نعم أنا حر… وأنت حر، كلنا أحرار فيما نفعله، أصبح كل واحد يفعل ما يريده، يقول ما يريده، يرتدي ما يريده، ومن فرط الحرية أصبحنا دون أن نشعر، نعود إلى فرض القيود….. نعم القيود، ولكن ليس على أنفسنا ؛ بل على الآخرين، أصبحنا نحاسب الآخر ندينه، نلومه، نشير إليه بأصبعنا لنتهمه وهذه هي بداية الازدواجية في الشخصية. فأنت تريد حقوقاً لنفسك وفي الوقت نفسه تتضايق لأن غيرك لا يفعل مثلك ولا يسير وراءك.
الحرية قديمة جداً، والقيود أيضاً قديمة، والقانون والفلسفات التي تقدم الحرية وتحددها، قديمة أيضاً، لكن كم واحد منا عرف ما هي حريته وما هي القوانين التي تحدد وتنظم هذه الحريات لكي لا يتعدى على حرية وراحة الآخرين؟!
لقد رجعنا إلى السؤال القديم الذي لم نمل من سؤاله وهو: هل للحرية حدود…. قيود….. قوانين…. مبادئ…؟
نعم..! اختر ما تشاء من هذه الأسماء أو غيرها لتعرف أن الحرية ليست أمراً مطلقاً أو بلا حدود، بل هي أمر نسبي، فالحرية نسبية من شخص لآخر، من جنس لآخر، من شعب لآخر، بل تختلف الحرية عند الشخص نفسه، فأحياناً يتصرف شخص ما في موقف ما بطريقة وبأسلوب معينين، وعندما يتكرر الموقف نفسه ومع الشخص نفسه و لكن في ظروف وتوقيت مختلف؛ تجده ينقض كل كلامه وتصرفاته ويُصور آراء متضاربة، ثم يدعي أنه حر في رأيه. فهل سأل نفسه في كل مرة لماذا هذا التذبذب في الآراء، وما هي المبادئ التي تحكم قراراته في كل مرة ؟
من المعروف أن حرية الإنسان ترتبط أولاً: بقيمه، بمبادئه، بثقافته، بتعليمه المتحضر…. ومن المعروف أنه كلما ارتقى الإنسان بثقافته وبعلمه وبتفكيره، شعر أكثر بحريته، ومسئوليته ليحترم هذه الحرية، وحرية الآخر أيضاً، فيتصرف باتزان وبمعقولية وبالتزام يفوق أي شخص آخر يدعي الحرية في حين أنه يتصرف بهمجية .
أما الإنسان المتواضع في الثقافة والمعرفة والفهم، والذي تُطلق عليه صفة “السطحية والجهل”، فإنه يتصرف بمنتهى الرعونة والتبجح اللذين يصلان لحد الهستيريا، فيشعر وكأنه لا يوجد إنسان آخر يعيش على هذا الكوكب غيره، وذلك لأنه لا يعرف معنى الحرية أو مفهومها، فهو يظن أنه عندما يخترق الشوارع مسرعاً بسيارته، متخطياً كل التحذيرات والقوانين، معرضاً حياة الآخرين للخطر، فإنه لا يخطئ بل يمارس حقه في القيادة المسرعة. يسعد عندما يرغم كل من حوله على سماع ما يسمعه بصوت عالِ دون مراعاة لحق الآخرين في الرفض أو الانزعاج من الصوت المزعج واقتحام هدوءهم وخصوصياتهم، مع أنه بحريته هذه يعتدي على حرية غيره، ويُرغمهم على قبول ما يريده هو، مع أنه هو نفسه يرفض أن يُرغم أو يُجبر على شيء لا يريده. فأين هي الحرية التي ينادي ويطالب بها ؟!
لكل إنسان عقل ومبادئ تُسيِّره وتقوده في حياته طوال رحلة عمره لكي يتخذ قراراته باقتناع وحرية. وأن يسلك في حياته طبقاً لما يريده، والمهم هو ألا تُقيد غيرك أو تقتحم عليه حياته، وخصوصياته بقيودك،….. أقصد بحريتك كما تراها.
كيف يمكننا كشباب أن نساهم في رفع درجة الوعي بأهمية احترام الآخر ؟
تقدمه: أماني منير