من محاسن مواقع التواصل الاجتماعي أنها منحت فرصا واسعة لأصحاب المواهب كي ينشروا إبداعاتهم على أوسع نطاق وأن يتحولوا بصورة ما إلى نجوم.
وتحظى، ضمن الكم هائل من مختلف الكتابات والتعليقات التي تدرج في كل لحظة على صفحات هذا الفضاء الافتراضي اللامتناهي، فنون السخرية المختلفة بمكانة خاصة لجأ إليها البعض للتعبير عن واقع الحال الذي تغرق فيه عدة مجتمعات ولا تجد وسيلة أفضل من السخرية لتبوح بما لا يطيقه أي نثر جاد.
ونعرض هنا، نصا ساخرا لناشط ليبي، أبدع في مثل هذا النوع من التعبير الذي ينقل المواجع والمرارات بطريقة تنتزع الابتسامات من القارئ. ابتسامات خفيفة ربما، لكنها تتحول إلى ضحكات رنانة كلما اشتدت المفارقات قتامة وسريالية.
دعه يموت من الغيظ!
إذا قدر لك التسكع على سطح القمر، واخترت صخرة متوسطة الحجم ثم جلست عليها في ليلة صيفية في الجانب المضيء من القمر ومواجها لكرتنا الأرضية…
إذا قدر لك ذلك، فستظهر في الفضاء كرة مضيئة يميل لونها إلى اللون الأزرق، وستبدو لك من بعيد وكأنها كرة ضخمة من اللازورد تزين السماء، وتبدو أمامها بقية الأجرام السماوية وكأنها اقزام قبيحة بجانب أمير وسيم….
هذه الكرة التي تراها، هي كرتنا الأرضية.. وهذا اللون المنبعث منها هو الضوء الذي ترانا به الملائكة عند اقترابها من مجموعتنا الشمسية…
أما إذا فكرت بأن تنهض من فوق صخرتك القمرية، وقررت أن تتسلق جبلا قريبا منك حاملا معك تليسكوبا حديثا ومحاولا تحديد بعض المواقع التي تهمك على سطح تلك الكرة، فأغلب الظن أنك ستنجح في تحديد أي نقطة تختارها، وستظهر لك من خلال التلسكوب مضيئة ومشرقة كعروس في ليلة زفافها…
واذا صودف ورافقك في تسكعك على سطح القمر مواطن أمريكي خطر له هو الآخر أن يراقب مثلك بتلسكوب حديث أيضا تلك الكرة اللازوردية المعلقة في السماء، فلابد وأنه سيصيح جذلا عندما يرى انعكاس دولته على التليسكوب قائلا : ماي فريند، أنظر إلى تلك البقعة الأكثر اشراقا من البقية… تلك البقعة هي موطني…تلك البقعة هي أمريكا..
حينها ، أرجوك صفق معه…وافرح معه…
واصرخ معه..هيييه .. كم هو مشرق نور بلادكم ماي فريند…
وقبل أن يسألك عما إذا وجدت موقع دولتك بالتلسكوب وقبل أن يبدأ محاولة فضائية فظة لإحراجك غير الموضوع سريعا، وتحدث معه عن جدوى استثمار القمر كمنتجع سياحي للأمريكيين، واعتذر له عن عدم قدرتك شراء أسهم في هذا المشروع العظيم…
أما اذا أصر على رؤية بقعتك الأرضية التي يعكسها التليسكوب رافضا إنفاق نقوده على سطح القمر.
فقل له أي شيء… قل له إن أنوار وطني تقبع داخل قلوب المواطنين ولا يمكن للتلسكوبات أن تعكسها قط…
قل له ولو كذبا كلاما جيدا عنا…حدثه عن نور إيماننا الذي لا يُرى إلا من السماء السابعة… حدثه عن عدم حاجتنا للكهرباء التي لا يمكن لها أن تقارع النور المنبعث من وجوهنا بفعل التقوى…
اكذب عليه.. فالكذب على سطح القمر يجوز شرعيا وقانونيا وحتى أخلاقيا..
أما إذا أصر رفيقك في الفضاء على تحديد موقع وطنك عنوة فأعطه التليسكوب…
أعطه له بيدك اليمنى.. قل له أن يفتش عن أوروبا، وقل له حين يبهره نورها أن عليه أن يُميل التليسكوب قليلا ناحية الجنوب …
لا لا..لا تتسرع بتوجيه التلسكوب ناحية مصر ولا ناحية تونس… بل قل له أن يتوقف في منتصف المسافة بينهما تماما… قل له إنه حين يتوقف التلسكوب تماما عن العمل فتلك هي بلادي..
قل له إن التليسكوبات لا تعكس سوى الأنوار…أما في المناطق المظلمة فإنها تتوقف عن العمل دائما إما بفعل العجاج وإما بفعل الانقطاع المستمر للكهرباء وأما بفعلهما معا..
قل له إنه قد تفاجئه بعض الأضواء الخافتة المميزة.. أخبره بألا يقلق منها، فتلك الأضواء الخاطفة التي يراها كل سكان الكواكب البعيدة، ليست سوى زخات مضيئة من الرصاص، إضافة إلى بعض الصواريخ المنفجرة على أرض دولتنا المشرقة لأجل بث روح البهجة في نفوس المواطنين وبالمرة لنقتل من القهر أي مراقب لنا في السماء.
أقهره.. دعه يموت من الغيظ…
يوسف بوليفة