تثير عبارات الأغذية المسرطنة أو الأغذية السامة والتحقيقات المبالغ فيها -التي تطلقها بعض الصحف ووسائل الإعلام حول سلامة مضافات الأغذية- الكثير من الشكوك لدى المستهلك في الوقت الذي يشتد الصراع بين صناعة الكيماويات والصناعة الغذائية من جهة وبين الجهات التشريعية والمستهلك من جهة أخرى، فقد تتعرض المادة الكيماوية للاختبارات عدة مرات دون نتائج ضارة، ولكن قد يُظهر استخدامها لفترة أطول من مدة الاختبار أنها ضارة فيتم سحبها من الأسواق بأمر من الجهات الرسمية حفاظاً على صحة المستهلك.
لقد أوردت الأبحاث العلمية نتائج متضاربة عن علاقة مضافات الأغذية بالعديد من الأمراض مثل الحساسية وسوء الهضم والإسهال والصداع النصفي والهياج العصبي عند الأطفال وآلام الجهاز الهضمي والسمنة ومرض القلب والذبحة الصدرية والسكتة القلبية وبعض أنواع السرطان وتشوهات الأجنة، وأصبح بعض المواد المضافة تحت مجهر الباحثين، غير أن معظم العلماء والباحثين يرجع مبدأ الجرعة المتناولة وعلاقتها بالفئات الحساسة في المجتمع مثل الأطفال لأنهم أكثر من يستخدم الأغذية المحتوية على هذه المواد وخصوصاً الألوان، ولكن العلماء في الوقت نفسه لا يعطون ضماناً ولا يؤكدون السلامة الكلية بل على العكس يثيرون المخاوف ويدعون إلى مبدأ التقنين في الاستخدام.موقع طرطوس
يقول البروفيسور سير ريتشارد دول من المعهد البريطاني لأبحاث السرطان ومسبباته في إحدى أوراقه العلمية: «لا يمكن لأي شخص مهما أوتي من مقدرات علمية وعقلية ومعدات مختبرية أن يجزم أن المواد التي تضاف إلى الأنواع المختلفة من الأطعمة والمشروبات ليس لها آثار سلبية على الصحة».
ومن المعروف أنه يتم التصريح باستخدام مضافات الأغذية وفق ضوابط محددة -سنأتي على ذكرها لاحقاً، وهي تحدد معدل الاستخدام المسموح به لكل مادة وفقاً لدرجة السمية، لكن موقف المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) يتمثل دائماً في إصدار التحذيرات المتكررة بالحد من استخدام المضافات الكيماوية في الأغذية والتشديد على عمليات التفتيش والمراقبة وتدريب الكوادر المؤهلة في المختبرات وذلك من عدة منطلقات:
– أن عدد المضافات الكيماوية المستخدمة كبير جداً وبالتالي لا يمكن استبعاد التجاوزات والممارسات الخاطئة، وقد يصعب الكشف عن كل مادة مضافة وعن معدلها في كل نوع من الغذاء.موقع طرطوس
– أن المركبات الكيماوية التي تصل الغذاء ليس فقط تلك التي يضيفها الإنسان عمداً، ولكن هناك مصادر متعددة لتلك المركبات سواء من عمليات التصنيع المختلفة، أو من التلوث الكيميائي بالعناصر الثقيلة، أو ما تفرزه الميكروبات من سموم أو من استخدام المبيدات الحشرية، أو حتى من العبوات المستخدمة في تغليف الأغذية.
– أن الاختبارات المختلفة على المادة المضافة سواء تلك المتعلقة باختبارات السمية (الحاد، تحت الحاد، المزمن) أو حدوث سرطان في طفرات أو تشوهات في الأجنة أو تغيير وراثي في الأنسجة أو أي اختبارات إكلينيكية أخرى والتي تحدد سلامة المادة المستخدمة يتم إجراؤها على حيوانات التجارب على اعتبار أنه ليس من السهل تطبيقها على الإنسان، ومع ذلك فهي تزود بمعلومات قيمة تفيد في إصدار الحكم على سلامة المادة المستخدمة أو تحرّم مادة أخرى تساعد بشكل مباشر أو غير مباشر على إحداث الضرر.موقع طرطوس
ونظراً للشكوك المتزايدة منذ أمد طويل حول علاقة المواد المضافة للأغذية بصحة الإنسان وسلامته، ولأهمية وضع قيود صارمة للحد من المخالفات، فقد وضعت لجنة مشتركة من منظمتي الأغذية والزراعة (FAO) والصحة العالمية (WHO) تعريفاً للمضافات الكيماوية بأنها (تلك المواد غير التغذوية التي تضاف عمداً وبكميات محددة، لغرض تحسين الخواص الحسية مثل اللون والطعم والرائحة والمظهر، وتحسين قابلية الحفظ والخزن، وبالتالي المحافظة على القيمة الغذائية لأطول فترة ممكنة).
وينظر إلى هذا التعريف بأنه غير مكتمل فهو لا يشمل المضافات التغذوية مثل الفيتامينات والمعادن وغيرها من المدعمات، كما أنه لا يشمل تلك المواد الكيماوية التي تجد طريقها عرضاً إلى الغذاء مثل المبيدات الحشرية والفطرية إضافة إلى تلك التي مصدرها مواد التغليف أو الآلات المستخدمة في التصنيع.
أنواع المضافات الكيماوية المسموح باستخدامها:
– مواد معترف بسلامتها (المجموعة الآمنة) ويرمز لها بالرمز (GRAS) وهي المواد المستخدمة قبل عام 1958م ومعفاة من البحث والتدقيق رغم أن بعضها مضافات كيماوية؛ لأنه كان يقال إن تاريخ استخدامها الطويل لم يشر إلى تأثيرات سلبية على الصحة، ورغم ذلك فقد استطاعت الأبحاث العلمية إقصاء استخدام بعض المحليات الاصطناعية مثل السكارين والسايكلاميت نظراً لعلاقتها بسرطان المثانة في حيوانات التجارب مما دفع الجهات التشريعية إلى تحريم استخدامها وإخراجها من هذه المجموعة الآمنة.موقع طرطوس
– مواد صرحت الجهات التشريعية باستخدامها بعد عام 1958م بعد تقديم الجهة المصنعة دليلاً علمياً واضحاً يثبت سلامة المادة المستخدمة وأنها مستوفية للضوابط المفروضة على المضافات الكيماوية.
يشير هنا إلى أنه ليست الأغذية المصنعة وحدها المحتوية على المضافات، فبعض الأغذية الطازجة تم معالجتها بطريقة أو بأخرى بمضافات الأغذية لتحافظ على جودتها وخواصها الحسية أثناء الحصاد والنقل والتخزين. هذا ويمكن حصر فوائد المضافات الكيماوية فيما يلي:
– إطالة فترة صلاحية المادة الغذائية سواء المصنعة أو الطازجة مع المحافظة على الجودة الغذائية، التقليل من التسمم الغذائي، تحسين الخواص الحسية مثل اللون والطعم والرائحة، رفع القيمة الغذائية (التدعيم بالفيتامينات والمعادن)، فوائد أخرى متعلقة بالعمليات التصنيعية كمواد مساعدة في عملية التصنيع). موقع طرطوس
غير أنه لم تتوفر إحصاءات دقيقة عن كمية الاستهلاك من المضافات الغذائية، ونظراً لتعدد أنواع هذه المضافات فإنه ليس بالإمكان التطرق لكل منها بالتفصيل، وسيتم استعراض بعض هذه المجموعات الأكثر أهمية.
المواد الحافظة: وتشمل كثيراً من المركبات التي تضاف لأنواع الأطعمة المختلفة لمنع وإبطاء الفساد الغذائي الذي تسببه الكائنات الحية أو عوامل الفساد الأخرى. وكما هو معروف فإن الأطعمة الجيدة ذات القيمة الغذائية العالية مثل اللحوم والأسماك والألبان والبيض ومنتجاتها سريعة الفساد أو حساسة، وتصير مضرة لمن يستخدمها في حالة فسادها فهي معرضة للإصابة الميكروبية مثل السالمونيلا وميكروبات التسمم الغذائي وهو أخطر من الأول؛ لأن الإصابة به تؤدي إلى إسهال حاد وقيء متواصل، وقد يفقد المريض حياته بشكل طارئ إذا لم يتم علاجه. وهذه من الحالات التي تساهم فيها المواد الحافظة مساهمة كبيرة في حفظ الغذاء من التلف وخصوصاً في ظل عدم توفر طرائق الحفظ الأخرى مثل التبريد أو التجميد أو التجفيف، وعدم توفر وسائل النقل الكافية والمناسبة من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك.
المنكهات: يقصد بها تلك المواد الكيماوية التي تغير نكهة الطعام وعددها لا يقل عن الثلاثة آلاف مادة منكهة، وتعتبر شديدة المفعول لدرجة أن أقل كمية منها تؤدي التأثير المطلوب بصورة كبيرة. الهدف من استخدامها التعويض عن النكهة المفقودة أثناء عمليات التصنيع المختلفة التي تستخدم المعاملات الحرارية أو تعزيز نكهة معينة أو خلق نكهة مناسبة. موقع طرطوس
ويلجأ عادة إلى النكهات الاصطناعية لأن النكهات الطبيعية غير متوفرة دائماً بالكمية والنوعية المطلوبة، كما أنها مكلفة في الإنتاج. المحليات الاصطناعية اكتسبت مواد التحلية الاصطناعية شهرة عظيمة سواء لدى مرضى السكر أو عند الراغبين والراغبات في إنقاص أوزانهم من خلال الحد من استهلاك السعرات الحرارية.
ومن أهم المحليات الاصطناعية البديلة للسكر الطبيعي السكرين (الساكرين) الذي استخدم منذ عام 1879م، وقد تصل حلاوته قدر حلاوة السكر الطبيعي (السكروز) مئات المرات. استمر الجدل حول سلامة السكرين وخصوصاً الشوائب الموجودة به إلى أن أصدرت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية بياناً قالت فيه إن السكرين يسبب سرطان المثانة للفئران وحرم استخدامه بالفعل عام 1997م.موقع طرطوس
وفيما بين عامي 1930 و1969م تم اكتشاف مجموعة من المحليات هي سيكلاميت (السكلامات) وبدأت تأخذ موقع السكر في المشروبات والمأكولات وغيرها، وأجيز استخدامها سنة 1950م، ولكن بعد فترة ظهرت في الأفق شكوى تتعلق بسلامة السيكلاميت أدت إلى منع تسويقه ببريطانيا وأمريكا وبعض دول أوروبا، وسحبت الموافقة على استخدامه عام 1969م، ولكن فيما بعد ظهرت تحريات سرية تؤكد أن شركات صناعة السكر قد اتبعت طرقاً ملتوية وغير نزيهة أدت إلى تحريم استخدام السيكلاميت وعودة المستهلكين إلى استخدام السكر. النوع الثالث من بدائل السكر هو الإسبراتيم أو «نوتراسويت» (Neutrasweet) الذي اكتشف سنة 1969م، وهو عبارة عن خلط من نوعين من الأحماض الأمينية العادية والموجودة في طعامنا العادي، وهما حامض الأسبارتيك وحامض الفينايل النين وبدأ استعماله بكثرة، وكما قيل عند صناعته أن لا ضرر على الشخص العادي من استخدامه، ولكن أظهرت الأبحاث في الآونة الأخيرة بعضاً من مشكلات استخدامه.
الملونات: تستخدم الملونات الاصطناعية في الأغذية منذ مدة طويلة لجذب نظر المستهلك وإقباله على شراء المنتج الغذائي. وكما هو معروف فإن اللون الطبيعي الموجود في الطعام يفقد طبيعته ويتحول إلى لون آخر، فالألوان الطبيعية في الأغذية غير ثابتة، فهي تتأثر بالضوء والحرارة وطول فترة التخزين على عكس الألوان الاصطناعية التي تتميز بأن ألوانها قوية متجانسة وثابتة وتكاليفها أقل مقارنة بالألوان الطبيعية.
لذا استفادت شركات الأطعمة من هذه الألوان فأدخلتها في صناعة كثير من المشروبات والعصائر والصلصات وغيرها.
مضافات للتغذية: تضاف المغذيات لرفع القيمة الغذائية وقد تأخذ عدة اعتبارات:
– استعادة مغذيات فقدت في التصنيع وكانت موجودة أصلاً بكمية كافية قبل التصنيع، ومثال ذلك الفيتامينات والمعادن .
– الحديد: إضافة مغذيات إلى غذاء يفتقر أصلاً إليها في حالته الطبيعية، ومثال ذلك إضافة اليود في ملح الطعام.
– تقيس المغذيات للمحافظة عليها بمستوى ثابت خلال جميع الدفعات المصنعة مثل إضافة فيتامين ج إلى العصائر.موقع طرطوس
– إثراء المنتج الغذائي بمعدلات إضافية من المغذيات. هذه الفيتامينات والمعادن تضاف بكمية محددة وقد تكون بسيطة، ولكن تجد أن اسمها بارز حتى يشجع المستهلك على الشراء. ومنها فيتامين ج، النياسين، فيتامين أ، فيتامين ب12، فيتامين د، التوكوفيرولات (فيتامين هـ)، الثيامين، فيتامين ب2، ومن المعادن أوكسيد وكربونات وفوسفات وسلفات الكالسيوم، أيوديد البوتاسيوم وسلفات الحديدوز وغيرها، وقد تضاف بعض الأحماض الأمينية مثل اللايسين. المواد المساعدة:
تضاف هذه المواد خلال العمليات التصنيعية المختلفة للغذاء وأثناء التعبئة والتغليف. ومن أهمها مانعات الرغوة، ومانعات الالتصاق ومانعات الطشاش وغيرها، وهناك مواد تمنع المواد الأخرى أن تكون في شكل كتل صغيرة، وهناك مواد تضاف حتى يسهل سريان المواد الغذائية عبر خطوط التصنيع في المصنع أو المنشأة الغذائية. وتشترط الجهات التشريعية إجراء الاختبارات اللازمة لإثبات السلامة في مختبرات فحص السموم ولمدة سنتين على الأقل، وعلى نوعين مختلفين من حيوانات التجارب.
وتشمل الاختبارات الجوانب الإكلينيكية والصحية والتسبب في حدوث سرطان أو حدوث طفرات أو تشوه الأجنة، وعندما تجاز المادة الكيماوية المصرح باستخدامها، يرافقها معلومات كافية عن الأنواع المتوفرة تجارياً منها، وخواصها الطبيعية، وجوانبها الصحية والقوانين الغذائية التي تحكمها، ومجالات استخدامها في أنواع معينة من الغذاء دون الأخرى. إن من يتحمل مسؤولية وتكاليف سلامة المادة المضافة هي صناعة الكيماويات المخصصة للاستعمال الغذائي، وهي بذلك تبذل الكثير من المال والجهد والوقت الذي قد يمتد إلى سنوات طويلة، ومتى ما تحقق له الموافقة على تصنيع مادة ما أصبحت من حقها الاحتفاظ وحدها بتصنيع تلك المادة.موقع طرطوس
وتشترط القوانين الغذائية كتابة جميع المكونات الداخلة في تصنيع الغذاء بما فيها مضافات الأغذية، ويعرف ذلك بالبطاقة الغذائية التي تكتب واضحة على العبوة من الخارج باللغة المفهومة للبلد بجانب اللغة الإنجليزية، إن كانت مستوردة وذلك بهدف تزويد المستهلك بحقيقة محتويات الغذاء من مركبات لا يرغب في استهلاكها وتحقيقاً لمدى التزام الشركات الصانعة بالتشريعات والقوانين الغذائية المطبقة.موقع طرطوس
البدائل: تختلف الأغذية المصنعة في مدى حاجتها إلى المضافات الكيماوية، فهناك حالات لا يمكن الاستغناء عن هذه المواد وحالات أخرى ينبغي استبعادها والبحث عن بدائل مناسبة لحفظ الأغذية. وتبرز المعالجة بالأشعة المؤينة (أشعة جاما) كبديل هام لبعض مضافات الأغذية بحكم فعاليتها في خفض الحمولة الميكروبية والتخلص من الميكروبات المرضية والقضاء على الحشرات وتقليل الفواقد في المنتجات الزراعية المختلفة. تحقق تقنية تشعيع المواد الغذائية إنجازاً رائعاً في تحضير وجبات غذائية آمنة خالية كلياً من المضافات الكيمائية ومحتفظة بقيمتها الغذائية وخالية من أي نوع من الميكروبات.
وتلك وجبات مخصصة للذين يعانون من أمراض نقص المناعة البيولوجية أو مرض الإيدز والسرطان. لقد خلصت لجنة الخبراء الدوليين التي عقدت بمقر منظمة الصحة العالمية بجنيف عام 1980م، تحت الرعاية المشتركة لكل من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية بخصوص سلامة المواد الغذائية المشعة حتى متوسط جرعة كلية قدرها 10كيلوجراي عدم احتوائها على أي أخطار سمية. موقع طرطوس
إن مبدأ السلامة المطلقة لمضافات الأغذية أمر لم يتحقق ولابد من أخذ الشكوك محمل الجد وعلى الجهات البحثية مسؤولية تبرير أو دحض هذه الشكوك، فالمستهلك يستهلك العديد من المنتجات الغذائية المصنعة في حياته اليومية، ويدخل جسمه أنواعاً مختلفة من هذه المواد ولا يدري إلا الله ماذا يحدث داخل جسمه، وهل هناك من أثر تراكمي لبقايا هذه المواد أم لا. كما أن على المستهلك الحد من استهلاك الأغذية المحتوية على مضافات كيماوية والعودة الجادة إلى الأغذية الطازجة الطبيعية رغم التغيرات الحياتية المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، وعليه أن يضع احتمالات الضرر في كفة والمنفعة المتوقعة في كفة أخرى، وقد يرجح إحداهما على الأخرى وفقاً للحالة الصحية كمريض السكر أو السمين، لكن الأفراد العاديين لديهم مجال الخيار واسع ينبغي عليهم استثماره .
وأخيراً على وسائل الإعلام الحد من ترويج الأغذية الخاوية غذائياً والمحتوية على مضافات، وخصوصاً تلك الموجهة للأطفال والتأكد من مصداقية مادة الإعلان التجاري من قبل لجنة متخصصة ومواجهة ذلك بمواد علمية تغذوية سليمة وصحية.