غذاء المستقبل : الأطعمة الوظيفية
قد يمكن تعريف كل أنواع الطعام بالوظيفية ، فهي في أي حال الوقود الذي نستخدمه للبقاء . ولكن الأطعمة الوظيفية الرائجة اليوم تعد بتحسين صحتنا بطرق متنوعة ومختلفة . فأين الادعاءات ؟ وما هي الحقائق التي تنسبها إليها هذه الصناعة الجديدة ؟
تخيل أنك تبدأ يومك بشرب كوب من عصير البرتقال المقوى بالكالسيوم للوقاية من مرض ترقق العظام ، وأن يتكون غذاؤك من سندويش مصنوع من الخبز المعزز ببروتين الصويا والجبنة المشتقة من نبات الستانول ( دهون مستخرجة من النبات ) من أجل تخفيض معدلات الكوليسترول في الدم ، في حين يتكون عشاؤك من حساء جاهز يحتوي على عشبة سان جون التي تساعد على محاربة الاكتئاب والانهيار العصبي .
قد تعتقد أن هذا النظام الغذائي ليس سوى رؤية علمية – خيالية لما ستكون عليه عاداتنا في العام 2020 . لكن معظم هذه المنتجات قد سبق وملأت رفوف محلات السوبر ماركت أو ستملأها قريباً جداً ، وليس علينا سوى الترحيب بعالم جديد هو عالم الأطعمة الوظيفية .
تحديد تعريف الأطعمة الوظيفية
ليس هناك من تحديد دقيق أو قانوني بعد لهذه الأطعمة ، فهي ليست عناصر غذائية ولا مكونات صيدلانية كما يحلو للبعض تسميتها أحياناً ، ولكن بحسب الطبيب وندي دويل من الجمعية البريطانية للغذاء ، فإنها تحدّد عادة بأنها ” أطعمة مصممة لتقديم فائدة صحية معينة تتعدى المكونات الغذائية التقليدية التي تحتويها ” .
بعبارة اخرى ، إن الطعام الوظيفي هو ذلك الذي أضيفت إليه عناصر أو مركبات تعد بمفعول خاص في مجال معين من الصحة أو الأداء ، مثل تعزيز الجهاز المناعي على سبيل المثال أو تحسين التوازن بين ” البكتيريا الصديقة ” و ” السيئة ” في الأمعاء .
ومع ذلك لا يمكن القول إن الأطعمة الوظيفية تشكل إنجازاً حديثاً جداً , فشركات تصنيع الغذاء بدأت منذ عدة سنوات بإضافة مكونات غذائية على الأطعمة ، واضعة شعار ” أن منتجاتها مقواة بفيتامينات إضافية ومعادن ” . إذاً ما هو الفرق بين الطعام المقوى والطعام الوظيفي ؟
وفقاً لخبيرة التغذية في مؤسسة التغذية البريطانية كلير ماكفيلي ، فإن الطعام الوظيفي يتجاوز المقوى منه بخطوة واحدة . ” فالتقوية تدل على إضافة عنصر غذائي أو اكثر من دون الأخذ في الاعتبار إن كان هذا العنصر يتواجد بشكل طبيعي في هذا الطعام ، وذلك بغاية محددة وهي تصحيح نقص ما أو الوقاية منه . في حين تقدم المكونات الإضافية في الطعام الوظيفي فوائد صحية تتخطى وتفوق معالجة حالة الوقاية من النقص . وعوضاً عن أن تكون فيتامينات أو معادن فهي تميل لتكون دهون نباتات أو بكتيريا .
وهذا يعني على سبيل المثال أن الحبوب التي تحتوي على فيتامينات ومعادن إضافية توصف بالمقواة أو ” المعززة ” ، في حين تحدّد الحبوب التي أضيف إليها بروتين الصويا مثل الحبوب من ماركة Raspherryand Almand Crunel بأنها من الأطعمة الوظيفية .
اليابان في الطليعة
بدأت موضة الأطعمة الوظيفية في الثمانينات ، وكانت اليابان الرائدة في هذا المجال عندما بدأت بالبحث عن وسيلة لسدّ النقص في الألياف في الطعام الياباني التقليدي ، مما دفع العلماء اليابانيين إلى تطوير شراب معزز بالألياف .
واليوم ، بعد مرور عقدين على هذه المبادرة ، أصبحت هذه الصناعة توازي المليارات . ولكن بينما يستمر سوق الطعام الوظيفي في اليابان بالازدهار ، حيث بلغت قيمته 1و4 مليارات جنيه استرليني ، نرى أنه لا يزال يشكل نسبة مئوية ضئيلة جداً من مجمل سوق الغذاء في بريطانيا ، حيث لم يساو أكثر من 3,7 ملايين جنيه في العام 1999 ، وذلك بحسب تقرير لجمعية ليثرهاد Letherhead البريطانية للأبحاث الغذائية . ولكن هذا التقرير لا يتوقع أن يستمر الوضع على حاله ، ويتنبأ له بنمو مطرد ومستمر في السنوات العشر المقبلة .
خرافة أم واقع
من السهل أن نلاحظ جاذبية الأطعمة التي تدعي تقديم وسيلة فعالة وسهلة وسريعة لتحسين صحتنا ، ولكن السؤال المنطقي يبقى : هل إن الأطعمة الوظيفية تقدم حقاً الحل المنشود لنظام غذائي أكثر صحة ؟ ليس هذا ما يراه الخبراء .
وفي هذا الصدد يوضح الناطق باسم لجنة الغذاء البرلمانية البريطانية يان توكلوف ، أن ما نشهده باستمرار هو أن شركات الطعام تضيف الفيتامينات والمعادن والمركبات الوظيفية إلى أطعمة ليست أصلاً صحيحة في الدرجة الأولى ، وهي أطعمة أزيلت منها معظم مكوناتها الغذائية الجيدة خلال المعالجة والتصنيع . لذلك فإنه على الرغم من أن تناول وجبة مقواة بمركبات وظيفية ، قد يجعل الشركات المصنعة تشعر بذنب أقل ، إلا أنه لن يجعل طعامنا أكثر صحة . ويقترح هذا العالم كبديل عن هذا المسار أن يعتمد الناس على نظام غذائي صحي ومتوازن لأنه أفضل صحياً على المدى الطويل .
ويوافق الدكتور وندي دويل على هذا القول مضيفاً أن الأطعمة الوظيفية تقدم بالفعل فوائد صحية ، لكنها ليست أبداً بديلاً عن الحمية الصحية وأسلوب الحياة السليم ، لأنه بالنسبة لأمراض مثل انسداد الأوردة وإصابات القلب فإن الغذاء لا يشكل سوى جزءاً من مجموعة عوامل مترابطة .
وهكذا ، قد تبدو هذه الأطعمة جذابة لكنها لن تنجح وحدها ، لأن كل من يودّ الحفاظ على صحته يحتاج إلى اعتماد غذاء متوازن وإلى فقدان بعض الوزن إن كان ذلك ضرورياً ، بالإضافة طبعاً إلى الرياضة . وقد باتت جميع هذه النصائح معروفة لكثرة تكرارها ، وقد لا يعذر من ينذر .