كان الشاب الصيني «شانج شو» يقف فوق الهضبة العالية المشرفة على شاطئ المحيط، يستنشق الهواء النقي، ويتأمل في ســرور حقـــل الأرز الممتـــد تحت قدميه، وقد قارب وقت الحصاد، بعد أن جفت العيدان وانحنت تحت حملها الوفير.
امتلأ قلب شانج بالرضا، فها هو الآن يمسح تعب الشهور الطويلة التي قضاها في رعاية الحقل، وها هو يقترب من تحقيق حلمه الكبير، بالزواج من حبيبته الصغيرة بعد أن يبيع محصوله الوفير.
غير أن شيئاً مباغتاً أفزع شانج، وأخرجه من أحلامه. فقد أحس ببوادر هزة أرضية ضعيفة، ونظر إلى شاطئ المحيط البعيد، فرأى الماء يتراجع إلى الوراء، فعرف من خبراته البيئية أن الكارثة على الأبواب! فالماء حين يتراجع إلى الوراء – إلى قلب المحيط، يكون مثل الوحش الذي يتراجع إلى الخلف ليستجمع كل قواه لكي ينقض على ضحيته بضراوة وعنف.
ولكن لماذا يخاف شانج، وهو فوق الهضبة؟ ولماذا يخشى على حقله وهو بعيد عن سطوة البحر؟!
كان خوف شانج يتمثل في إدراكه لحجم الكارثة التي ستتعرض لها القرية الصغيرة، الراقدة في سفح الجبل، والتي يسكنها فلاحون فقراء، ومزارعون بسطاء، لا يملكون من الحياة سوى أكواخهم المتواضعة، وأجسادهم الهزيلة المتهالكة!
لم يكن الوقت كافياً للنزول إلى السفح لتحذير الناس، فصاح من فوق الهضبة حتى كادت حنجرته تنفجر، فلم يسمعه أحد.
وبعد لحظات من الحيرة والقلق، اتخذ شانج قراره الحاسم، فأشعل النار في حقله الصغير، ليثير انتباه الفلاحين في الوادي الآمن عند السفح.
ونجحت حيلة الشاب الصيني، فقد تدافع الجميع صاعدين إلى أعلى الهضبة لإنقاذ الحقول، بينما هبط هو ليلاقيهم في منتصف الطريق، ليعيدهم لالتقاط أطفالهم ونسائهم وحاجاتهم القليلة.
ولم يتزوج شانج في تلك السنة، ولم يجد حاجاتـــه الضروريــة، ولم يسدد ديونه، ولم يشــتر فستــاناً لأختــــه الصغــــيرة، ولم يأخذ أمه العجوز إلى المدينة للعلاج والاستشفاء من آلام الروماتيزم! لكنه أنقذ حياة قرية كاملة. واستحق أن يصبح عمدة القرية ونائبها، فقد أثبت الشاب الفقير أنه قادر على حمل المسئولية.