب الواقعة بين النمسا وإيطاليا ، ورجّح العلماء أن “Otzi “ يعود إلى 5300 عام إلى الوراء وانطلقوا منه في تحديد طبيعة حياة القدماء .
شرارة التاريخ القديم
الرجل الجليدي هو أحد أهم رفات الإنسان القديم ، أعدّت عليه عشرات الأبحاث ، ووضع في متحف الآثار في مدينة ” بولزانوا ” الواقعة في شمالي إيطاليا . برهن “OTZI “ أن الإنسان القديم كان ذكياً فهو عاش في حقبة تعود إلى 3300 عام قبل الميلاد . لم تكن أوروبا حينها موحّدة ، كانت متشرذمة ومسكونة من قبائل العصر الحجري ، وقتها كانت تبنى الأهرام في مصر وكان فن الكتابة في مهده وطور نشأته .
أدوات “ Otzi “ مشكلة من 17 نوعاً مختلفاً من الأخشاب ، لكل نوع هدف محدد ، صنع السهام من خشب شجر ” الشحوطة ” القابل للثني بسهولة . واستعمل فطر ” الصوفان ” لإشعال النيران ، وجذوع شجرة الكينا لحمل جمرات من النيران المصرورة في أوراق شجر الأسفندان ، واستعمل فطر الأرض وشجرة البتولا أو التامول كعضويات حية لمقاومة الميكروبات وهما يستخدمان حالياً في طبابة الأطفال ومداواتهم . وكان مجهزاً بأدوات تسلق أفضل من تلك التي يملكها ” المتسلقون” في العصر الحديث مثل الحجارة والمكشط والأدوات المصنوعة من قرن الوعل والعظام المسنّنة مثل المخرز .
حين توفي “ Otzi “ كان وزنه 67 كيلوغراماً وعمره 45 عاماً . حياته لم تكن بالطبع سهلة ، بدليل آثارر الكسور والحروق التي وجدت في جسده وجمجمته في اكثر من مكان ، وكان مصاباً بداء المفاصل ، ويرجح أنه كان يعاني أيضاً من الصداع ، ودلت صور الدماغ التي أخذت له إلى أعطال وإصابات في الجهاز العصبي .
إلقاء الضوء على خصوصيات الرجل الجليدي تكشف نواحي كثيرة عن التاريخ الاجتماعي في تلك الحقبة ، وفيها يظهر بوضوح تخصص الأفراد في ممارسة حرف كثيرة مثل صناعة المراكب والأدوات المختلفة من حجر الصوان والسهام الحادة والفؤوس و .. ويبقى أن اكتشاف رفات “ Otzi “ الجليدي قضى على مقولة الإنسان البدائي العاجز والبسيط بدليل هندامه مثلاً الذي يتطلب إنجازه عناءً وجهداً في التصميم ، فثيابه مصنوعة من جلد الماعز وقبعته من فراء الدببة البني وسوطه مزنر بخرزات وقطب مصنوعة من أوتار عضلات الحيوانات ، والدثار المشلوح على كتفيه يشبه ذاك الذي لبس مثله رعاة جزر الألبين حتى أوائل القرن الحالي .
ونرجع كتفيه يشبه ذاك الذي لبسس مثله رعاة جزر الألبين حتى أوائل القرن الحالي .
ونرجع إلى العام 1835 ، حين حفر رجل دانماركي خندقاً جنب منزل ملكي قديم ووجد ذراعاً وساقاً في مستنقع ، ويروي أنها بقايا من جسد ملكة النروج ، واكتشفت أيضاً في ألأراضي النائية في الدانمارك أوائل الخمسينات من هذا القرن ، جثة رجل مطمورة في مستنقع ، لم تتحلل بسبب ارتفاع مستوى الزرنيخ حولها وانخفاض نسبة الوكسيجين والحرارة ، مما ساهم في تحنيطها .
ويحكى أن هذه البقايا وغيرها من الجثث المطمورة في قعر المستنقعات قدمت كضحايا نتيجة معتقدات كانت سائدة آنذاك تدل إلى وحشية في التعامل عند القدماء .
الضحايا كثيرة . دفن صبي مثلاً عمره 12 عاماً عرياناً ، وذراعه اليسرى مطعونة بالسكين ومقيد اليدين ، ويرجّح العلماء أن يكون ذلك حصل قبل الميلاد بمئتي عام . واكتشفت أيضاً في العام 1902 جثة فتاة لها من العمر 14 عاماً مطمورة في مستنقع قريب من منطقة ” ويندبي ” في إلمانيا ، كانت عارية تماماً ومعصوبة العينين بقطعة من صوف . ووجدت امرأة في الدانمارك مرمية في مستنقع فروة رأسها مسلوخة ووجهها مهشم .
ووجدت فتاة في هولندا ، شعرها ” منتوفاً ” بوحشية ومخنوقة . ووجد رجل في الدانمارك ، عنقه مقطوع من الوريد إلى الوريد وجروحاته ممتدة من رأسه حتى معدته . عالم الآثار الدانماركي ” غلوب ” يرد هذا النوع من الاكتشافات إلى الأحداث الماضية التي جرت في أوروبا الشمالية ، ودفعت القدماء إلى تقديم التضحيات إلى الآلهة الأم لطلب المساعدة والمغفرة .
غيرت الجثث المكتشفة نظرة العلماء حول طبيعة النروج الأولي . الصينيون تناقلوا معلومة أن المدينة نمت في بلدهم بمعزل عن العالم الباقي . هذا غير صحيح ، بدليل ملامح المومياءات المكتشفة في غرب الصين وتحديداً في مقاطعة ” أكينجيانغ ” قبل ثلاثة آلاف عام .
فبعضها يعود لجثث لها تفاصيل أوروبية وشعر أشقر ، ويرجّح أن يكون أصحابها قد لعبوا الدور الأهم في نقل عربات الخيول والتكنولوجيا البرونزية إلى الصين .
وتشير هذه الاكتشافات إلى أن الأوروبيين دخلوا إلى الصين قبل آلاف الأعوام وكان لهم الأثر الكبير في تكوين المدينة الصينية .
وتعّد دراسات كثيرة في الموضوع في أميركا ويكثر الجدل حولها . تبرز هناك مثلاً فكرة أن الأميركيين الهنود كانوا أول من سكن منطقة آسيا . وفي هذا الإطار يجرون دراسات معمقة حول رجل الكهف الذي اكتشف في واشنطن قبل عامين ، ويعود إلى أكثر من 9300 عام ، وله ملامح الشعب القوقازي .
أعدّت دراسة قيمة قبل عامين في مقاطعة مونتي فردي في تشيلي حول تاريخ أميركا ، تحوي معلومات ترجع إلى 12500 عام إلى الوراء حين كان العبور ممنوعاً على جسر جزيرة ” بيؤنغ ” الذي يفصل آسيا عن أميركا . وتدل هذه الدراسة والدراسات الجينية الأخرى إلى أن السكان الأوائل في أميركا هم من المهاجرين الأوروبيين .
الخلايا الوراثية كانت محور الدراسة المعمقة التي جرت أخيراً في اليابان ، وقلبت نظريات كثيرة كانت سائدة هناك ،إذ أظهرت أن السكان يتحّدرون من أصل كوري هاجروا إلى اليابان في العام 400 قبل الميلاد و 250 بعده .
وفي خضم البحث عن أصل السكان يبرز السؤال التالي :
أين ظهر الإنسان الأول ؟ بعض العلماء شبه مقتنعين أن الشمبانزي انقسمت من 5,5 ملايين عام إلى فئات وجماعات تطورت وأصبح بينها وبين الإنسان قواسم مشتركة كثيرة أهمها نفس الأسلاف . بالطبع لا شيء ثابتاً . في كل الأحوال ، حتى أوائل العام 1920 كان يعتقد أن آسيا هي مهد الإنسانية ، لكن في العام 1924 اكتشف البروفسور ” ريمون دارت ” جمجمة طفل متحجرة في جنوبي أفريقيا عمرها أكثر من 3,5 ملايين عام ، واستمر ” دارت ” نحو 25 عاماً يحاول إثبات أن هذا الطفل هو أول إنسان وجد على الأرض ، وبالتالي إن إفريقيا مهد الإنسان الأول واللافت أن بعض العلماء اقتنعوا برأيه ومنهم أستاذ علم الجينات في الجامعة الكاثوليكية في روما الأب ” أنجلو سيرا ” الذي يثق تماماً أن الإنسان يتحدر من أفريقيا الجنوبية ، وهو مقتنع أيضاً بوجود أرض الجنة وتدعى عدن .
تتركز ، حالياً ، الأبحاث في الموضوع في أثيوبيا وتنزانيا وكينيا ، وينتشر أكثر من 40 عالماً في شمالي أثيوبيا بحثاً عن آثار جديدة للإنسان الأول ، أو أي دليل آخر عن الأسلاف المشتركين بين الإنسان والشمبانزي .
الإنسان و .. الخنزير
ثمة من يقول إن أول الأشكال الحية على الأرض كانت فقرية مثل السلاحف ، وثمة رأي ثان يقول إن الخنزير هو أحد أسلاف الإنسان ويستند أصحاب هذا الرأي إلى الحيوان الذي يشبه الخنزير الذي عاش قبل 250 عام في صحراء جنوبي أفريقيا واكتشفه علماء جامعة بريستول وجامعة واشنطن حين كانوا ينقبون حول عصر تكون الجبال ، وذلك بتجديد أكثر ، في العصر الترياسي الذي تكونت فيه الصخور الحمراء ، والعصر الجوري الذي تكونت فيه البحيرات العذبة وجبال حورا ، وذلك قبل ظهور الديناصورات ، لذا يعتبر بعض العلماء أن الخنزير البري هو أول الحيوانات الثديية على الأرض . وربما يتحدر الإنسان بشكل أو بآخر من الخنازير .
وقد يشعر البعض بالإحباط إثر هذا الاكتشاف . صدقوا أو لا تصدقوا . المهم أن الدراسات ما تزال جارية على قدم وساق .
و .. قبل أن تنتهي ، ثمة دراسة حديثة أعدّها رئيس جامعة هتفورد في أكسفورد تثبت أن كل ما هو تحت جلد البشر يشبه بعضه ويستند في رأيه إلى تحاليل أجراها على الخلايا الوراثية DNA .