تخيل أنك تحاول أن تستعيد توازنك بعد أن خسرت زواجك فجأة، أو ربما عملك الناجح جدا الذي أسسته من الصفر.
هذا ما حدث بالفعل للسيدة ميشيل موون، وهي صاحبة شركة شهيرة لبيع الملابس النسائية، عندما تخلى عنها زوجها وشريكها في ملكية الشركة متعددة الجنسيات التي تبلغ قيمتها 78 مليون دولار أمريكي.
لقد تركها زوجها تكافح من أجل بقاء الشركة التي أسستها هي منذ البداية، بعد أن حاول أن ينتزع السيطرة على تلك الشركة بعدما طور علاقة غرامية بينه وبين مديرة التصميم بالشركة.
وبعد طلاق علني، ونزاع قضائي في المحاكم، والذي سعت بعده موون للعثور على داعمين جدد لشراء حصة زوجها في الشركة، ظلت تكافح لفترة أخرى من أجل الحفاظ على تلك الشركة.
وبعد أن عينتها الحكومة البريطانية في أغسطس/آب الماضي للقيام بأعمال مراجعة واسعة حول كيفية تشجيع الشركات الناشئة في المناطق التي تعاني من نسبة بطالة عالية، واجهت صعوبات أخرى في طريقها للوصول إلى القمة.
تقول موون التي تصف تجربتها بأنها مثال للصمود والتحدي في مجال الأعمال: “لقد واجهت بعض الصعوبات الكبيرة في حياتي التي كنت سافقد فيها كل شيء بالفعل”.
وتضيف: “كان علي فقط أن أعمل بجد وأن أجد مخرجا. فإذا لم تستسلم فحتما ستجد طريقا، وهذا شعور كان يلازمني طوال حياتي المهنية.”
لكن كيف يمكن لنا نحن أن نتعلم من هذه التجربة المهمة دون أن نخوض صراعا هائلا مثل ذلك؟ وهل هذا ممكن؟
البناء من البداية
التعلم من الخبرة الحياتية يساعد في بناء الصمود، لكن يمكنك أن تطور تلك الشخصية دون مواجهة الإفلاس أو الفشل على سبيل المثال، كما يقول “ديريك ماوبراي”، رئيس مجموعة “ويلبينغ آند بيرفورمانس” للاستشارات في مجال القيادة.
إن مجرد تكوين الموقف الصحيح بداخلك هو الجزء الأكبر من أن تصبح صامدا، كما يقول. ويضيف: “الصمود هو موقف نحو تحدي الأحداث، وهو في الأساس اختيار أنت تصنعه.”
فعلى سبيل المثال، أنت ربما يكون لديك حضور الذهن المطلوب لتقديم عرض للعملاء دون لجلجة أو تردد إذا لم تكن غرفة الاجتماعات المفضلة لديك في الشركة متاحة، أو ربما تكون لديك المهارات اللازمة لمواصلة العرض حتى لو كنت قد نسيت بعض الأوراق المهمة في المنزل.
إن الاختبار الحقيقي للصمود يظهر عندما يقع شيء ما خارج الإطار المألوف، مثل اقتحام مجموعة غاضبة من حملة الأسهم لغرفة الاجتماعات وهم يحملون لافتات احتجاجية، أو مثل سقوط نائب رئيس الشركة إثر إصابته بمرض خطير خلال العرض.
يقول ماوبراي: “عندما يقع شيء ما خطير، علينا أن نتعلم أن نمتلك موقفا قويا للتعامل مع المشكلة التي أمامنا باستخدام ما لدينا من مهارات.” ففي الوقت الذي قد تساعدك فيه مهاراتك الشخصية على امتصاص غضب المحتجين، سيساعدك كذلك إيمانك القوي بأنك لن تنهار أو تفشل.
هذا الإيمان بالنفس هو أساس الموقف الصامد، كما يقول ماوبراي.
انظر إلى الأمام لا إلى الخلف
في كثير من الأحيان تكون هناك بعض الاختلافات الدقيقة – لكنها جوهرية أيضا- فيما يتعلق بالتأمل في الذات، والذي يميز بين الأشخاص الصامدين وبين غيرهم من الناس.
يقول أوليفر سكوبينز، وهو مختص في مجال تدريب المديرين التنفيذين في بلجيكا: “يرى الأشخاص غير الصامدين أن قصة حياتهم انتهت عندما يصلون إلى نقطة معينة؛ فربما فشلت تجارتهم، أو أصابهم مرض”.
ومثل هؤلاء الناس قد يستغرقون وقتا طويلا في التفكير في تلك الانتكاسة أو الحديث عنها، ويقول سكوبينز: “يميل الأشخاص الصامدون إلى التفكير بشكل إيجابي، فيقولون ‘ حسنا- هذه مشكلة، لكن الحياة ينبغي أن تستمر الآن’.”
إن القدرة على أن تظل إيجابيا ومسيطرا على الأمور خلال فترات التوتر والضغوط الكبيرة هي العامل الذي يميزك بالصمود. كما أنها تعد دليلا على بعض أكثر الأعمال التجارية نجاحا.
خذ على سبيل المثال المواطنة الأمريكية من أصل جاميكي أندريا جونسون، مؤسسة شركة “سيرا للتجارة”، وهي شركة تديرها عائلتها لبيع القهوة الجاميكية، وتبلغ مبيعاتها نحو 300 ألف دولار سنويا.
دخلت جونسون في مجال الأعمال التجارية الحرة بعدما فقدت وظيفتها في بيت الأزياء الشهير في نيويورك “جورجيو أرماني” في أعقاب الأزمة المالية عام 2008.
وتقول جونسون: “في وقت لاحق، أدركت أن تلك هي الضربة التي كنت أحتاج إليها (لتدفعني إلى الأمام)”.
كان تغيير المجال يمثل تحديا بالنسبة لجونسون، لكنها اضطرت إلى أن تصبح خبيرة في صناعة القهوة العالمية بشكل سريع. والآن تشهد مبيعات الشركة نوعا من الاستقرار، بل وتنوي الشركة أن تتوسع تجاه السوق الآسيوية مع وجود شركاء في كل من هونغ كونغ واليابان.
وتعتقد جونسون أنها تتمتع بطبيعة صامدة بشكل عام، وتُرجع ذلك جزئيا إلى الطريقة التي تتعامل بها مع العقبات التي تواجهها.
وتضيف: “أتمتع بعقل منطقي جدا، ويمكنني أن أفكك أي مشكلات أمامي، مثلما كنت مضطرة لتعلم كل ما يتعلق بصناعة القهوة من البداية، وحتى أدق التفاصيل.”
ضع أهدافا واضحة
يميل الأشخاص الذين يتمتعون بالصمود إلى أن يكون لديهم شعور بوجود هدف أمامهم. ويقول سكوبينز: “يجد الناس أنه من السهل أن تستعيد توازنك بعد التغلب على التحديات عندما تكون لديهم فكرة واضحة بشأن الفارق الذي يريدون أن يصنعوه في حياتهم المهنية.”
وهذا الشعور يمكنه أن يؤسس لديك روح الصمود وأن يحملك أيضا على التغلب على العقبات التي تواجهك.
كان رجل الأعمال الأسترالي ستيفان إيبوس يعلم أن لديه فكرة تجارية عظيمة، لكنه واجه الكثير من الصعاب عندما كان يبحث عن مستثمرين لشركته الناشئة في مجال توفير خدمات الحوسبة السحابية.
يقول إيبوس: “قضينا عاما في التواصل مع الناس الذين كانوا يقولون لنا ‘ما تريدونه أمر مستحيل من الناحية التقنية، ولن تنجحوا في ذلك أبدا- وما هذا الذي تؤسسون شركة ناشئة في أستراليا من أجله؟'”
لقد استغرق الأمر ثمانية أشهر من الاجتماعات قبل أن يعثر إيبوس على شخص آمن بتلك الفكرة وساعد في تأمين التمويل اللازم الذي سمح له بإنشاء شركة “مايسترانو” التي توفر خدمات الحوسبة السحابية للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم.
ولدى الشركة الآن، والتي لم يتجاوز عمرها سنتين، مكتبان في الولايات المتحدة، وتخطط لافتتاح آخر في العاصمة البريطانية لندن.
إن الصمود في الأساس يتعلق بقبول تبني المخاطر، بدلا من محاولة تجنبها، وفقا لما يقوله ماوبراي. فتعريض نفسك لتحديات جديدة وخبرات غير مألوفة يساعدك على بناء مهارة الصمود في وجه المصاعب.
بالإضافة إلى ذلك، يعد التعرف إلى الجانب المشرق من الفشل في صلب تطوير مهارة الصمود في مجال التجارة والأعمال.
يقول ماوبراي: “إذا نظر الناس إلى الفشل على أنه نجاح ينتظر أن يتحقق، فإن ذلك في الغالب هو ما يحدث.”
BBC