بعد تسع سنوات ونصف من إطلاقه إلى الفضاء، أصبح مسبار وكالة ناسا “نيو هورايزونس” أول مركبة فضائية في التاريخ تحلق حول الكوكب القزم بلوتو.
وبالرغم من الاقتراب التاريخي للمسبار من الكوكب القزم يوم الثلاثاء 14 يوليو/تموز 2015 على بُعد 12500 كيلومتر فقط من سطحه، وبالرغم من تلك المسافة الهائلة التي قطعها المسبار لاستكشاف هذا الكوكب القزم، والتي تقدر بحوالي 7.5 مليار كلم، إلا أن هذه المهمة التاريخية يمكنها أيضا أن تساعد العلماء على معرفة المزيد عن ألغاز وأسرار كوكب الأرض.
وذلك لأن دراسة الأجرام الأخرى في المجموعة الشمسية يمكن أن توفر أدلة حول تاريخ نشأة كوكب الأرض، وهنا 5 أمور يمكن للباحثين أن يعرفوها من خلال دراستهم للكوكب القزم بلوتو:
1– كيف نشأت الأرض ؟
من المرجح أن الأرض والكواكب الأخرى في هذه المجموعة الشمسية قد نشأت بعد سلسلة من اصطدامات الأجرام السماوية الصغيرة بعضها ببعض. وتؤكد وكالة “ناسا” في الواقع إنه في وقت مبكر من تاريخ الأرض اصطدم بها جُرم سماوي بحجم المريخ مسببا هلاكا كبيرا، وبعد هذا الاصطدام العنيف تجمعت الحطام الناتجة عنه واتحدت لتكون القمر الذي نراه اليوم.
ومنذ ما يقرب من 4 مليارات سنة، كانت المجموعة الشمسية أشبه بمنطقة اصطدام كرات البلياردو، ويرجع ذلك جزئيا إلى جاذبية كوكب المشترى القوية، التي كانت بمثابة مقلاع قوي يضرب الكويكبات والمذنبات متسببا في اندفاعها نحو الشمس.
وفي منطقة الفضاء التي عثر فيها على كوكب بلوتو القزم – وتدعى هذه المنطقة حزام كويبر – كانت الأجسام الجليدية والصخرية تسبح في بيئة هادئة نسبيا، بعيدا عن تلك الاضطرابات الداخلية والاصطدامات التي كانت تحدث في المجموعة الشمسية، مما قد يؤدي لاحتفاظ هذه المنطقة بملامح عن نشأتها الأولى في البداية، وهذا يعني أن مراقبة بلوتو واستكشافه عن قرب، وأيضا استكشاف الأجسام المماثلة في حزام كويبر، يمكن أن تقدم تفسيرات للعلماء حول الشكل الذي كانت تبدو عليه المجموعة الشمسية في وقت مبكر من تاريخها.
2– من أين أتت المياه على سطح الأرض ؟
في العام الماضي اكتشف العلماء أن الماء الذي ربما قد يكون أتى لكوكب الأرض من المذنبات لم يحمل معه الجزيئات التي بدأت بسببها الحياة على سطح الأرض، كما كان يُعتقد سابقا.
فقد أظهرت مشاهدات من المسبار الفضائي “روزيتا” وجود نوع مختلف من المياه على سطح المذنب 67P، وكانت جزيئات الماء الموجودة على سطح هذا المذنب مختلفة عن الجزيئات الموجودة على كوكب الأرض، وفقا لدراسة نشرت في مجلة ساينس العلمية في ديسمبر/كانون الثاني 2014.
ووجد العلماء أن هناك العديد من الأجسام في المجموعة الشمسية تتميز بوجود جليد على سطحها، بما في ذلك أقمار الكواكب والكواكب القزمة، وحتى أجزاء من كوكب المريخ، ومن الممكن أن يعثر العلماء على جليد على سطح بلوتو كذلك.
ومع فحص الجليد على هذا الكوكب القزم- بلوتو يمكن أن يساعد ذلك الباحثين في صقل نظرياتهم حول كيفية انتشار المياه عبر أجرام المجموعة الشمسية السماوية.
3– كيف بدأت الحياة على الأرض ؟
الحياة على كوكب الأرض مليئة بعنصر الكربون، وهذا هو السبب الذي يجعل العلماء يعلقون الآمال على اكتشاف محتمل لمواد عضوية تتكون من جزيئات كربونية في أجزاء أخرى من المجموعة الشمسية، وبالرغم من حقيقة أنه ليس كل مادة كيميائية عضوية قد نشأت بالضرورة من كائن حي، إلا أن ذلك لا ينفي أنها تعد اللبنات الأساسية لوجود الحياة على كوكب الأرض.
ويأمل العلماء أن تساعد البحوث حول كوكب بلوتو في اكتشاف مُركبات عضوية كربونية في جليد الكوكب القزم، حيث أن هناك بعض الأسباب التي تدفع العلماء للتفكير بهذا الاتجاه، منها أن بعض المركبات العضوية تم العثور عليها في بيئات مماثلة للظروف القاسية، مثل كوكب عطارد والمذنب 67P.
ويقول العلماء إن العثور على المواد العضوية – أو حتى عدم العثور عليها – على سطح الكوكب القزم بلوتو يمكن أن يعطي العلماء فكرة أفضل عن كيفية ظهور الحياة لأول مرة على كوكب الأرض.
4– بنية الغلاف الجوي للأرض
بلوتو لديه جو غريب، وجاذبية هذا الكوكب القزم منخفضة جدا، مما يجعل غلافه الجوي الواهي يمتد أعلى بكثير من الغلاف الجوي لكوكب الأرض.
ويعتقد بعض العلماء أن الغلاف الجوي لبلوتو ينهار على سطحه حينما يبرد الكوكب القزم، عند ابتعاده عن الشمس في مداره حولها، ولكن لأن مدار بلوتو يأخذه حاليا أقرب إلى الشمس، فالغازات في غلافه الجوي تسخن وتتوسع بدرجة كبيرة.
ومن خلال دراسة أجواء العوالم الأخرى، يمكن للفلكيين معرفة المزيد عن كيفية حدوث نفس العمليات على كوكب الأرض، فعلى سبيل المثال، ساعدت الأجواء الملتهبة لكوكب الزهرة العلماء على فهم أفضل لظاهرة الاحتباس الحراري على كوكب الأرض.
5– كيف تؤثر الشمس على كوكب الأرض ؟
مما لا شك فيه أن الحياة على كوكب الأرض لم تكن لتبقى طويلا من دون الشمس، فأكثر الحرارة على سطح الأرض تأتي من الشمس، وعلاوة على ذلك فللشمس تأثيرات كبيرة على الغلاف الجوي للأرض، مثلما الحال عندما تنبعث غازات التوهجات الشمسية ( التي تسمى الكتل الاكليلية) نحو الأرض، و”تثير” الجزيئات في غلاف الكوكب الجوي، مما يتسبب في حدوث ظاهرة الشفق المذهلة، (والمعروفة أيضا باسم الأضواء الشمالية والجنوبية).
وأشعة الشمس يمكنها أيضا التأثير على خطوط إمداد الكهرباء على سطح الأرض أو على الأقمار الاصطناعية، من خلال ما يسمى بالعواصف المغناطيسية الشمسية.
ولذلك كله يرغب العلماء في معرفة كيفية تفاعل الشمس مع الأجواء في جميع أنحاء المجموعة الشمسية، بما في ذلك بلوتو، وهذه الملاحظات ستساعد الباحثين في التنبؤ على نحو أفضل بآثار النشاط الشمسي الشديد، الذي يمكن أن يؤثر بقوة على مناخ الأرض.