الرغبة في التواصل البشري تبدأ مع أول ابتسامة نراها تضيء وجه طفل في الأسابيع الأولى من عمره والتي تتبدى على الأرجح بشكل عفوي منذ الحياة الرحمية ومع ولادته تظهر ملامح الوجه كلغة ( شيفرة انفعالية علائقية ) إنها اللغة البدائية الأولى … ثم يأتي التبادل بين الأم والطفل عبر صوتيات لغوية .. الثاني يطلب والأول يجيب إشارات تقول ( إني جائع ) وأخرى ( شيء ما يضايقني في مؤخرتي ) ومرة ( ماما احمليني أني مشتاق لرائحتك ) وهذا ما تدركه الأمهات بالفطرة .
يدخل الوليد في تواصل حسي خفي مع أمه غالباً ما يكون عفوياً فالبسمة لا تتعلق برغبة مرتبطة بالغذاء بل بتواصل نفسي بين كائنين إنسانين ومن ثم بمخزون تواصلي إنساني .
سواء تنبه الكبار لهذا التواصل أم لم ينتبهوا فإن الوليد يستمر بإرسال إشاراته في التواصل نظراً لحاجاته الحيوية . فعلى سبيل المثال عند غياب الأم ورغبة الطفل برؤيتها وسماع صوتها أو شمها تتمظهر الرغبة بالإدراك الحسي الذي يدفعه إلى اتخاذ قبضة يده ثم إبهامه كبدائل عن الإرضاع هذا يشير إلى غياب الأم رمزياً بما يذكره بها ولعل هذا يسهل عليه تحمل وحدته في ظل غياب التواصل معها وتهدئة الأطفال بهز السرير أو الهدهدة يشير إلى حالة التواصل بعودة الإحساس لهم بالأمان وتكون الإستجابة فورية حيث يستعيد الطفل الطمأنينة التي خبرها حين كان جنيناً في الرحم فتهادي على إيقاع حركة الأم ونشاطها وعلى إيقاع مزدوج من قلبين قلبه وقلب أمه الأمر الذي دفع البعض للتفكير بأن المولودين قبل أوانهم قد يعيشون بحماية أكبر فيما لو سمعوا دقات قلب الأم ولهذا جهزوا حواضن يسمع فيها الخدج دقات قلب الأم حتى التاريخ الذي كان من المفترض أن يولدوا فيه وقد برهنت التجربة أن نسبة الوفيات في هذه الحاضنات الصامتة وهذا يعني أن سماع الجنين البشري لقلب أمه في هذه المرحلة الجنينية شكل داعماً لتواصل من نوع ما في علاقته بالأم .
إن تعابير الرضيع في صيحاته وابتسامته تجاه شخص الأم الراشد تنتظر ردوداً على الإشارات التي يرسلها فجسمه الصغير يحيا منفعلاً بمتطلبات عناية وغذاء وقد يستخدم جسده للتعبير عن غضبه كأن يتقي بعد الرضاعة معيداً بذلك الحليب بدلاً من الصياح رغبة بعودة الأم التي تترك إبنها مباشرةً بعد الرضاعة عوض ملاعبته قليلاً والتحدث إليه لتكمل التواصل النفسي من خلال قراءته لملامحها .
وعند إهمالها لهذا التواصل تتسبب الأم في تأخير ظهور مفرزات اللغة عند طفلها كذلك الأمر الإهتمام الزائد والحماية الفائقة من قبل الأم يساوي تماماً غيابها عنه .
إن تواصل الأم مع طفلها منذ الولادة بطريقة لغوية وجسدية حسية بشرحها له ما تفعله من تغيير حفاضات إلى تحضير الطعام وصولاً إلى تعريفه بأبيه وبالعائلة إنما هو حاجة تضفي معنى على الحركات التي تقوم بها وتدعم التواصل الحسي بآخر رمزي يغذي ذاكرته .
فالأم المحبة التي تغني لطفلها وتتكلم معه وتلاعبه تحضره للدخول في عالم العلاقات الإجتماعية باكراً لتدعم ذاكرته ووعيه بالمحيط من خلال حاجته الحسية للتواصل والشعور بالأمان مع الآخرين .