ربما يكون العلماء قد حلوا لغزا استغرق عقودا طويلة من الزمن، وهو غموض المكان الذي دُفن فيه جسد “فيليب المقدوني”، والد الإسكندر المقدوني الأكبر.
فقد كشفت تحليلات جديدة لعظام وجدت في مقبرة مقدونية بمدينة فيرجينا اليونانية عن أنها تعود لهيكل عظمي به إصابة شديدة في الركبة، لدرجة يمكن أنها أدت وقتها إلى عرج ملحوظ أو ربما شلل لصاحبها، وهذه الإصابة تطابق ما ورد في بعض السجلات التاريخية عن فيليب الثاني المقدوني، الذي وسّع ابنه إسكندر الأكبر امبراطوريته العظمى حتى الهند.
ولا يزال الهيكل العظمي قيد البحث والدراسة، ومع ذلك، يعتقد بعض العلماء الخبراء في شئون اليونان القديمة ومقدونيا بعدم صحة الكشف، وفي حين أشاد بعضهم بالدراسة الجديدة، قال آخرون إنها لن تحل الجدل المستمر حول مكان مقبرة المقدوني الأب منذ أكثر من 40 عاما.
وقد نشرت الدراسة الجديدة في جريدة Proceedings of the National Academy of Sciences بتاريخ 20 يوليو/تموز 2015، وقال عنها “تيودور أنتيكاس”، الباحث في جامعة أرسطو في اليونان ومؤلف دراسة أخرى مثيرة للجدل حول العظام الموجودة في المقبرة، قال إن هذه الدراسة الجديدة غير صحيحة.
قصة الملك “فيليب الثاني” مرّت بالكثير من التقلبات والمنعطفات، ففي عام 336 قبل الميلاد، اغتيل الملك على يد أحد حراسه، وكانت الدوافع لاغتياله غير واضحة، وكتب بعض المؤرخين القدماء أن حادثة القتل كانت نتيجة عمل انتقامي.
وأيا كان السبب وراء القتل، فقد أثّرت الحادثة على عائلة الملك المقدونية، ففي غضون أيام من مقتله، قامت واحدة من زوجاته، وتدعى أوليمبياس (أم الإسكندر الأكبر) بقتل ابنة الملك المولودة حديثا من أحدث زوجاته كليوباترا، كما إنها أجبرت كليوباترا الأم بعدها على شنق نفسها.
وعندما اكتشف علماء الآثار مُجمع المقابر المقدونية بالقرب من مدينة فيرجينا اليونانية في سبعينيات القرن الماضي، كانوا يدركون أن هذه المقابر ملكية، لكنهم لم يعرفوا لمن من الملوك تنتمي هذه البقايا التي تم العثور عليها.
حيث عثر وقتها في هذا الموقع على 3 مقابر، الأولى نُهبت في العصور القديمة، لكنها ضمت رفات بشرية ولوحة على جدار المقبرة عن اغتصاب بيرسيفوني، أما المقبرة الثانية فكانت سليما، وكانت بداخلها عظام محروقة لرجل وامرأة، تحيط بهما دروع ومواد مترفة أخرى، أما المقبرة الثالثة فقد اعتقد قطاع واسع من العلماء أنها تنتمي لابن الإسكندر الاكبر.
وفي البداية، اعتقد العلماء بأن عظام المقبرة الثانية تنتمي للملك فيليب الثاني وكليوباترا. لكن النقاش لم يحتدم من وقتها، لأن الكثير من العلماء الآخرين اشتبهوا أن الهياكل لا تنتمي إلى فيليب الثاني وكليوباترا، ولكن إلى فيليب الثالث ويوريديس.
والآن، اتخذ العالم “انطونيس بارتسيوكاس” من جامعة ديموقريطس في تراقيا في اليونان، طريقا مختلفا، فبدلا من فحص العظام المحروقة في المقبرة الثانية، قام العالم وفريقه بفحص الهياكل العظمية في المقبرتين المجاورتين، لاستبعاد احتمالية أن تكون العظام تابعة للملك المقدوني “فيليب الثاني”.
ثم بالعودة إلى عظام المقبرة الثانية وجد الفريق أن أعمار العظام تطابق عصور السجلات التاريخية للملك فيليب الثاني وكليوباترا، لكن الدليل الدامغ بالنسبة للفريق كان الإصابة التي وجدت في الركبة على الهيكل العظمي بالمقبرة الثانية، ووفقا للسجلات التاريخية، فقد أصيب الملك “فيليب الثاني” في ساقه خلال معركة عام 345 قبل الميلاد، وظلت الإصابة ملازمة له لبقية حياته، كما عثر الفريق على وصف لإصابة فيليب الثاني في كتابات المؤرخ القديم “جوستين”.
بالرغم من ذلك شكك علماء آخرون في نتائج الدراسة، وقالوا إنه بعد حوالي 300 سنة من وفاة الملك فيليب المقدوني كتب المؤرخ ديديموس يقول إن جرح فيليب كان في الفخذ. وهذا قد ينفي صحة بحوث الدراسة الحالية من فريق بارتسيوكاس.
المصدر:RT