يسعد ذكاء الأطفال الآباء والأمهات بصورة كبيرة، ويسعون إلى تعليم الصغار مزيداً من مهارات الذكاء في مختلف المجالات، وكلما سمع الوالدان أن طفلهما يتميز عن باقي أقرانه بدرجات أكبر من الذكاء تزيد فرحتهما، وترتسم ابتسامة الأمل على وجوههما، وهما يتطلعان إلى المستقبل المشرق الذي ينتظر هذا الطفل، فمن المعروف أن الذكاء من الصفات التي ترفع من قدر الأشخاص وتميزهم عن الآخرين وتتباين نسب الذكاء من شخص إلى آخر، ولهذا التباين أسباب كثيرة وعوامل تتداخل مع بعضها ليخرج لنا في النهاية منتج الذكاء الذي يظهر على كل تحركات الطفل.
السؤال الذي حيّر الكثير من العلماء، هل الذكاء وراثي أم مكتسب؟، فبعض الأطفال الذين ينحدرون من أوساط فقيرة أو معدومة ويتم الاهتمام بهم يتفوقون في قدرات الذكاء على الكثير من الأغنياء وهنا إشارة بالغة إلى دور البيئة المحيطة في تهيئة الطفل وتنميته لكي تظهر صفة الذكاء، وهناك اتجاه آخر يقول، إن للوراثة دوراً كبيراً في نقل صفات الذكاء، شرط أن يتم تلميع ورعاية هذا الذكاء وتنميته باستمرار لدى الطفل الوارث لهذه الصفة، والذكاء أنواع كثيرة فليس من الضروري أن يكون الشخص مرتفع الذكاء في كل المهارات، ولكن يمكن أن يكون مميزاً بدرجة عالية للغاية في مجال ويفوق فيه كل أقرانه. وفي هذا الموضوع سوف نعرف هل الذكاء وراثي فقط أم مكتسب أم وراثي ومكتسب معاً.
دور البيئة
يعتمد الذكاء بنسبة كبيرة على عامل الوراثة، ولكن في حالة عدم تنمية الذكاء فإنه يختفي، لأن جميع القدرات الذهنية التي تشمل الذكاء تتطور أثناء تعاملات الحياة اليومية للشخص، فهناك ذكاء مكتسب بالاجتهاد والتحصيل العلمي والبحث والإرادة وهذا دليل على أن الذكاء ليس وراثياً فقط، ويظهر الذكاء أثناء تداول المعلومات وفي التحركات الواعية، والذكاء يجعل صاحبه أكثر قدرة على الفهم والاستيعاب الواسع، كما يتضح من خلال التصرفات والتحركات واستخدام المخزون العقلي، وهناك أشكال وأنواع كثيرة من الذكاء، منها ما يمثل مجموع الذكاء العقلي والوجداني والانفعالي والنفسي، ولا بد من الإشارة إلى أن الأطفال الأذكياء الذين ينشأون في بيئة محدودة من الناحية العقلية، والفقيرة مادياً والمفتقدة إلى الحياة الاجتماعية السوية والخلابة، غالباً ما تموت لديهم حواس الإبداع والابتكار ويصبحون جزءاً من هذه المجتمعات، والسبب أنهم لا يتعرضون إلى البرامج التعليمية والترفيهية المتكاملة والمتناغمة مع حالتهم العمرية، إضافة إلى ممارسة بعض سلوكيات العنف والقهر عليهم من المحيطين، سواء المدرس في الفصل أو الأب في المنزل أو الأخ الأكبر فيؤثر ذلك تأثيراً سلبياً كبيراً في ذكائهم ويقلل من إمكانيات الإبداع والابتكار ونمو الذكاء، بل ينخفض عندهم الذكاء بدرجة كبيرة، ولو تم توفير بيئة مناسبة لهم يمكن أن تعود قدرات الذكاء وتنمى بشكل جيد، ولذلك ينصح المختصون بأهمية برامج تنمية الذكاء التي تشمل تحسين الذاكرة وتعلّم المهارات الجديدة.
الوراثة الأكبر نسبة
تتعدد تعاريف الذكاء وتتنوع، ولكنها في النهاية تتمحور حول قدرة الشخص على الإبداع والفهم والابتكار والتفكير المجرد والتعلّم والتحصيل والملاحظة، والذكاء له بعض المقاييس العلمية الحديثة التي تحدد درجات الذكاء من شخص لآخر، ويعد الذكاء من الصفات التي تميز الأطفال عن بعضهم، ويمثل الذكاء الوراثي الجانب الأقوى إذا حصل على الرعاية والاهتمام المستمرين، فالذكاء الفطري ينم عن استعداد خلقي كبير للإبداع والتميز، وإذا وجد الطفل التشجيع اللازم والبيئة الأفضل يصل بذكائه إلى أبعد حدود للعقل ويعتبره البعض خارقاً للمعتاد، أما الذكاء المكتسب يتطلب من الشخص جانباً كبيراً من الاجتهاد والإرادة والعزيمة، حتى يحقق الشخص أهدافه، وفي هذه الحالة يمكن أن يعادل الذكاء الفطري أو يزيد عليه أيضاً وكم من أطفال نتعرف إلى الذكاء من خلالهم، وإذا لم يلاقوا الاهتمام من قبل الأهل وتنمية هذا الذكاء، فإنه يتلاشى شيئاً فشيئاً، وأحياناً يتم توظيفه في اتجاهات غير مفيدة للمجتمع وبعض الآباء يراقبون ذكاء أطفالهم ويوظفونه في المكان الصحيح، وآخرون لا يهتمون ولا يلاحظون تميز الطفل فيهملون ويضيع ذكاء الطفل بعد فترة من الإهمال.
التكامل بين النوعين
يكمل الذكاء المكتسب من البيئة الذكاء الوراثي فلا يمكن أن يستغني كل قسم عن الآخر والتكامل بين النوعين ضروري، فالنسبة الموروثة تتأثر بشكل كبير بالجزء المتعلق بالبيئة المحيطة، فالذكاء مثل النبات الذي يمثل الذكاء الموروث والماء الذي يمثل الذكاء المكتسب، والماء يروي النبات ليكبر ويترعرع، فإذا توقف الماء مات النبات بمعنى ذبل وانتهى وانطمس الذكاء، وتنمية الذكاء الفطري ليس شيئاً صعباً، فهناك الكثير من أساليب تنمية الذكاء، ومنها الدورات والبرامج التي توضح وتشرح طرق الارتقاء بقدرات الذكاء، ولا يمكن للمدرسة فقط أن تقوم بدور رعاية وتنمية الذكاء، فالأسرة يقع عليها دور كبير ولا بد أن تتكامل الأدوار لنجاح عملية تطوير الذكاء لدى الطفل، ولا بد من ملاحظة أين يكون ذكاء الطفل، فيمكن أن يكون في الرسم والإبداع والفن، أو في الحفظ والتحصيل وفي الجانب العلمي التجريدي، وهناك الذكاء الاجتماعي ويظهر في نجاح الأعمال والحياة عموماً ولا يتطلب قدراً من التعليم الدراسي، أو يكون الذكاء في معظم الجوانب، وهناك الذكاء الحقائقي والقدرة على استيعاب كل الحقائق، ويوجد الذكاء اللغوي والقدرة على إتقان عدد كبير من اللغات، والذكاء التحليلي واختزال المعلومات وتحويلها إلى معادلات رياضية، والذكاء العملي في الميكانيكا، والذكاء الفيزيائي مثل المهارة في الألعاب الرياضية، وذكاء التنبؤ والتفسير والاستنباط، وذكاء اجتذاب الآخرين والتواصل، وهناك الذكاء المركب الذي يشمل أكثر من نوع.
المكتسب الأكثر تأثيراً
يذهب فريق من المتخصصين إلى أن الذكاء المكتسب هو الأقوى والأكثر تأثيراً من الذكاء الوراثي أو الفطري، لأن كل الأطفال بلا استثناء يمكن أن يتعلّموا القراءة في سن مبكرة، وذلك بفضل توفير مجموعة من المحفزات التي تساعد على التعلم، ودماغ الطفل الذي يبلغ من العمر 6 سنوات يستطيع أن يكتسب 83% من وزن المخ في سن البلوغ، فهذا العمر يعد فترة ملائمة للتعلم، لأن الطفل يكون لديه استعداد قوي لتطوير ذكائه، والدليل أن الأطفال فائقي الذكاء لم يولدوا بهذا القدر من الذكاء، وإنما وصلوا إلى هذه الدرجة الكبيرة من الذكاء بسبب الطرق التعليمية التي تم توفيرها لهم والظروف المناسبة، بل ذهب هذا الفريق إلى أبعد من ذلك وأكدوا أن كل الأطفال يمكن أن يكونوا أذكياء، بشرط توفير كل الوسائل التعليمية التي تعمل على تنمية ذكائهم، والدليل الآخر أن هناك ما يقرب من 95% من قدرة العقل جاهزة في انتظار التطوير من أجل العمل والذكاء، حيث يستخدم الشخص الطبيعي ما يقرب من 5% فقط من إمكانيات وقدرات العقل فقط، ومقياس ذكاء الشخص العادي تصل 100 درجة والعبقري تصل 150 درجة، حتى العباقرة لا يستخدمون كل قدراتهم الذهنية الكبيرة، وبالتالي فإن الإنسان العادي متوسط الذكاء لا يستعمل إلا جزءاً صغيراً من الإمكانيات الذكائية الموجودة، وبين البعض أن الذكاء يمكن تنميته أيضاً عن طريق الوجبات الغذائية، والتي تلعب دوراً أساسياً في رفع مستويات الذكاء، ومن هذه الأطعمة التي تحتوي على الأحماض الدهنية الأساسية أوميجا 3 وأوميجا 6 والبروتين والدهون الذكية وكميات أقل من الفيتامينات والأملاح المعدنية.