تنطوي الجبهات المشتعلة على شعور فئة من السياح الذين يقصدون ساحات الحروب المحفوفة بالمخاطر والملغمة والمليئة بالرصاص الطائش، فضلا عن الحواجز المباغتة والخطف.
وقال السائح جوني بلير في دلالة على شعوره بالملل من الرحلات الترفيهية: “زيارة تايلاند مملة ولا أجني منها شيئا”، وهو يفضل الذهاب إلى وجهات ساخنة مثل العراق أو أفغانستان، وينصح بخوض هذه المغامرة موضحا أن “الخطر يستحق العناء”.
وأضاف جوني بلير الآيرلندي الشمالي البالغ من العمر 36 عاما، أن أفضل ذكرياته في أفغانستان كانت “مباراة كرة قدم لعبتها مع أطفال قرب معبد سامانغان البوذي (شمال)، أو ليلة قضاها في أحاديث حول كوب من الشاي ونارجيلة في مزار شريف” كبرى مدن جنوب أفغانستان.
وروى بلير في رسالة إلكترونية من جيب كالينينغراد الروسي على بحر البلطيق حيث حصل على “تأشيرة دخول لبضعة أيام”، “سافرت أيضا إلى العراق والصين وفنزويلا وفلسطين وكوريا الشمالية. كل بلد يستحق أن نزوره”.
وتقوم بعض وكالات السفر بتنظيم رحلات لزبائنها إلى هذه الوجهات، يجذبهم إليها الإحساس بالإثارة الناتج عن التعرض للخطر. ومن هذه الوكالات “هينترلاند ترافل” البريطانية، التي تعرضت مجموعة من سياحها تضم 12 أوروبيا وأمريكيا الخميس 4 أغسطس/آب الجاري، لقذيفة أطلقتها عليها حركة طالبان غربي أفغانستان على طريق هرات.
وأصيب 6 من المسافرين بينهم مدير الوكالة جيف هان بجروح طفيفة، لكن الغريب في الأمر أن أشخاصا أعربوا عن رغبتهم في خوض هذه التجربة فور سماعهم للخبر في وكالات الأنباء، فمثلا كتب ديفيد ستانلي بعدما تعرف إلى جيف هان، الرحالة البالغ من العمر 78 عاما، في الصور التي تصدرت الصحف: “هذا يجعلني أشعر بالرغبة في الرحيل معه”.
هل يعقل أن يكون هذا الميل إلى المجازفة ناجما عن فضول مرضي؟ أو ميول انتحارية؟ أو توق إلى مشاعر قوية؟ ما الذي يجعل البعض يجازفون بحياتهم لقضاء مثل هذه العطلة في حين يكافح آخرون بكل ما لديهم من قوة من أجل البقاء؟
وفي 2013 قام سائق شاحنة ياباني يدعى توشيفومي فوجيموتو، بقضاء عطلة في حلب شمالي سوريا، وصرح لوكالة “فرانس برس” أنه زار قبل ذلك حمص، واليمن تحت القصف، والقاهرة إبان الثورة التي أسقطت حسني مبارك.
وفي ساراييفو، يروي الصحفيون زيارة قام بها سياح إلى فندق “هوليداي إين” الشهير الذي تحول إلى مقر عام للصحافة الدولية أيام حصار المدينة، وفي صيف 2015 أوقفت السفارة الفرنسية في كابول رغما عنهما شابين كانا يزوران المنطقة فيستوقفان السيارات للتنقل ويبيتان في منازل سكان محليين.
وقال جيمس ويلكوكس، مؤسس وكالة “آنتيمد بوردرز” في غرب إنجلترا: “دوافع زبائننا متنوعة”، وقد أرسلت وكالته مؤخرا مجموعة من هؤلاء السياح ليبحروا في زوارق كاياك على نهر بانشير شمالي أفغانستان.
وأوضح ويلكوكس أن “الدوافع كثيرة، منها الذهاب نحو ثقافة أخرى، والرغبة في فهم التعقيدات الجيوسياسية بصورة أفضل، أو لأن السياح قدموا إلى المنطقة في السبعينات لزيارة المواقع الأثرية”.
ومن وجهة نظر جون ر. ميلتون (46 عاما) من الولايات المتحدة، فإن “الوجهات الخارجة عن المسالك المعهودة أكثر ثراء، نتعرف فيها على المجتمعات والثقافات على حقيقتها”.
وكتب في يونيو/حزيران الماضي، المصرفي السابق الذي يقضي تقاعده المبكر في “استكشاف عجائب العالم” ومنها أفغانستان “لا تقضي العمر بدون ندبات، ذلك هو مثلي المفضل”.
وانطلاقا من هذه القاعدة في الحياة، جال ميلتون في باكستان والصومال، وكوريا الشمالية، حيث شارك في الاحتفالات بعيد ميلاد الزعيم كيم جونغ أون، “برفقة دينيس رودمان” بطل كرة السلة الأمريكي السابق الذي زار هذا البلد مرارا. ويقول: “إنها أعز ذكرى أحتفظ بها، إلى جانب السجن في مقديشو”.. “إنها تجارب لن تعيشها أبدا في العالم الغربي. بالطبع، قد يكون ذلك خطيرا، لكن المخاطر يمكن ضبطها، والمكافأة تستحق المجازفة”.