الزواج هو أطهر وأرقى علاقة يمكن أن تجمع بين رجل وامرأة، لكن أحيانا كثيرة ما تجمع هذه العلاقة بين طرفين ربما بعدت بينهما الأوطان والتقاليد والأعراف أو حتى البيئات وتقييم كل منهما للقيم وللمقدسات، فهل ينجح هذا الزواج ويدوم طويلا؟ ألا يصطدم يوما بكبوات وعراقيل يمكن أن تضع حدا له؟ ما مصير الأولاد في هذه الحالة؟ وهل معنى هذا أن نمتنع عن هذا النوع من الزواج؟ وهل سلبياته أكثر من إيجابياته أم العكس… ؟
كان لابد من أخذ بعض النماذج حتى تتضح الصورة أكثر وأكثر وحتى نستمتع بالسماع لأشياء غريبة في واقع أغرب.
السيد عبد الكبير مغربي ومقيم بفرنسا منذ ما يزيد عن العشرين سنة، كان يتحدث بمرارة عن زواجه السابق وكأنه يتمنى أن يزيل من ذاكرته ذكريات زواج كاد يعصف بحياته ويدمرها ويقلبها رأسا على عقب، وهكذا قال: “أول ما وصلت فرنسا كان ذلك منذ أكثر من عشرين سنة… أثناء دراستي بالجامعة تعرفت على فتاة فرنسية، أعجبت بها كثيرا وهي كذلك، كما أن فكرة الزواج من أوروبية كانت من ضمن متمنياتي ، وبالفعل تزوجنا، وأنجبنا طفلا، في البداية كنت أتغاضى على بعض الأمور التي كانت تزعجني، ككثرة سهرها مع أصدقائها، وإهمالها للطفل، وعدم الاعتناء بي كزوج، خصوصا أني من بيئة عربية مسلمة محافظة، ويعجبني كثيرا أن أعيش كما تعيش أسرتي في المغرب، حيث الاحترام وعدم تجاوز بعض الخطوط.
فكيفما كان الحال تظل المرأة في المغرب تحترم زوجها وتسعى لإرضائه، وإعطائه القيمة الخاصة به، الشيء التي افتقدته بصورة صارخة مع زوجتي، وصبرت وتحملت، لكن دمي العربي غلبني ولم أستطع أن أقاوم، ومرة عدت للبيت وكنت في حالة نفسية عصيبة وتمنيت لو كانت بجانبي حتى تواسيني وتخفف عني، لكني لم أجد سوى ورقة على طاولة الأكل مكتوب عليها ” ذهبت في رحلة رفقة أصدقائي ولن أعود قبل ثلاث أيام”، والأدهى من ذلك أنها عادت في حالة سكر شديدة متأبطة ذراع صديقها، لم أصبر على الموقف وصفعتها وهممت بأن أقتلها، لكني تراجعت وقررت أن أنفصل عنها، وأخذت إبني معي لأنها لم تكن أبدا أما له، ولم أفكر أبدا بأن أتزوج من فتاة أوروبية، بل عدت للمغرب وتزوجت من فتاة ، تفهم تقاليدي وأفهمها وتقدرني وتحترمني، وبالفعل وجدتها وأحمد الله كثيرا، حتى أن إبني لا يشعر ابدا انها زوجة أبيه بل أمه، وأنصح كل شاب ألا يتزوج إلا بفتاة من بلده ومن بيئته حتى لا يقع في مشاكل لا تحمد عقباها”.
لكن هناك من الحالات التي تفند هذا القول، وتعتبر أن الزواج يجبّ كل شيء ويجعل كل التقاليد والاعراف تنصهر وتتآلف في بوثقة واحدة، ويصبح الزوجان وكأنهما ولدا لحظة عقد قرانهما وإعلانهما زوجا وزوجة، وهكذا وجدنا السيدة، خديجة (إنجليزية)، وهذا اسمها بعد أن اعتنقت الإسلام وحجت بيت الله الحرام وتحجبت، تقول خديجة: “تزوجت قبل عشر سنوات برجل قدم لبريطانيا، من أصل فلسطيني، أحببته وتزوجنا ومرة ذهبنا في زيارة لأهله بالسعودية، وأعجبت كثيرا بالمكان وأحسست برهبة وأحاسيس غريبة وقررت أن أعرف كثيرا عن الإسلام، ثم اقتنعت كثيرا بالدين الإسلامي وأسلمت، وأنا سعيدة كثيرا في زواجي، لدي ثلاث أبناء، محمد وعمر وأبو بكر، وأشكر الله كثيرا لأنه وفقني للزواج من رجل رائع مثل زوجي، ولا أشعر انه ينقصني أي شيء، لأني أجد فيه الأب والأخ والصديق وكذلك العشيق.
أما عن تأثير الاختلافات البيئية والثقافية أو حتى التربوية على تربية الأولاد وتنشئتهم، تقول السيدة فاطمة مغربية ومتزوجة من مصري ويعيشان بأوروبا: “الأصل في الأشياء أن يكون التفاهم والود والمحبة تجمع بين الزوجين، وكل المشاكل يمكن الاحاطة بها والتغلب عليها وبلورتها في شكلها الصحيح، وتربية الأولاد وتنشئتهم تندرج ضمن كل هذا، شخصيا أهتم بتربية أبنائي وكذلك زوجي يتقاسم معي المسؤولية، ولم نجد أي صعوبة أو تعارض في ذلك”.
في الحقيقة لا يخلو زواج من مشاكل أو متاعب، حتى وإن كان من جنسيات متشابهة أو متقاربة، لكن يظل التفاهم والمحبة والود بين الزوجين من أهم المرتكزات والدعائم التي يقوم عليها هذا البناء، فكما قالت لي العديد من الزوجات اللواتي شاءت أقدارهن أن يتزوجن من رجال أجانب، إذا كانت الزوجة مقتنعة بزوجها وتحرص على حماية علاقتها به من أي فتور أو أي شيء يمكن أن يعكر صفوها فهي تتجاوز وتتنازل على كثير من الأشياء في سبيل تدعيم حياتها الأسرية، ونفس الشيء يمكن أن ينطبق على الزوج، أما إن كان الزواج لمصلحة خاصة أو لشهوة عابرة فغالبا ما يستفيق الزوجان على بركان من المشاكل والصعوبات التي لا تتوان في وضع نهاية وحد له..
وكمثال على ذلك السيدة عائشة، تزوجت من رجل أجنبي من أصل أوروبي، كان قد أتى في زيارة خاطفة لبلدها، والتقيا وأحبا بعضهما بسرعة، وبعد مدة قصيرة عاد واستكملا إجراءات الزواج، ولم تمر سوى شهور قلائل، حتى أحست عائشة بأنها ارتكبت خطآ لا يغتفر بزواجها من هذا الزوج الذي اكتشفت فيه الكثير من الأشياء التي لا ترضيها والتي تختلف كل الاختلاف مع معتقداتها ومع ما تربت عليه، وفي لحظة قررت الانفصال، لتعيش هناك بأرض الغربة وحيدة تكافح من أجل أن تعيش ويعيش إبنها، فضلت ذلك على أن تعود لوطنها خالية الوفاض تتبعها نظرات الجيران، فضلت أن تخفي أمر طلاقها لتعيش مرارة الغربة ومرارة الوحدة، و الجد والاعتماد على النفس والبحث عن طرق الكسب الحلال.
يبقى من أهم مقومات الزواج الناجح هو احترام المشاعر وتقديس العلاقة، وخلق وتحقيق التوافق النفسي والاجتماعي ومحاولة صهر وإذابة كل الفوارق والاختلافات لتحقيق التكافؤ الاجتماعي والتعليمي والنفسي، لأن الزواج مسؤولية تستوجب الاستقرار المادي والمعنوي والنفسي كأهم دعامة وركيزة ينبني عليها هذا البناء الذي إن صلح صلح المجتمع كله وان فسد انهار وتلاشي، ويظل من أهم أسباب فشل الزيجات من هذا النوع هو التباين الشديد في الثقافات والعادات والتقاليد، لأنه لابد أن يصطدم الأزواج يوما بعادات أو تقاليد لا يمكن أن يستوعبها أحد الطرفين وبذلك يكون ذلك بداية الشرارة التي تحرق الزواج وتدمره، ليستفيق الاثنان على واقع مرير وكابوس مروع ربما يعصف بحياتهما أو يغير مجراها. فبين هذا وذاك تظل العلاقة الزوجية تحمل ما تحمل من الأسرار وتحمل ما تحمل من الخصوصيات والمعاني أيضا.