كانوا فيما مضى يخوفون الأطفال العنيدين ، إما بالغول وإما بالذئب أو الشرطي أو البعبع ..وفي العصر الحاضر لا يخلو مجتمع الوالدين والأقارب ، من جماعة تخوف الطفل الجموح بطريقة حديثة فتهدده بطبيب الأسنان وشتى الأدوات المؤلمة التي لا يكاد يراها حتى ينخلع فؤاده من مجرد رؤيتها .. بل من مجرد ذكرها لكثرة ما سمع الأقارب والجيران يصفون أهوالها .موقع طرطوس
وكم منا ، نحن ” الكبار” أيضاً ، قد حفظ أسوأ الذكريات من تلك الجلسات على معقد طبيب الأسنان ، حتى أن غير واحد ينزل عيادة طبيب الأسنان بمنزلة حجرة تعذيب..
لذلك نرى الأم تحزن وترتعش إذا لاحظت أن ابنها يتألم من أسنانه وأنه لا بد مما ليس منه بد ، أي الذهاب به إلى عيادة طبيب الأسنان .موقع طرطوس
إلا أنه لحسن الحظ أصبح الخوف من طبيب الأسنان خوفاً وهمياً في العصر الحاضر، فإن التقدم الطبي بلغ حداً يجعل معالجة الأسنان ميسورة بلا ألم يذكر ، إلا فيما قل وندر. فأين الأساليب التقنية اليوم مما كانت أساليب الطبيب ماكسيم غروسمير في مطلع القرن العشرين ،حينما كان ذلك الطبيب يضع في أذني العليل سماعتين ويسمعه من الموسيقى الصاخبة ما يشبه الرعد لكي يصرف انتباهه عن الألم .
إلا أن الألم الجسدي لا يعد في هذا المضار وقد يتألم الناس ويرتعدون من مجرد دخول عيادة طبيب الأسنان … ومن أعجب ما لاحظوه أن هذا الخوف من الألم إنما يحدث ألما جسدياً أكيداً للخائف .موقع طرطوس
أي أنه بقي التغلب على الخوف من الطبيب ، بعد أن تغلب العلم على الألم الجسدي بشتى الوسائل . ولا بد للأهل من التعاون مع الطبيب لكي يتغلب أولادهم على هذا الخوف .
وقد أوجز أطباء الأطفال الأساليب لإدراك هذا الهدف بست نصائح :
أولا: معرفة أسباب الخوف لدى الطفل . فينبغي للوالدين أن يعرفوا انفعالات نفس الطفل غير الواعية لكي يعرفوا أي سلوك يسلكون بحضوره كلما ساورته آلام نخر الأسنان .موقع طرطوس
ففي تحليل علماء النفس أن الفم في نظر الطفل ليس سوى مركز إحساسات عذبة كالأكل والشرب والتقبيل الخ …
ويظل حافظاً في اللاوعي ذكر ثدي أمه فإنه أول ما تناوله فم الطفل واستمد منه الرضاعة ، وفي معظم الحالات تكون أدوات طبيب الأسنان أول ما يمس فم الطفل بإحساسات أليمة . وغير عجيب والحالة هذه ، لأن يعلق في ذهن الطفل انطباع سيء من أول زيارة لعيادة طبيب الأسنان .موقع طرطوس
ثانيا: من الأفضل الامتناع عن الكذب إذا كان لا بد من الذهاب بالطفل إلى العيادة . فلا فائدة من التمويه . ولا بأس مثلاً من إعلامه سلفا ” أنن ذاهبون لمعالجة هذه السن ، وربما حصل بعض الألم عن ذلك ، وإنما قليل من الألم خير من الأسنان المنخورة الخ ” .. وإذا لاحظ الطفل أن أمه ، كذبت عليه ، فقد يفقد كل ثقة بأمه وبالطبيب أيضاً ..
ثالثا : يستحسن جداً اجتناب الانتظار في عيادة طبيب الأسنان .
فإن الانتظار عامل أساسي من عوامل القلق . وبديهي أن هذه النصيحة موجهة للأطباء .موقع طرطوس
رابعاً : الوقاية خير من العلاج . ولا يراد بذلك تكرار مثل سائر مستهلك . بل إنما المراد بالوقاية هنا. تعويد الطفل منذ نعومة أظفاره على ” مؤالفة” عيادة طبيب الأسنان ، حتى وإن كان لا يشكو أي ألم معين ، ففي البلدان الإسكندنافية مثلاً عادة دارجة في المدارس حيث عيادة خاصة لطب الأسنان .
وهذا أسلوب أخذ يشيع في سائر الدول الأوروبية لأن الأطفال يألفون الطبيب ويسمعون نصائحه ، ثم لأن وجود الطبيب في المدرسة يقيهم النخر أو ” السوس”.
وريثما يعم هذا الأسلوب يحسن بالأهل أن يقودوا الأولاد إلى عيادة الطبيب منذ سن مبكرة ، حتى وإن لم تكن أسنانهم بحاجة ظاهرة إلى معالجة .
خامساً: ينصحون الأهل بألا يظلوا واقفين إلى حانب الطفل أثناء المعالجة ، فإن الطفل لا يخضع لسلطة الطبيب إلا متى حرم حماية أهله . ثم أن وجود أمه بجانبه وهي تمسك بيده بحجة التشجيع ،إنما يجعل الطفل خائفاً من حصول مكروه فجائي ، وإلا لماذا بقيت أمه بجانبه كأنها تتوجس من شيء.موقع طرطوس
سادساً : في أي عمر ينبغي أن تجرى الزيارة الأولى ؟ نصيحة الأطباء أنها تستحسن ابتداء من الثالثة من العمر .
ويؤكد جمهور الأطباء أن هذه الأساليب ناجحة جدا في إزالة الخوف من نفوس الأطفال ، بدليل هذه الحادثة التي روتها طبيبة أسنان في الضاحية الباريسية . قالت :
– كانت لي عيادة في مدرسة .واكتسبت ثقة الأطفال إلى حد جعل بعضهم كلما أرادوا الهرب من الصف أو من امتحان صعب ، يتحججون بألم مبرح في أسنانهم ، لكي يخرجوا من الصف ويأتوا إلى عيادتي طلباً للمعالجة .