مُصطلح الواحد في المئة واسع، وله دلالات مُختلفة على المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية، وغالبًا ما يقصد بها الإشارة إلى ما تُسمى بـ«النخبة»، أو الجماعة المُسيطرة. وحتى في عالم شبكة الإنترنت، ثمّة ما تُعرف بـ«قاعدة الواحد في المئة»، والتي تُشير إلى نخبة صناعة مُحتوى الشبكة العنكبوتية، في مُقابل القراء والمطلعين، أو الذين يُعيدون إنتاج المُحتوى بالمشاركة.
ونسبة الواحد في المئة، والتي تُستخدم في الاقتصاد للإشارة إلى الشريحة المتحكمة في ثروات الأمم، ليست نسبة رياضية ثابتة، ولكن يُمكن القول إنّها نسبة معنوية، تُشير إلى الشريحة الضيقة التي تتحكم في نسبة الثروة، من كل طبقةٍ من طبقات المُجتمع.
وبمرور الوقت تُصبح النسبة أقرب إلى الحقيقة، وتتركز الثروة بالفعل في يد الشريحة التي يضيق نطاقها، في مُقابل تقليص مساحة الطبقة الوسطى، وهو ما أشارت إليه منظمة أوكسفام الدولية المعنية بالإغاثة والتنمية، في تقرير لها نشرته مطلع العام الجاري، قالت فيه إنّ 1% من سُكان كوكب الأرض، يُسيطرون على ثروة تُساوي ما يقع تحت أيدي 99% من باقي أغنياء العالم، وما يقع تحت أيدي 50% من سُكان العالم الرازحين تحت الفقر المُدقع.
ثمّة إذًا نخبة النخبة، أو الواحد في المئة من الواحد في المئة، الذين تتركز ثروات العالم واقتصاده في أيديهم، فبحسب تقرير أوكسفام، فإن من يمتلك مبلغ في حدود 69 ألف دولار أمريكي، فهو ضمن 10% ممن تتركز الثروة في أيديهم، وبهذا يتسع الفارق بين الغني والفقير، وتتضاءل الطبقة الوسطى، ويزداد رأس المال الذي يجعل منك ثريًا.
يتضح ذلك بإحصائية سريعة، تقول إنّه في عام 2010 كان عدد من يمتلكون مقدار ما يمتلكه النصف الأفقر من سكان العالم، 388 شخصًا، لكن الآن تقلص العدد كثيرًا، لتنحصر الثروة في يد 62 شخصًا فقط، يمتلكون ما يمتلكه النصف الأفقر من العالم. بصيغة أُخرى، فإنه مُقابل الحياة الرغيدة لأقل من 100 شخص، ثمّة مئات الملايين من سُكان العالم، يرضخون لوهن الفقر والجوع.
في السطور التالية، سنعرض لأمر مُختلف، لعائلتين اثنتين فقط، من أكثر العائلات تحكما في الثروات حول العالم.
«الدرع الأحمر».. العائلة الإمبراطورية
الدرع الأحمر هو الرمز الذي تميّزت به عائلة آل روتشيلد، أو قُل إمبراطورية آل روتشيلد الاقتصادية، التي يُقال إنّها تتحكم تقريبًا في نصف ثروة العالم، أو على 700 تريليون دولار أمريكي، وفقًا لتقديرات عام 2015.
في القرن 16 ميلادي، تأسست العائلة على يد إسحق إكانان، في فرانكفورت الألمانية. وقد اكتسبت لقبها (روتشيلد) من رمز الدرع الأحمر على باب قصر مُؤسس العائلة.
رمز عائلة آل روتشيلد، أو «الدرع الأحمر».
تخصصت العائلة اليهودية في الأعمال المصرفية فترةً طويلة، وفي القرن 19 أرسل رب الأسرة آنذاك، ماجيراشيل روتشيلد، أبناءه الخمسة إلى أنحاء أوروبا، مع وصايا بتأسيس فروع للمُؤسسة المالية التي تمتلكها العائلة، فأرسل أتسليم إلى ألمانيا، وسالمون إلى النمسا، وناتان إلى إنجلترا، وجيمز إلى فرنسا، وكارل إلى إيطاليا. وعلى مدار قرون، حافظ أبناء العائلة، على عادة الزواج من يهوديات تنتمين لعائلات ثرية، وهو ما ساعد على تضخّم ثروة العائلة، التي قال عنها الشاعر الألماني هاينرش هينه (1797 – 1856): «المال سيد عصرنا، وآل روتشيلد رسوله».
توسعت الإمبراطورية الاقتصادية للعائلة، وتنوعت مجالات الأعمال، فشملت التجارة بأنواعها، والسمسرة، فضلًا عن الأعمال المصرفية والمالية، وتجارة العملات، والمضاربة في البورصة، ثُم عرجت على الاستثمار في سكك الحديد، التي بدأتها في أوروبا، قبل أن تنتقل استثماراتها إلى أرجاء مُختلفة من العالم، من بينها مصر، التي أقرضت سُلطاتها لبناء سكة حديدة «الإسكندرية – السويس».
اشتبكت العائلة في غير موقف، مع السياسية، واستفادت منها كثيرًا، وانحازت لبعض الأطراف في بعض الأحيان. وخلال فترة عقود طويلة، اعتمدت العائلة في تراكم ثروتها، على الحروب الأوروبية، إما لاستحواذ على عقود تجديد سكك الحديد التي أنشأت أغلبها، أو بالحيلة!
مما يُحكى عن استخدام العائلة للحيلة، باستغلال الحرب، ما حدث في نهاية معركة واترلو، التي تُعد الحرب الأخيرة لنابليون بونابرت، والتي لاقى فيها هزيمة شرسة من أعدائه الأوروبيين، أو ما عُرف بـ«التحالف السادس»، والذي ضمّ كلًا من روسيا وبريطانيا، والسويد والنمسا، والبرتغال وإسبانيا.
في نهاية الحرب، وبعد أن انتصر التحالف الأوروبي على بونابارت، وصلت المعلومات إلى زعيم فرع عائلة روتشيلد في إنجلترا، ناتان، قبل أن تصل إلى الحكومة نفسها، بنحو 24 ساعة، في تلك اللحظة أسرع ناتان باستغلال الأمر، فأشاع أن الإنجليز قد مُنيوا بهزيمة نكراء على يد الفرنسيين، الذين هُم على أبواب لندن لاحتلالها، حين إذ سارع الجميع لبيع ممتلكاتهم بأي ثمن، ومن الجهة الأُخرى، كان رجال ناتان يشترونها بأبخس الأثمان. خلال 24 ساعة فقط، حقق ناتان ستة مليارات دولار، وهو مبلغ ضخم للغاية في ذلك الوقت.
اقرأ أيضًا: كيف يُسيطر اليهود على اقتصاد العالم؟
كان للعائلة أيضًا دور كبير في دعم حملات الهجرة اليهودية إلى الأراضي الفلسطينية، وإقامة «وطنٍ قومي لليهود» هُناك، رغم أنّها في البداية لم تكن مُقتنعة بما فيه الكفاية، بالحملة التي قادها تيودور هرتزل، قبل أن يتوسط زعماء يهود، وإنجليز، لحثّ العائلة على المساهمة في تأسيس دولة إسرائيل.
تبذير أمراء آل سعود
عام 2011، نشرت مجموعة بوسطن للاستشارات، تقريرًا عن ثروات المملكة العربية السعودية، والمتحكمين فيها، أفاد بأنّ نحو 112 ألف عائلة سعودية، تُسيطر على نحو 75% من الثروة السعودية، بعد أن كان عدد تلك العائلات في 2007 حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون عائلة.
لا يتوقف الأمر عند تضييق رقعة الأثرياء في السعودية، أو تركّز الثروة في نسبة تقترب واقعيًا من الواحد في المئة، إذ ثمّة الواحد في المئة من الواحد في المئة، أو عائلة آل سعود المالكة، التي تُقدّر ثروتها بما يقرب من تريليوني دولار أمريكي، تُمثّل أكثر من ضعف إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
تقول وثائق إن الراتب الشهري لأبناء الملك المُؤسس عبدالعزيز آل سعود، تتخطى مليوني دولار.
وكانت وثائق مُسربة من الخارجية الأمريكية، كشفت عن مقدار ثروة أفراد آل سعود، الذين يتراوح عددهم ما بين خمسة إلى عشرة آلاف شخص، من بينها وثيقة صادرة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1996، وسُرّبت عام 2011 عبر موقع التسريبات ويكيليكس، ذكرت أنّ «الأمراء والأميرات السعوديون، يُعرفون بثرواتهم الضخمة، والميل إلى تبديدها».
وأسهبت تلك الوثائق المُسرّبة، في شرح مصادر كسب الثروة، وكيفية تبديدها، فأشارت إلى أن أفراد العائلة المالكة، يُصرف لهم رواتب شهرية، مُضمنة في الميزانية، إلا أنها في الغالب لا تكفي لنمط حياتهم، الذي وصفته محادثات الوثائق، بـ«المبذّر».
ولجأ بعض الأمراء إلى زيادة مصادر دخلهم، فلفتت الوثائق إلى أنّ بعضهم يُنفق أكثر من عشرة مليارات دولار أمريكي سنويًا، خارج الميزانية، أي غير خاضعة للرقابة.
إحدى الوثائق، تضمّنت تفريغًا لحديث جرى بين سفير الولايات المتحدة الأمريكية في السعودية آنذاك، وأحد أمراء العائلة المالكة، أعرب فيه الأمير عن أسفه عمّا أسماها بـ«المهزلة»، المتمثلة في ذهاب إيرادات نحو مليون برميل نفط يوميًا إلى خمسةٍ أو ستةٍ فقط من أمراء العائلة المالكة.