أظهرت دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأميركية, سنة 2008, ونُشرت في المجلة العلمية -JAMA- أنه ليست هنالك، على المدى الطويل، أية أفضلية واضحة للعمليات الجراحية في معالجة آلام أسفل الظهر التي تمتد إلى الرجلين, نتيجة لإنفتاق القرص وحدوث انزلاق غضروفي في الظهر, مقارنةً مع العلاجات التي لا تكون باضعةً، مثل المعالجة اليدوية.
وقد شملت الدراسة 500 مريض يعانون من آلام أسفل الظهر، وتم تشخيص إنفتاق القرص وحدوث انزلاق غضروفي في الظهر لديهم. تم تقسيم المرضى إلى مجموعتين، بحيث تمت معالجة أعضاء المجموعة الأولى بواسطة الجراحة، بينما عولج أعضاء المجموعة الأخرى بواسطة تقنيات ليست غزوية. وقد أفاد المرضى الذين خضعوا للجراحة بحصول تحسن في حالتهم بعد الجراحة فورا، فيما أفاد المرضى الذين لم يخضعوا للجراحة بحصول تحسن مماثل بعد 3 – 6 أشهر. بعد متابعة المرضى لمدة سنتين، تبين أن المرضى في كلتي المجموعتين أظهروا تحسناً مماثلاً.
الأدلة المستمدة من الأبحاث، والتي تشير إلى نجاعة المعالجة اليدوية، ليست جديدة. ففي بحث واسع النطاق أجري في الولايات المتحدة من قبل إحدى شركات التأمين، في العام 2004، وتمت خلاله المقارنة بين مليون شخص عولجوا بواسطة المعالجة اليدوية مقابل مليون شخص أخرين لم يتلقوا هذا العلاج. وقد تبين أن الأشخاص الذين لم يعالجوا بواسطة المعالجة اليدوية خضعوا لعمليات جراحية في الظهر بنسبة أكبر بـ 30% مقارنة مع المجموعة الأولى (التي عولجت بالمعالجة اليدوية)، كما اضطروا إلى التوجه إلى غرف الطوارئ بنسبة تزيد عن 40% مقارنة بالمجموعة الأولى.
بعض الحالات النادرة من آلام أسفل الظهر وحدوث انزلاق غضروفي في الظهر، والتي يرافقها عجز عصبي حاد، مثل سلس البول أو البراز أو ضعف العضلات في الأطراف، تستوجب إجراء الجراحة على الفور. كذلك، فإن حالات الرضح والإصابات التي تشمل كسوراً في العمود الفقري تحتاج إلى تدخل جراحي فوري.
ولكن في معظم الحالات لا تكون ثمة حاجة إلى إجراء جراحة. معظم الأخصائيين يوصون بالانتظار لمدة 12 أسبوعاً بعد نوبة آلام أسفل الظهر قبل اتخاذ القرار بإخضاع المريض لجراحة في الظهر.
نقاط للتفكير:
أكثر من 90% من المرضى الذين يعانون من إنفتاق القرص يتماثلون للشفاء من نوبة آلام الظهر عن طريق إتباع علاج محافظ، وليس جراحياً.
4% فقط من المرضى الذين يعانون من إنفتاق القرص يلائمون المعايير التي وضعت لجراحة الظهر في العمود الفقري.
إذا قمنا بإجراء فحص التصوير بالرنين المغناطيسي MRI لعامة الناس، فسوف نجد أن لدى 20% منهم ، في سن ما دون الـ 60 عاما، هنالك إنفتاقا في القرص لا يسبب أية آلام. هذا الظاهرة معروفة باسم “إنفتاق القرص عديم الأعراض”.
يتماثل معظم المرضى الذين يعانون من إنفتاق القرص للشفاء مع الوقت، دون الخضوع للجراحة، ويستمر الوضع كذلك حتى موعد النوبة القادمة، والتي تكون مرة واحدة بالمعدل كل 5 سنوات.
0,25% فقط من المرضى الذين يعانون من آلام أسفل الظهر يحتاجون إلى الجراحة، أي ما يعادل شخصاً واحداً من بين كل 400 شخص يعانون من آلام أسفل الظهر.
40% من المرضى الذين خضعوا لعملية جراحية في الظهر يعانون من متلازمة تدعى (Failed Back-Surgery Syndrome-FBSS)، والتي تتسم بآلام غير واضحة في منطقة العملية الجراحية، مع تقييد في القدرة على الحركة.
أظهرت دراسة نشرت في العام 1988، أن 17% من إجمالي المرضى الذين خضعوا لجراحة في العمود الفقري كانوا بحاجة إلى الخضوع لعملية جراحة إضافية.
حتى يومنا هذا، تشير الدراسات التي تناولت صحة العمود الفقري إلى أهمية اللجوء إلى العلاجات غير الباضعة لمعالجة حالات إنفتاق القرص، حدوث إنزلاق غضروفي في الظهر وتضيق العمود الفقري.
معظم نوبات آلام الظهر الحادة، سواء كانت تمتد إلى الأطراف العليا أو السفلية أو لم تكن كذلك، تزول في غضون بضعة أشهر. فقط في الحالات الحادة التي يحصل فيها فقدان لكتلة العضلات أثناء النوبة أو سلس البول أو البراز، ينصح بالتوجه لمراجعة الطبيب الجراح.
الهدف هو استخدام أفضل الخيارات العلاجية المتوفرة لتحسين جودة حياة المريض، ابتداء من العلاج المركز لتخفيف الآلام عن طريق المعالجة اليدوية، العلاج الطبيعي، الوخز بالإبر الصينية ومسكنات الألم، وإنتهاءً بمضادات الالتهاب والحقن. في حالات الالتهاب الحاد يمكن الدمج بين المعالجة اليدوية والأدوية معاً.
بالإمكان معالجة 90% من حالات آلام أسفل الظهر من دون اللجوء إلى الجراحة. لكي يتمكن المريض من التماثل للشفاء من آلام أسفل الظهر عليه أن يتحلى بالصبر، قوة الإرادة والتفكير الإيجابي، إضافةً إلى العمل على إعادة تأهيل العضلات عن طريق السباحة وممارسة الرياضة المناسبة.
من الجدير بالذكر أنه إذا كان المريض يعاني من الآلام فقط، يمكن تأجيل الخيار الجراحي، إلى حين استنفاد جميع الخيارات العلاجية الأخرى، غير الباضعة. تساهم المعالجة اليدوية، التي تهدف إلى موازنة الفقرات في العمود الفقري، في مساعدة معظم المرضى، لكي يتماثلوا للشفاء خلال وقت أسرع، كما أنها تجعل الجسم يسترد قوته بشكل أفضل. تحقيق التوازن بين الفقرات وتحسين مجالات الحركة هما أمران بالغا الأهمية بالنسبة لصحة العمود الفقري، تقليل العبء الميكانيكي الكبير، التوصيل العصبي الأفضل للأعضاء المحيطية ولإفراز الإندورفينات والسيروتينين من الدماغ، والتي تحقق الراحة للعضلات والعظام.
يتم تحقيق الشفاء التام من الام أسفل الظهر وحدوث انزلاق غضروفي في الظهر عن طريق العلاج غير الباضع المركز وتمارين إعادة التأهيل للعضلات التي تحيط بالعمود الفقري، لتقويتها. من التمارين التي يوصى بها: السباحة، الرياضة المائية والبيلاتيس. عندما يدور الحديث عن إنفتاق القرص الذي تصاحبه أعراض حادة، ينبغي التحلي بالصبر لكي يتمكن الجسم من إشفاء نفسه بطريقة طبيعية.
يمكن تأجيل الجراحة في معظم الحالات. بوسعنا أن ننظر إلى الألم كفرصة لتحسين جودة حياتنا، وعندها نحن نتمكن من الإصغاء إلى جسمنا، وقد ندرك أن الألم يأتي لكي يدلنا على وجود أمر غير سليم نمارسه في حياتنا اليومية.
فجأة نكتشف أنه، وفي ظل مزاولة نشاطاتنا اليومية المتسارعة، ربما نكون قد نسينا ما هي الراحة؟ يكون الألم بمثابة علامة إنذار لنا لكي نعيد النظر في العديد من الأمور في حياتنا، مثل طريقة وقوفنا، الطريقة التي ننام بها، إن كنا ننام على الظهر، على الجانب أو على البطن وبالتالي فإن ذلك يزيد من العبء على العنق وأسفل الظهر، الطريقة التي نتنفس بها، هل نأخذ نفساً عميقاً؟ وأخيرا، هل أصبحنا ننظر إلى الألم على أنه مصدر للقلق يجب التخلص منه على الفور بواسطة الجراحة؟
عندما نفكر في التخلص من آلام الظهر عن طريق الخضوع للجراحة، فإننا لا نأخذ بعين الاعتبار الآلام التي سوف نشعر بها في أعقاب الجراحة، فترة إعادة التأهيل والمضاعفات التي قد تحصل إثر الجراحة.
بمساعدة المعالجة اليدوية وأي علاج أخر غير باضع يمكننا الحصول على وسائل لتحسين توازننا، تقنيات لتقليل التوتر وتمارين لتقليل الآلام، إضافة إلى العلاجات الدوائية.
يوصى بإجراء عملية جراحية لمعالجة ألام أسفل الظهر في الحالات التي تظهر فيها علامات إنذار تشير إلى تعرض الحبل النخاعي إلى الضغط، مثل سلس البراز والبول أو الشلل. أما في باقي الحالات فيستحسن اللجوء إلى الوسائل العلاجية غير الباضعة، وعند عدم نجاعة هذه الوسائل في معالجة الآلام، يمكن اللجوء إلى الجراحة.