يقول أخصائيون نفسيون أن كلمة سرطان من أكثر الكلمات إثارة للرعب لدرجة أن الناس يخافون أن ينطقوها أو حتى يسمعوها وإذا ما تجرأ أحد وتفوه بها نجد أنه يلحقها بجميع المعوذات والتضرع لله للحماية منها ويسوي في هذا كل من المتحدث والمتلقي .
وأول ما يبادر للذهن لدى سماع كلمة سرطان هو الموت المحقق أو عقوبة الإعدام ولذلك فإن إصابة شخص ما بالمرض أو حتى أحد أقاربه أو معارفه يوقع به آثاراً نفسية عميقة المدى والتأثير ترافق رحلة المرض في كل مراحلها .
ويبين رئيس قسم الطب النفسي في مركز الحسين للسرطان في الأردن الدكتور جمال الخطيب أن أول المعضلات تكون لدى تلقي نبأ التشخيص أو حتى الشك فبعد فترة من الترقب والقلق يقع تأكيد التشخيص على الشخص المعني وقوع الصاعقة ، ولعل أول رد فعل يكون عدم التصديق .
وبعد أن تهدأ ثورته وتبدأ رحلة التفاصيل والتكيف مع التغير الحاصل في الحياة يبدأ البحث عن حجم الورم ودرجته ونوعيته وخطة العلاج وهناك ردود فعل غير طبيعية كأن تطول فترة الانكار وتتعمق لدرجة انكار المرض ورفض العلاج أو يمتد الحزن والغضب ويتعمقان ليتحولا إلى حالة اكتئاب كاملة تسير مترافقة مع القلق والتوتر وكيف سيتكيف الشخص مع التغيرات الناجمة عن العلاج ، وقد يحصل انهيار في القدرة على التحمل والتكيف ، وقد يكون مترافقاً مع اضطراب القلق ، كالقلق العام أو نوبات الفزع والخوف أو حالات الفوبيا المختلفة أو الوساوس ، كما قد يكون عدم التكيف مترافقاً مع الاكتئاب ، مثل الحزن الشديد ، الانعزال والرغبة في الموت وربما بمحاولة الانتحار .
ومع انتهاء العلاج يدخل المصاب في مرحلة جديدة تعتمد بشكل رئيسي على نتيجة العملية ودرجة الشفاء والتحسن ، وإذا كانت نتيجة العلاج جيدة فعلى الأغلب ان الشخص سيعود لممارسة حياته المعتادة مع مراعاة الظرف الجديد . في كل مراحل المرض تلعب نفسية المريض دوراً مهماً في العملية العلاجية بل ويكون لها تأثير مباشر على مسار المرض .
وقد أثبتت الدراسات أن نحو 50 في المائة من المرضى يعانون من اضطرابات نفسية تحتاج للمداخلة النفسية العلاجية وأكثر هذه الحالات تقع ضمن اضطرابات عدم التكيف والاكتئاب والقلق كما لوحظ أن بعض الاضطرابات النفسية قد تنشأ عن الإصابة المباشرة للخلايا الدماغية ومن ذلك اضطرابات الهذيان وتغير الشخصية العضوي ، كما أن بعضها قد ينشأ عن العملية العلاجية ، وهنا يجب التركيز على العلاج النفسي للمريض .
وتشير الدراسات الحديثة أن علاقة قوية بين التوتر والمناعة بين نفسية الشخص وقدرته على التحمل الجسدي ، وثبت أحصائياً أن من كانت نفسيتهم أفضل كان معدل اعمارهم أطول .
وقد قام مركز الحسين للسرطان بدراسة لطبيعة الأبعاد النفسية للسرطان في المرضى الأردنيين ، وتبين أن نسبة عالية منهم نحو 70 في المائة يعانون من الضيق وإن أكثر الضيق ناجم عن القلق والخوف والألم والكآبة والاجهاد .
وأوضح أن الوضع العام يما يتعلق بالسرطان يتجه نحو الأفضل ، ومع تحسن تقنيات التشخيص والكشف المبكر وتطور تقنيات الجراحة والعلاج الكيماوي والإشعاعي لم يعد تشخيص السرطان بمثابة حكم الإعدام المحقق ، وإنما أخذ يتحول إلى مرض مزمن يمكن التعايش معه وأصبحت معدلات الحياة بعد الاكتشاف اطول مما كانت عليه في السابق وهو ما وفر إمكانية القيام بدراسات ذات مدى زمني طويل اسهمت في القاء الضوء على تفاعل الإنسان مع المرض .