يبدو أن هناك أحد حيوانات الغوريلا على وشك أن يتعلم كيف يتحدث. الصحفية العلمية في بي بي سي، ميليسا هوغينبوم، تلقي الضوء على هذا الأمر.
تتمتع الغوريلا التي يطلق عليها أصحابها اسم “كوكو” بشهرة واسعة في عالم ذلك النوع من الحيوانات، على الأقل بالنسبة لبني البشر. وتشتهر الغوريلا كوكو بمهاراتها المذهلة في لغة الإشارة، والتي تعلمتها خلال أربعين عاما من العيش مع البشر.
بدأت تلك الغوريلا الأنثى، التي تنتمي لفصيلة غوريلا السهول الغربية، تدريبها عندما كانت تبلغ سنة واحدة من العمر. وإذا تسنى لك مطالعة عناوين الصحف آنذاك، فلاشك أنك ستجد المبررات الكافية لتعتقد أن هذه الغوريلا في طريقها لإتقان القدرة على التحدث مثل البشر.
وكتب أحد المواقع الإلكترونية البارزة أن “الغوريلا الأكثر شهرة تظهر علامات على التحدث كالبشر.” وكتبت إحدى الصحف تقول: “يبدو على تلك الغوريلا إشارات توحي بأنها قادرة على أن تتعلم النطق”.
لكن هل هذا صحيح، هل تظهر تلك الغوريلا التي تدعى كوكو أي قدرة على النطق فعلاً؟
الإجابة باختصار، كلا. الأمر الذي تستطيع كوكو القيام به حقا هو استخدام حبالها الصوتية لإصدار مجموعة متنوعة من الأصوات. على سبيل المثال: إذا طلب منها أن تسعل، فإنها تفعل ذلك.
لعلك تقول إن ذلك ليس بالأمر المثير كما لو كانت الغوريلا قادرة على التكلم. هذا صحيح، لكنه اكتشاف مهم يمكن إلى جانب عدد آخر من الدراسات أن يغير الفكرة التي نحملها عن كيفية تطور الكلام.
ولكي نفهم السبب، تحدثت مع الرجل الذي اكتشف هذه الملاحظات الجديدة على كوكو، وهو ماركوس بيرلمان، من جامعة ويسكنسن-ماديسون الأمريكية. تفحص بيرلمان صورا للغوريلا كوكو التقطت على مدى 71 ساعة، وبدأ يلاحظ “مجموعة من الأصوات المذهلة”.
كان بيرلمان يهدف إلى متابعة الإشارات التي تصدرها الغوريلا وليس قدراتها الصوتية، من هنا كانت دهشته مما اكتشف.
لقد كانت تقلد أصوات الكحة والسعال والعطس، وتصدر “أصواتا” للسخرية من الآخرين، وشوهدت وهي تتظاهر بالحديث عبر الهاتف. كل هذه الحركات تطلبت من الغوريلا أن تتحكم في قدرتها على التنفس وإخراج الأصوات. وقد نشرت هذه الملاحظات في مجلة “انيمال كوغنيشن” العلمية.
لقد كانت هناك فكرة سائدة مفادها أن جميع الرئيسيات مثل الشمبانزي والغوريلا لا تستطيع التحكم في الأصوات التي تصدر عنها، وقد ساد الاعتقاد أن الأصوات تصدر عنها بصورة تلقائية كاستجابة لمحفزات معينة. كما كان يعتقد أنه لا يمكن للقرود أن تتعلم أصواتاً جديدة.
يقول بيرلمان إنه هذا يفسر استبعاد فكرة أن “السلوك الصوتي المرن” مهم لكلام البشر. لكن في المقابل، ثبت أن الإيماءات أكثر أهمية من النطق، ونحن نعرف من زمن طويل أن القرود بإمكانها إصدار إيماءات مميزة وذات معنى.
ويضيف بيرلمان: “الفكرة كانت أنه ربما بعض إيماءاتها قد تطورت إلى لغة البشر، وربما كانت لغة أسلافنا الأوائل أشبه بالإيماءات”.
لكن الدراسة التي أجريت على كوكو بالإضافة إلى دراسات أخرى، استبعدت تلك الفكرة تماما.
فعلى سبيل المثال، توصلت أبحاث أخرى إلى أن الشمبانزي غيرت طريقة إصدار الصوت الذي تستخدمه للإشارة الى كلمة “آبل” الإنجليزية (تفاحة)، لتجعلها منسجمة مع تلك الأصوات التي يصدرها رفاقها الجدد من القرود. هذا يعني أن أصواتها ليس فقط تحمل مغزى معينا، ولكن أيضاً يمكن أن تتغير مع مرور الوقت.
إذا كانت تتمتع القرود بهذه القدرات الصوتية، إضافة إلى الإيماءات، فإن أصواتها المرنة يمكن أن تكون الإطار الذي بنيت من خلاله لغتنا عبر ملايين السنين. كل ذلك يشير إلى شيء واحد: حقيقة أن القرود بإمكانها استخدام أصواتها تعني أن أسلافنا فعلوا ذلك أيضاً.
وكأني بذلك اللغز يعود بنا إلى الوراء، لقد انقرض البشر الأوائل، لذا بإمكاننا فقط النظر إلى القرود لكي نستدل على الكيفية التي تمكن بها أجدادنا من تطوير قدراتهم اللغوية.
وعلينا أن نتذكر أن كوكو ترعرعت في ظروف فريدة من نوعها وكانت منغمسة في التعامل مع البشر منذ ولادتها. لذا، فإن سجل ما صدر عنها من إيماءات ذات معنى يعتبر كبيرا جداً.
ماذا يرى الباحثون الآخرون؟
جوزيف ديفلين من قسم علم النفس التجريبي في جامعة لندن ببريطانيا، يقوم بدراسة تطور اللغة. يقول ديفلين إنه من الطريف أن هناك حماس كبير بسبب الغوريلا التي تسعل، لكن لا غرابة في وجود مثل هذا الحماس، “حيث يوجد شيء طريف هنا”.
BBC