الأزمة الكاريبية – هي من أشد المواجهات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة زمن الحرب الباردة، والتي ظهرت بسبب نشر الصواريخ السوفيتية في كوبا، مع العلم أن هذا النزاع كاد أن يدفع البشرية إلى هاوية حرب صواريخ نووية عالمية من شأنها أن تؤدي إلى نهاية حقيقية للكون.
كان ذلك في عام 1961، عندما نصبت الولايات المتحدة صواريخها النووية في تركيا بالقرب من حدود الاتحاد السوفيتي، وهذا بطبيعة الحال أغضب الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف. وخلال اجتماع للمكتب السياسي السوفيتي، اقترح الزعيم السوفيتي إظهار العضلات أمام الأمريكيين ومعرفة من هو الأقوى عبر نشر الصواريخ السوفييتية في كوبا الصديقة. كان ذلك في خريف عام 1962، حيث تقلص زمن وصول الصواريخ إلى المدن الرئيسية في الولايات المتحدة إلى 10 دقائق.
تم نقل الأسلحة النووية عبر المحيط ضمن سرية كاملة، ولكن حكومة الولايات المتحدة اشتبهت بأنه هناك شيء ما يحدث. وفي الرابع من شهر أيلول/سبتمبر أعلن الرئيس جون كينيدي بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع مسألة وجود الصواريخ السوفييتية على بعد 150 كم من سواحلها. ولكن خروشوف أكد بأنه لا صواريخ في كوبا ولن تكون أبداً. ومع ذلك، ففي يوم الرابع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر، صوّرت طائرة تجسس أمريكية مواقع لصواريخ على الجزيرة. وبذلك يعتبر هذا اليوم بداية أزمة الكاريبية.
في تلك الأثناء كانت الغلبة والتفوق النووي إلى جانب الولايات المتحدة، ولهذا عرض الجنرالات على الرئيس كينيدي مهاجمة كوبا وتدمير الصواريخ السوفييتية. وهذا يعني اندلاع حرب شاملة مع الاتحاد السوفيتي مع جميع تداعياتها ونتائجها القاتلة للبشرية. وأول خطوة نحو الهاوية كانت من فعل كينيدي، عندما أعلن عن فرض حصار بحري على كوبا من قبل 180 سفينة حربية أمريكية أحاطت بالجزيرة من جميع الأطراف. وبالطبع صعّد خروشوف من الموقف وصرح بأن الحصار غير قانوني، وسوف يتم تجاهله من قبل السفن السوفيتية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الزعيم السوفييتي كان محقاً من وجهة نظر القانون الدولي. فعملية نشر الصواريخ في كوبا لم تكن غير قانونية كما هو الحال عندما ظهرت صواريخ أمريكية في تركيا. واستمرت السفن السوفيتية تحركها نحو كوبا برفقة أربع غواصات مزودة بأسلحة نووية على متنها. وفي هذا الإطار صرح كينيدي للسفير السوفيتي في واشنطن، قائلاً: “أنا لا أعرف كيف ستنتهي هذه القصة، ولكن نحن عازمون على إيقاف سفنكم”. في أثناء ذلك وُضع جيش الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وحلفائه في حالة تأهب كامل. كان المشهد أقرب إلى عراك بين اثنين من رعاة البقر في فيلم كوبوي للهوليوود، وهما يتأهبان ليمسكا بسلاحهما لإطلاق النار على بعضهما البعض. لكن العالم كان بانتظار من سيطلق النار أولاً؟
اندلعت الشرارة الأولى في السابع والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر، عندما أسقطت منظومة صواريخ سوفيتية طائرة تجسس أمريكية فوق الأجواء الكوبية وقتل الطيار. وتدهور الموقف بشكل كبير، حيث طالب الجنرالات الأميركيون من زعيم البيت الأبيض الرد على الفور من خلال توجيه ضربة انتقامية. وهنا اضطر زعماء الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي اللجوء إلى الدبلوماسية السرية. وفي ليلة السابع والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر، التقى روبرت كينيدي شقيق الرئيس الأمريكي، والذي كان يشغل منصب وزير العدل مع السفير السوفيتي. وقتها أعلن المسؤول الأمريكي بأن الولايات المتحدة مستعدة لإعطاء ضمانات بعدم الاعتداء على كوبا، ورفع الحصار المفروض على الجزيرة مقابل ترحيل الصواريخ السوفيتية. لم يكن هناك متسع من الوقت وكانت كل دقيقة يمكن أن تحسم الوضع، لذا قدمت القيادة السوفيتية موافقتها عبر الإذاعة، مصرحة على العلن بأن الأزمة قد انتهت، وهنا تنفس العالم الصعداء.
وبالفعل التزمت القوى العظمى بوعودها، حيث قام الاتحاد السوفيتي بترحيل صواريخه، وسحبت الولايات المتحدة سفنها التي كانت تحاصر شواطئ كوبا. وبعد بضعة أشهر أزالت أمريكا صواريخها من الأراضي التركية. كل ذلك جاء نتيجة اتفاق سري بين خروتشوف وكيندي تم الكشف عنه بعد سنوات عديدة.
بطبيعة الحال من غير المجدي اليوم إثارة الجدال حول من الفائز ومن الخاسر في الأزمة الكاريبية. فكلا الزعيمين كما يقولون في الشرق، استطاعا أن يحفظا ماء وجههما. لكن الشيء الرئيسي الذي يمكن استخلاصه من هذه الأزمة هو أن السياسيين والناس على جانبي “الستار الحديدي” أدركوا بأن المناورات العسكرية يمكن أن تكون مكلفة جداً للبشرية. ولهذا بدأت العلاقات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة تدريجياً بالتحسن عام 1962. وبهذا يكون قد تم تأجيل “يوم القيامة” إلى أجل غير مسمى. ونحن هنا نود أن نأمل ونصدق بأن زعماء القوى العظمى بات لديهم الشجاعة والحس السليم والإرادة في التوقف عند حافة الهاوية.