يقول المثل الشائع إن ” البحر غدار ” ، وذلك ليس فقط لأنه يبلغ سنوياً آلاف البشر ، وإنما السبب لا يقل أهمية ، ويتمثل ب ” القناديل ” التي تسرح فيه وتصيب سنوياً نحو عشرة آلاف شخص وتقتل أكثر من 50 في المئة منهم . هي تجوب في كل الشواطىء لكنها تتمركز في بعض البقع أكثر من غيرها .
طبيعي أن نفكر بسمك القرش حين نسمع بالأسماك الخطيرة والقاتلة ذات الأنياب المخيفة . وآخر ما قد يخطر على بالنا هو ذلك النوع الذي ليس له أنياب ولا قلب ولا حتى دم ، ويسمى قنديل البحر . مع العلم أنه يشكل خطراً هائلاً على الإنسان . حتى إنه قادر على إفراغ الشواطىء من الرواد .
وفي هذا الإطار ، لا بد أن نضع علامة استفهام حول ذلك النوع الخطر الذي يشبه كيساً من النايلون الشفاف .
ظهور قنديل البحر قبل أكثر من 650 عاماً ، وهو من الكائنات ذات الذبذبات المتعددة الخطيرة والفتّاكة ، ويتشكل من 250 نوعاً ، 70 منها مؤذية جداً . ويتراوح طوال طول القنديل بين 12 ملليمتراً ومترين . وحين نتكلم عن القناديل لا نغفل بالطبع ذكر أنواعها الخطيرة جداً مثل الأخطبوط الذي يشبه المظلة ويكون لزجاً ، وهو يطبق عادة على فريسته بإحكام . وتفحّ بعض الأنواع الأخرى من القناديل سمومها على الفريسة وتقضي عليها . وتستند قوة دفاع القناديل إلى تكوينها الفيزيولوحي ، فهي تتشكل من ثلاث طبقات وتوجد فتحة واحدة في جسمها كله تستخدم للطعام والتغذية ، وتضع بيوضها أيضاً عبرها . واللافت أن خلايا بعض القناديل تتجدد تلقائياً ولا تموت ( وهذا بالطبع هو الحلم الكبير الذي يجذب الإنسان باستمرار ، ويسعى العلماء في أبحاثهم إلى اكتشاف إكسيره ) .
وتضم أجسام غالبية قناديل البحر أنتينات تساعدها على استكشاف طريقها ، عبر إرسال ذبذبات تنبهها إلى ضرورة تغيير وجهه سيرها عند ظهور أي عائق أمامها ، وهي تسرح عشرات الكيلومترات يومياً بلا صعوبات ولا مشقة . تؤثر القناديل على النظام الاقتصادي السمكي ، لأن غالبية الأسماك تبتعد عن طريقها وتهرب إلى أمكنة بعيدة عن الشواطىء . وحدها الأسماك الصغيرة الحجم تستفيد من وجود القناديل وتحتمي بها لأن الأسماك الكبيرة تعجز . في هذه الحالة ، عن الوصول إليها والتهامها .
وحين نتكلم عن القناديل الخطيرة يبرز القنديل الملقب ب ” دبور المياه ” ويدعى بالإنكليزية “ Box Jelly fish “ ( أو السمكة المعلبة بالجيلاتين ) . إنه من أخطر الكائنات الفتاكة والسامة على الكرة الأرضية . وهو نذير شؤم يثير الرعب في نفوس الناس أينما حلّ ، وينتشر خصوصاً في مياه المحيط الباسيفيكي . لدغته تثير ألماً عظيماً ويؤذي كل ما يحتك به ، وتؤدي السموم التي يقذفها إلى وفاة الإنسان أو أي كائن حيّ في غضون ثلاث دقائق ، وهو يصيب القلب مباشرة ويؤدي إلى شلل تنفسي . وتشير الإحصاءات إلى وفاة نحو 50 شخصاً في الفيليبين بسبب سموم قذفتها ” دبابير المياه ” وأصيب أكثر من عشرة آلاف شخص آخرين بأمراض وعاهات مختلفة بسبب ذلك . وفي هذا الإطار ، ينصح الخبراء باتخاذ عدة احتياطات للحدّ من انتشار ذاك السم القاتل وحصره ، ومنها عدم فرك البقعة المصابة لئلا يتمدد السمّ بسرعة وتلتهب الأعضاء الأخرى . في كل حال ، تمّ قبل عقدين اكتشاف مصل مضاد لسمّ ” دبور المياه ” ، وساعد ذلك على عدم تدهور حالة بعض المصابين ، وبالتالي إنقاذهم من الموت الذي كان محتماً . وينصح الخبراء الأشخاص الذين يرافقون الشخص المصاب باتباع بعض العلاجات الأولية ، مثل دهن البقعة المصابة بالخلل أو النبيذ أو بالبول .
إذا كانت القناديل نذير شؤم لمعظم الشعوب ، فإن اليابانيون ، وخصوصاً سكان طوكيو ، يبحثون عنها ” بالسراج والفتيلة ” لالتهامها ، فهم يتلذذون بتناولها . في هذا الإطار جرى إعداد وتقديم أكثر من 360 ألف كيلوغرام من القناديل في المطاعم اليابانية خلال سنة واحدة .