الرئيس الجديد لوكالة الفضاء الأوروبية لديه خطة طموحة، وهي بناء قرية فضائية على سطح القمر. الصحفي العلمي ريتشارد هولينغهام يكشف تفاصيل هذا المشروع.
مر أسبوع على عمل البروفيسور يوهان ديتريتش فورنر الجديد كمدير عام لوكالة الفضاء الأوروبية (إيسا). ويتولى فورنر مسؤولية ميزانية سنوية تبلغ 4.4 مليار يورو.
وهو الرئيس السابق لوكالة الفضاء الألمانية، ومسؤول عن كل شيء في الوكالة الأوروبية، مثل المرصد الأوروبي الجديد، والأقمار الصناعية الخاصة بالطقس، والاتصالات والملاحة، ورواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية، والمهمات الفضائية إلى المريخ، وعطارد، والمشترى، والمسبار الذي هبط على مذنب.
وعندما سألته عن نواياه بالنسبة لوكالة الفضاء الأوروبية، أتوقع رداً سياسيا معتادا فيما يتعلق بالمنافع الاقتصادية والاجتماعية للفضاء، أو ربما عن أهمية العلم في استكشاف الجوانب المجهولة عن الكون. ولكن فورنر فاجأني برؤيته لمستقبل من استكشافات طموحة و جريئة للفضاء.
وقد أخبرني فورنر أنه “ينبغي أن ننظر مستقبلاً إلى أبعد من مجرد محطة الفضاء الدولية. يتعين البحث في تطوير مركبة فضائية أصغر حجماً في مدار أرضي منخفض، تتخصص في أبحاث الجاذبية المجهرية. كما أقترح بناء قرية على أقصى طرف من القمر”.
قرية على سطح القمر
وهذه هي ذاتها الرؤية الجسورة التي دفعت بوكالة ناسا الأمريكية للفضاء من مجرد بداية مستقرة، وصولا إلى القمر في ستينيات القرن الماضي. لكنها اليوم مكبلة من جانب الساسة، إذ يبدو أن وكالة الفضاء الأمريكية تفتقر إلى الطموح.
وهنا يقول فورنر: “هذه القرية على سطح القمر لا تعني مجرد إقامة بعض المنازل وكنيسة، ومبنى للبلدية، بل ينبغي أن تعني وجود شركاء من جميع أنحاء العالم، يشاركون في مهمات آلية، وفي توفير رواد الفضاء، ودعم الأقمار الصناعية الخاصة بالاتصالات”.
وتابع فورنر أن هناك أسباب وجيهة للتوجه إلى القمر للبحث العلمي، فضلا عن استخدامه كحجر ارتكاز لمزيد من الاستكشافات للنظام الشمسي.
وقال: “الطرف البعيد من القمر مثير للاهتمام، حيث يمكن زرع مناظير تكشف جنبات الكون بعمق. يمكن إجراء بحوث قمرية علمية على سطح القمر، وهنا تبرز أهمية البعد العالمي. ويسعى العلماء الأمريكيون إلى الذهاب إلى المريخ، وأنا لا أستطيع تحديد إمكانية ذلك. يجب اختبار ما نريد القيام به على المريخ، على القمر أولا”.
طابعة ثلاثية الأبعاد
ويقترح فورنر استغلال الإمكانيات التكنولوجية التي تطورها ناسا لتشييد قاعدة على المريخ باستخدام طابعة عملاقة ثلاثية الأبعاد، بحيث تتم تجربتها على سطح القمر أولا. وتعد تجربة تعلم العيش على سطح عالم غريب أمرا صعبا، لكن هذا التحدي سيكون أيسر كثيراً إذا كانت تجربة هذه المجتمعات على بعد أربعة أيام فقط من الأرض، وليس ستة أشهر، خاصة في حالة الطواريء.
ويتصور فورنر أن تكون قريته القمرية مستوطنة متعددة الجنسيات، تضم رواد فضاء، وملاحي فضاء من روسيا، وربما رواد فضاء صينيين. وهذا من شأنه التوسع في العدد المحدود نسبياً من الدول المشاركة في محطة الفضاء الدولية.
ويقول فورنر: “لا بد من التعاون الدولي دون أي قيود مع جميع دول العالم. لدينا ما يكفي من المشاكل على كوكبنا، ويبدو أن القمر فرصة جيدة لتخطي ذلك”.
وتابع “عزل دولة ما ليس الطريقة الصحيحة، والأفضل هو إيجاد سبل للتعاون في الفضاء لتعزيز العلاقات بين البشر على الأرض.” ويمكن تفسير ذلك على أنه انتقاد لرفض الولايات المتحدة التعاون مع برنامج الفضاء الصيني.
كما قال: “إذا تخيلت أن كائنا فضائيا فكر في زيارة الأرض، ورأى ما نفعل، فلست متأكداً إن كان سيقدم على مثل هذه الزيارة”.
تزايد الاهتمام بالقمر
وفورنر لديه رد قوي على من ينتقدون الأموال التي تنفق على استكشاف الفضاء والأبحاث الفلكية.
ويقول: “أثبتت التجربة عدم وجود فاصل بين الاستكشاف والتطبيقات العملية. انظر إلى تأثير الاحتباس الحراري، الكل يعرفه ونحن نستخدم الأقمار الصناعية للتحقيق في الظاهرة، لكن هذا الأمر لم يُكتشف على الأرض، بل في مهمة استكشافية إلى كوكب الزهرة”.
وحتى الآن، ما زالت القرية القمرية مجرد فكرة. ولم تخصص أي دولة أو وكالة أية أموال أو تصور تفصيلي لها.
ومع ذلك، فهناك اهتمام متزايد بالعودة إلى القمر. وعندما طلبت ” بي بي سي فيوتشر” مؤخراً من عدد من الخبراء التكهن بوجهات استكشافات الفضاء في العقد القادم، وقع اختيارهم جميعاً على القمر.
صورة: يبدو أن ناسا قد أرجأت طموحاتها الخاصة بالذهاب إلى القمر، في الوقت الحالي على الأقل.
ويقول فورنر إنه يعلن فكرة القرية القمرية لفتح النقاش حول مستقبل أبحاث الفضاء، والاستكشافات، وتطبيقات تكنولوجيا الفضاء، ويضيف: “سأكون شديد السعادة لو طرح شخص آخر فكرة أفضل”.
ولأن فورنر واحد من أرفع وأقوى الشخصيات العالمية في مجال الفضاء، سيؤخذ اقتراحه على محمل الجد. لكن وكالة ناسا ما زالت غير محددة بعد بخصوص خطط إطلاق مركبة الفضاء الجديدة “أوريون”.
وتصادف أن المركبة مزودة بوحدة برامج خدمية من وكالة الفضاء الأوروبية. ويبدو أن القمر قد يكون مقصداً ملهما ومناسباً.
ويقول فورنر في الختام: “يكمن شيء ما في صفاتنا الوراثية أكبر من مجرد التطبيقات العملية، فنحن نحب الاستكشاف والريادة. هذه هي الطبيعة البشرية، وهذا ما يدفعنا إلى المستقبل”.
BBC