ثمة ثلاثة معلومات منتشرة عن الأفيال، أنها تخاف من الفئران، وأن ذاكرتها قوية جدا، وأن لها مقابرها. لكن واحدة فقط من هذه الحكايات حقيقية.
والشائع هو أن الأفيال ترتعب من الفئران، ولها ذاكرة قوية. وعندما يقترب وقت موتها ترتحل بهدف الوصول إلى مقابرها، وأنها تحزن. وهي تنتسب إلى الوبريات، تماما مثل أرنب الصخور.
لكن الحقيقة هي أن الأفيال تخاف من النحل. ولها ذاكرة جيدة. أما مقابر الأفيال فهي خرافة، لكن المؤكد أنها تهتم ببقايا موتاها. أما بالنسبة للوبريات، فجميع الكائنات الحية تنتسب إليها.
وانتساب الأفيال إلى الوبريات، تلك القوارض الغامضة التي تعيش في أفريقيا، هي إحدى الحقائق العادية التي يحب الناس المبالغة في نشرها، فسلالات جميع الثدييات تنتسب إلى الوبريات. والادعاء بأن أقرب الحيوانات نسباً إلى الأفيال هي الوبريات ما هو إلا تضليل.
أولاً، إن ذلك الادعاء يوحي بوجود سلف وراثي مشترك بين السلالتين في العهد القريب. لكن الحقيقة أن كلا من السلالتين انفصلتا منذ ما يقرب من 65 مليون سنة.
ثانياً، تشير الأدلة الجزيئية الى أن الأفيال أقرب نسبا إلى أبقار البحر والدلافين منها إلى الوبريات.
كما يتضح أن ولعنا بتقريب المتناقضات، مثل الضخم مقابل الصغير، هو السبب في اعتقادنا أن الفيلة تخاف من القوارض.
خرافات
وتعود فكرة خوف الأفيال من القوارض إلى “پليني الأكبر” الذي كتب في مجلد “التاريخ الطبيعي”: “من بين كل المخلوقات الحية، فهي (الأفيال) تمقت الفأر”.
كما استخدمت شركة “والت ديزني” هذه الفكرة في فيلم الرسوم المتحركة “دامبو”، إذ يرعب الفأر “تيموثي” الأفيال في السيرك، قبل أن يصادق البطل الخارق. فما السبب وراء انتشار هذه الخرافة؟
يقول كريغ بروس، من جمعية علوم الحيوان بلندن: “هناك الكثير من الخرافات حول الفئران التي تركض على أجسام الأفيال”، لكن لا يوجد دليل قاطع على خوف الأفيال من الفئران. والأمر المثبت هو أن الفيلة لا تحب النحل.
وعند تجربة إذاعة صوت النحل الأفريقي بالقرب قطيع من الأفيال المسترخية تحت الأشجار في كينيا، وُجد أنها إما تمشي مبتعدة، أو – في أغلب الحالات – تركض.
هذه وغيرها من الاكتشافات أدت إلى إطلاق مشروع الفيلة والنحل، وهي مبادرة للكشف عن إمكانية استخدام النحل لردع الأفيال عن مداهمة المحاصيل الزراعية في أفريقيا.
أما عن الذاكرة، فالأفيال لديها ذاكرة اجتماعية مدهشة، بجانب ذاكرتها في المعالم الطبيعية ومسارات هجرتها.
وفي تسعينيات القرن الماضي، أجرى الباحثون في متنزه أمبوسيلي الوطني، في كينيا، تجارب استخدموا فيها تقنية إعادة التشغيل لكشف طريقة تواصل الأفيال فيما بينها.
وفي إحدى التجارب، شغلوا صوت أحد الأفيال، وكان قد مات منذ عامين، وهو ينادي أفراد قطيعه. فتجمع القطيع حول مصدر الصوت وردوا على النداء. ويدل هذا التجاوب على تميز الأفيال برابطة اجتماعية قوية.
في تجربة أخرى، نُقلت إحدى إناث الأفيال إلى قطيع آخر. وبعد 12 عاما، رد أفراد القطيع الأصلي على ندائها عند سماعه.
أما عن المقابر، فلا يوجد دليل على أن للأفيال مقابر يقصدها كبار السن منهم ليموتوا هناك. صحيح أنه توجد تجمعات كبيرة لعظام الأفيال، لكن الجفاف والقنص هما السبب الأرجح لوجودها.
حقائق مذهلة
وهناك دلائل أفضل، سواء من المخطوطات أو من التجارب، تشير إلى مسألة أخرى، وهي أن الأفيال تحزن على موتاها.
وتقول سينثيا موس، وهي رائدة في مجال المحافظة على البيئة، في كتابها “ذكريات الأفيال”، إنها كانت قد أخذت إلى معسكرها عظام فك فيلة أنثى توفيت مؤخراً، وكانت قائدة قطيعها. وبعد بضعة أيام، صادف أن مر قطيع الفيلة المتوفاة بالقرب من مخيم موس، فاقتربوا ليطمئنوا على عظمة الفك.
وأظهر أحد الأفيال اهتماما أكثر من غيره، وبقي لفترة أطول بعد أن مضى باقي القطيع. وكان هذا الفيل هو ابن المتوفية، والبالغ من عمره سبع سنوات.
تابعت موس وزملاؤها روايات شبيهة، وأجروا تجارب بغرض الكشف عن هذا السلوك بشكل أكثر منهجية.
وعند عرض ثلاثة أشياء على الأفيال، هي قطعة خشب، وجمجمة فيل، وقطعة من العاج، أظهر الأفيال اهتماماً ملحوظاً بالعاج، وتفضيلاً واضحاً للجمجمة على الخشب.
ولم يتمكن الباحثون من الجزم بأن الأفيال تظهر اهتماماً زائداً ببقايا أقربائهم، أكثر من غير أقربائهم. إلا أنهم استنتجوا أن الأفيال “قد تتعرف على أنياب أفيال أخرى كانوا يعرفونها من قبل، عن طريق حواس اللمس والشم”.
يؤكد ذلك على أن الأفيال مخلوقات استثنائية، وذكية، وذات عواطف جياشة. لكن هناك حقيقة بنيوية عن الأفيال، هي الأكثر إثارة للدهشة.
يتعلق الأمر بتشريح الجهاز التناسلي لأنثى الفيل، إذ يبلغ طوله من البداية حتى النهاية ما يقرب من ثلاثة أمتار، وهو الأطول بين الحيوانات الثديية التي تعيش على اليابسة.
وحتى مع الطول الهائل لقضيب ذكر الفيل، فإنه لن يحاول إدخال قضيبه في فرج الأنثى، لأن فتحتها تبعد 1.3 متراً داخل جسمها.
وتوجد هذه البنية الغريبة في جسم الثدييات البحرية أيضاً. لعلها إحدى العلامات الباقية في جسم الفيلة من مخلفات سلالتها المائية، إذ تمنع هذه البنية دخول الماء إلى القناة التناسلية أثناء التزاوج.