بإمكان نوع من النمل أن يعالج نفسه بالتغذي على مادة سمية عندما يتعرض للفطريات القاتلة.
عندما تشعر النملة من هذا النوع باقتراب العدوى، تعالج نفسها بالكمية التي تحتاجها من الدواء. لكن الصيدلية التي تتوجه إليها ليست غرفة نظيفة وجيدة الإضاءة. فهي تتوجه إلى جيف الحيوانات، وإلى الرحيق، أو المن الذي تفرزه الحشرات.
ويعيش نمل فورميكا فوسكا في التراب أو تحت الأماكن المتعفنة أو الحجارة. في الجوار يتربص فطر قاتل. وبمجرد لمس جراثيم صغيرة من فطر “البفاريا باسينا ” للنمل، يبدأ في التغذي على مادة سمية لإنقاذ حياته.
هذه الجراثيم تقوم أولا بإفراز الإنزيمات التي تذوب في الغطاء الخارجي للنمل. ومن ثم ينقسم الفطر ويتغذى على إفرازات النمل حتى تصبح كرة ميتة وهشة من العفن مليئة بالجراثيم في انتظار أن تنفجر في غفلة من بقية النمل وتصيبه بالعدوى.
النمل المصاب يبدو عديم القوة، لكن الأمر ليس كذلك، طبقاً لدراسة حديثة قام بها نيك بوس من جامعة هيلسينكي بفنلندا.
فقد أظهرت التجارب المخبرية أنه بعد التعرض للفطر، يسعى النمل إلى أن يتغذى على الطعام الذي يحتوي مادة سامة تقتل إفرازات الفطر وتساعد النمل على النجاة.
ليس من المستغرب، كما يقول نيك بوس كاتب البحث، أن تشتم النملة دواءها، ويضيف: “يوجد في قرون استشعار النمل كميات كبيرة من المادة التي تمكن النمل من أن يشم عدداً كبيراً من المواد المختلفة، لذا ليس من المستغرب أن يشم النمل الطعام الذي يحتوي على الدواء.”
هذه القدرة على التداوي ذاتياً لوحظ وجودها أيضاً لدى مخلوقات أخرى من الطيور والنحل والزواحف. فالكائنات الحية تواجه العدوى بإفراز مواد سامة للقضاء على أعراض الأمراض المحتملة. وهذا بالضبط ما يقوم به النمل، مستخدماً مادة يطلق عليها أنواع الأكسجين التفاعلية أو “آر أو إس”.
هذه الجزيئات تحتوي على أكسجين قادر على مكافحة العدوى بقتل الجراثيم المسببة للمرض. وبينما تستطيع بعض المخلوقات إفراز هذه المادة ذاتياً، يقوم النمل باستخلاصها من الطعام الذي يأكله.
ولاكتشاف ذلك، قام “بوس” وزملاؤه بتقسيم النمل الى مجموعات، وعمدوا إلى تعريض بعضها لفطريات سامة. بعض النمل تمت تغذيته بطعام يحتوي على العسل بينما أطعم البعض الآخر بمكملات غذائية تحتوي على مادة “آر أو إس”.
هناك جانب سلبي هو أن هذه المادة ضارة أيضاً. فالنمل الذي لم يتعرض للعدوى والذي تم إطعامه بغذاء يحتوي على تلك المادة يرجح أنه سيموت. هذا أمر متوقع لأن “آر أو إس” مادة سمية وقد تكون قاتلة. رغم ذلك، لوحظ أن النمل الذي تعرض للفطر السام سجل نسبة بقاء على الحياة أعلى عندما تغذى على الطعام المشبع بتلك المادة.
في الحقيقة، لوحظ أن النمل المصاب بالفطر فضل مكملات الطعام المضاف اليها مادة “آر أو إس” عندما أعطي الخيار. كشف هذا النقاب عن أن النمل يسعى للتغذية على تلك المادة محتملة السمية كوسيلة للعلاج.
واكتشف الباحثون أن النمل يمكنه التنبؤ بالعدوى بعد تعرضه للفطر السام، وهو ما يعني أن النمل يعالج نفسه للوقاية من المرض.
ويبدي النمل ذكاء أكثر من ذلك. فهو يتناول كمية معقولة وغير مبالغ فيها من الدواء. وعندما أعطي للنمل خياران، لوحظ أنه يفضل جرعة أقل من مادة “آر أو إس”، وهو خيار ذكي نظراً لطبيعتها السامة.
يقول جاكوبس دي روود، من جامعة إيموري في أتلانتا: “هذا الوضع يشبه اختيارنا ومعرفتنا بالفرق بين البيرة منخفضة الكحول وتلك التي تحتوي على نسبة أكبر. نتائج البحث هذه تبدو مقنعة، لكن ما يقوم به النمل في الطبيعة مسألة أخرى”.
باحثة أخرى من السويد هي جاسيكا أبووت، تقول: “من المدهش أن النمل يستطيع معرفة نسبة تركيز فوق أكسيد الهيدروجين، ويتناول كمية متوسطة من المادة التي يحتويها. لكن ذلك يتفق مع ما نعرفه عن الحشرات. الحشرات على وعي كبير بتكوينها الداخلي”.
BBC