تعدد الزوجات هل هو مشكلة؟ أم حل يجب اللجوء إليه متى دعت الضرورة لذلك؟ وماذا عن المجتمع هل يتقبل ذلك و يعتبره أمرا طبيعيا نابع من صميم ثراتنا و ثقافتنا ؟ أم يرى فيه شيئا متجاوزا يجب وضعه في رفوف النسيان . خلال هذا الروبورتاج سنحاول أن نتطرق لجوانب من هذه الظاهرة لمحاولة فهمها و الوقوف على تجارب من عايشوها .
كانت السيدة مليكة، أم لستة أطفال، جميلة لكن معالم الجمال تكاد تمحى بسبب الحزن والكآبة البادية عليها، اقتربت منها وتحدثت معها، لأعرف سبب تزوج زوجها بأخرى وكيف تقلبت هي ذلك. من خلال نظراتها تبين لي أنها تتأجج حزنا وكأني بسؤالي ضغطت على جرح حاولت جاهدة أن تضمده بصبرها وبتقبل واقعها، خصوصا وأنها أم لستة أولاد مازالوا كلهم في طور التعليم، استمسكت نفسها و قالت : “كنت أعيش بسلام رفقة زوجي وأبنائي لا ينقصنا شيء، مرة تعرفت على فتاة جميلة جدا كانت تعرف كيف تتحدث وتتصنع لم أكن ألاحظ ذلك لكن زوجي أثارته بحركاتها وبكلامها المنمق، تغلغلت في بيتنا وفرضت نفسها علي وعلى أولادي، وجدت جميع أولادي متعلقين ومنجذبين نحوها، تأخذهم لخرجات ورحلات وحفلات، لدرجة أنهم تعلقوا بها، كنت أظن انها تحبهم وتعطف عليهم لانهم أبناء صديقتها، لكن بعد ذلك اكتشفت أنها تفعل ذلك لتستجلب نظر زوجي، ولتضعني في موضع مقارنة معها، طبعا بعد مدة قليلة، صعقت على خبر زواجها من زوجي، بل طلب مني أن احضر حفلة الزفاف، في البداية رفضت الفكرة وطلبت الطلاق، لكن بعد أن فكرت جيدا، استسلمت للأمر وذهبت لحفل زفاف زوجي بأعز صديقاتي حتى لا أضيع أبنائي أو أساهم في تشتت أسرتي… ونحن الآن نعيش في بيت واحد، في بيتي الذي عانيت كثيرا وتحملت الكثير في تصميمه وتأثيثه، فجأة أصبحت تقاسمني أخرى فيه، استسلمت لواقعي وأنا أعيش مع الاثنين زوجي و ضرتي “.
الدكتور لطفي الشربيني استشاري نفساني وضح ظاهرة تعدد الزوجات قائلا: “موضوع تعدد الزوجات هو من الأمور المثيرة للجدل، والتي ترتبط في الأذهان بكثير من المفاهيم والأفكار والانفعالات النفسية للمرأة والرجل على حد سواء…لم تعد هناك حاجة إلى المزيد من الدلائل على أن هذا الموضوع قد أصبح في مقدمة اهتمامات الناس في المجتمعات العربية بعد أن تابع الجميع العمل التليفزيوني “العطار” الذي يمكن تصنيفه فنياً بأنه اجتماعي أو كوميدي أو درامي، والذي أثار المناقشات والجدل على نطاق واسع في مختلف الأوساط نظراً لمشاهدته بصورة مكثفة عند عرضه، ونظراً لموضوعه وهو تعدد الزوجات، وما يتعلق به من حساسيات بالنسبة للزوجات والأزواج أيضاً، وذلك بالإضافة إلى جوانب هذا الموضوع الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والشرعية، وكذلك الجوانب النفسية في مسألة تعدد الزوجات والتي هي موضوع كثير الأهمية”.
قضية تعدد الزوجات هي قضية قديمة لا تقل أهميتها عند الرجل أو المرأة على حد سواء، وعلى الرغم من آثارها النفسية التي تنشأ عن الصراعات الزوجية وتضع عبئا كبيرا وثقيلا على العلاقات الأسرية، و أحيانا حالات الجرائم الأسرية التي تتصدر صفحات الجرائد، إلا أنها تظل من المواضيع التي كثر الحديث عنها وتطرق ناقوس الخطر لمناقشتها وإيجاد حل لها. لكن ماهي الأسباب المباشرة وراء هذه الظاهرة ووراء التجاء الأزواج اليها كحل لا بديل عنه؟
في هذا الصدد يقول الدكتور الشربيني بأنه ورد في دراسة عرض للأسباب النفسية والظروف الاجتماعية التي تدفع إلى التعدد وكان في مقدمتها التركيبة النفسية للرجل التي تميل إلى التعدد بصورة فطرية حتى أن دراسة حديثة أشارت إلى وجود جينات تدفع الرجال إلى ممارسة التعدد بعلاقات خارج نطاق الزواج في الشرائع التي لا تسمح بتعدد الزوجات بما يفسر انتشار خيانة الأزواج على حد التعبير الغربي وركزت الدراسة على رد فعل الزوجة الأولى التي تكون الطرف الأكثر تأثراً والآثار النفسية السلبية للزواج المتعدد، وتم وصف متلازمة مرضية تصيب الزوجة بعد أن يتزوج شريكها بأخرى تبدأ برد فعل عصبي برفض هذا الزواج الثاني وإبداء الغضب والمقاومة، ثم تتجه الحالة إلى الاستقرار والاتزان مع قبول الواقع الجديد في فترة زمنية تتراوح من 6 شهور إلى عامين. وإذا كان في هذه الدراسة محاولة علمية جادة لفهم الجوانب النفسية لظاهرة اجتماعية هامة فإنني أعتبر أن الوقت الحالي فرصة مناسبة لطرح هذا الموضوع في سياق أكثر شمولاً من مجرد طرح وجهات نظر متناثرة وتراشق في وسائل الإعلام بين أطراف يتهم كل منها الآخر ويدافع عن وجهة نظر شخصية، بل يجب طرح المسألة لمناقشة يشترك فيها المتخصصون وتتناول كل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والدينية بعيداً عن التحيز، وبحيث تكون المحصلة ذات فائدة تؤدي إلى حل لمشكلات الصراعات الزوجية وتسهم في إعادة الاتزان إلى الأسرة والمجتمع.