يمكن اعتبار القهوة مشروباً عالمياً ليس له منازع ، فأنى تجولت في أرجاء الدنيا من أقاصي مشرقها إلى أقاصي مغربها تجد القهوة متربعة على عرش المشروبات العالمية ، يتناولها المتقدمون في مدنيتهم ، والمغرقون في تأخرهم كما يتناولها الأغنياء والفقراء في آن واحد ، حتى بات لاحتسائها وطرق تقديمها تقاليد عريقة .
وعهد البشر بالقهوة لا يزيد عن أربعمائة سنة ، يعتقد أنها بدأت في الحبشة ثم انتقلت شجرة القهوة إلى اليمن ، ثم سيلان وجاوه والبرازيل ، وهي البلاد التي تعتبر القهوة علماً عليها.
وفي رواية أخرى جاء بأن راعياً كان يرعى غنم في ناحية اليمن فوجدها نشيطة تسعى وراء رزقها دون كلل أو ملل كلما ساقها إلى هذه البقعة وأكلت مما يهشه عليها من شجر القهوة ، فجرب أكلها فلم يستسغه ، ثم جرب مغليها فدب النشاط في جسده وكان هذا أول اكتشاف للقهوة .
ويقول لنا تاريخ القهوة ، إن أول “مقهى ” في التاريخ ، افتتح في مدينة القسطنطينية، في عهد السلطان سليمان الثاني ، وفي سنة 1660 م انتقلت منها إلى باريس فلندن فسائر أرجاء الدنيا ، حيث تعتبر ” منتديات ” تناول القهوة _ المسمّاه مقاهي _ أماكن عامة يرتادها الراغبون في تزجية الفراغ وقتل الوقت ، مع احتساء القهوة وممارسة إحدى ألعاب التسلية .
أما في أول العهد بافتتاح المقاهي ، فكان ارتيادها مقتصراً على الأدباء والفلاسفة والعلماء حتى أطلق عليها لقب ” مدرسة العلماء ” ، وأضفى على القهوة ذاتها شهرة واسعة إذ ألف (باخ ) مسرحيته المشهورة التي كتب عنها الفيلسوفان (دوديه وراسين ) وغيرهما .
واقترنت القهوة بحياة العرب وتقاليدهم اقتراناً وثيقاً ، فأصبحت لها عندهم مكانة خاصة ، وتقاليد معينة ، ونظم فيها شعراؤهم قصائد كثيرة . وطارت شهرة ” القهوة المرة ” التي تفنن العرب في إعدادها ، وفي وضع طرق وتقاليد معينة لتقديمها واحتسائها .
يبلغ ارتفاع شجرة القهوة ما بين ثمانية وتسعة أمتار ، وهي دائمة الاخضرار في جميع فصول السنة ، وأزهارها بيضاء اللون .. ولا بد لنمو القهوة ونضوجها من مناخ حار ذي أمتار استوائية غزيرة وكما هو الشأن في جميع البلاد التي اشتهرت بزراعتها وإنتاجها .. ومع أن العادة جرت على استعمال بذور القهوة وحدها ، إلا أن أهالي الحبشة ابتكروا من ثمرة القهوة الكاملة طعاماً خاصاً يأكلونه بعد أن تسلق ويرش عليها الملح .
ويبدو أن تأثير القهوة يختلف باختلاف التركيب الطبيعي لكل شخص . فبينما نجدها ذات تأثير مؤرق قوي على البعض ، اعتقاداً منهم بذلك ، نجد آخرين يتناولونها بكميات كبيرة ، ثم يسلمون أجفانهم للرقاد الهني بسهولة تامة ، مهما كثرت كميتها وثقل تركيبها .
إن المواد المعطرة في القهوة مرتبطة بالزيوت الأساسية ، وهذه الزيوت تتبخر وتتناقص تدريجياً من جراء احتكاكه بالأوكسجين .
ولذا كان لابد من تحاشي ترك القهوة على احتكاك بالهواء . ومن هنا كان من الحكمة شراء كميات قليلة من القهوة وتجديد هذا الشراء كل أسبوع مرة على الأقل في مخازن توفر لها جواً مناسباً . ويجب أن تحفظ الكمية المشتراة في الثلاجة سواء كانت مطحونة أم لا . فالبرودة والظلام يقللان من سرعة تبخر الزيوت من جراء الاحتكاك بالأوكسجين
.
وللأسباب نفسها يجب ينبغي طحن القهوة بصورة تدريجية حسب الحاجة ذلك أن الزيوت المعطرة تكون أقل تبخراً في حال عدم الطحن . وأفضل وسيلة لطحن القهوة عن طريق الآلات التي لا ترتفع فيها الحرارة كالمطاحن الكهربائية ، لأن مثل هذه الحرارة تساعد على تبخر الزيوت .