الأداء الإلكتروني، أو الحكومة الإلكترونية في اصطلاح البعض، هو استخدام المؤسسات والمصالح الحكومية للإنترنت والتقنيات الرقمية الأخرى في تقديم الخدمات والمعلومات لمواطنيها.ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على ظهور واستخدام الكمبيوتر الشخصي لأول مرة، كان للوثبات الواسعة في عالم الشبكات الإلكترونية وظهور الواجهات الرسومية graphical interfaces الأثر الأكبر في تشجيع مختلف حكومات العالم على تطوير مواقع خاصة بها على الإنترنت، لتقديم مختلف الخدمات والمعلومات التي يحتاج إليها المواطنون.
* بشكل عام، تسعى الحكومة الإلكترونية إلى أن تأخذ مكان الحكومة بمعناها التقليدي، فتؤدي نفس الخدمات والمهام؛ ولكن عبر وسائل الاتصالات الرقمية، مثل الهاتف والإنترنت والزيارات التي يقوم الأفراد لمختلف المواقع على الإنترنت.وقد شرعت أغلب حكومات العالم في تأسيس مواقعها على الإنترنت لتسهيل الخدمات المتعلقة بقطاعات السياحة والاستثمارات والخدمات المدنية، فضلاً عن تلقي شكاوى المواطنين واقتراحاتهم واحتياجاتهم.على الجانب السياحي مثلاً، بات أكثر دول حوض الكاريبي اعتماداً على مواقعه الإلكترونية في تسهيل عمليات حجز تذاكر الطيران والفنادق ووضع البرامج السياحية.في حين أن الموقع الإلكتروني للحكومة الأسترالية يوفر خدمة تلقي شكاوى المواطنين على اختلاف أنواعها.وهناك دول، مثل بلغاريا وهولندا والتشيك، توظف مواقعها الإلكترونية بشكل خاص في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية إلى الداخل.
أعد هذا التقرير الباحث الأمريكي داريل ويست، من جامعة «براون» الأمريكية، وفيه، رصد ما يدور،عالمياً، على شبكة الإنترنت، وحاول مراقبة التغيرات التي طرأت على الحكومات الإلكترونية لمختلف دول العالم على مدار السنوات الثلاث الأخيرة.ومن خلال استخدام تحليل تفصيلي لـ 1935 موقعاً حكومياً، في 198 قطراً، رسم التقرير التغيرات الفاصلة بين مختلف المناطق والأقطار، من حيث «الأداء الإلكتروني»، وحدد وقيم إيقاع هذا الأداء لأغلب حكومات العالم.بنظرة مسحية على الحكومة الإلكترونية، منذ عام 2001 وحتى 2004، يلاحظ ثمة نمو وتقدم تشهده تلك الصرعة الجديدة، وإن اختلف الإيقاع من مكان لمكان، ومن حكومة لأخرى.وتبرز أكثر حكومات العالم تقدماً ثابتاً على عدة مستويات هامة؛ لكن قلة من حقق طفرات واسعة في هذا المجال الحيوي.فوق عدة مؤشرات هامة، يحقق أداء الحكومات الإلكترونية طفرات متقدمة، غير أن التقدم لا يزال، قاصراً ومحدوداً في بعض المجالات، خاصة وأن هناك عوامل، من قبيل الميزانية والإرث البيروقراطي ومراكز القوى في المصالح الحكومية التقليدية، تحد من فرص توصيل الخبرات التكنولوجية إلى كافة أرجاء القطاع الحكومي.تشمل البيانات التي وردت في هذا التقرير تقويماً لحوالي 1935موقعا حكوميا على الإنترنت، يغطي 198 دولة في جميع أنحاء العالم. وقد ركز التقرير، في تحليله، على مجموعة معينة من المواقع، في كل دولة، للخروج بتقويم عام عن طبيعة وحجم الأداء الإلكتروني لحكومة هذه الدولة أو تلك.
ومن بين هذه المواقع التي نالت اهتماماً خاصاً من جانب التقرير، الأجهزة التنفيذية (المواقع الخاصة بمكاتب رؤساء الدول، رؤساء الوزارات، الحكام أو العمد المحليين، قادة الأحزاب السياسية)، والأجهزة التشريعية (مثل مواقع الكونجرس والبرلمانات والمجالس النيابية ومجالس البلديات المحلية)، والأجهزة القضائية (مثل المحاكم والأجهزة القضائية المختلفة)، فضلاً عن المصالح والمؤسسات الحكومية التي تقدم أهم وأكثر الخدمات العامة شيوعاً، مثل قطاع الصحة والضرائب والتعليم والأمن الداخلي والتنمية الاقتصادية والموارد الطبيعية والنقل والتجارة والاقتصاد.وقد تم العمل في إعداد التقرير في الفترة من يونيو (حزيران) إلى يوليو (تموز)، عام 2004، ومولته جامعة براون الأمريكية، وانتهى الباحثون المشاركون في إعداده، تحت إشراف الباحث الأمريكي داريل ويست، بوضع قائمة تضم روابط إلى كافة المواقع الإلكترونية الخاصة بكل حكومات العالم www.lnside politics.org/world.html.وقد تم تقويم المواقع الحكومية من خلال رصد مدى توافر الخصائص التي تتعامل مع وفرة المعلومات، وتقديم الخدمات، ومدى سهولة وصول العامة إلى تلك المواقع، وحجم الإقبال عليها.وكان من بين الخصائص التي تم تقويمها، اسم القطر، الموقع الجغرافي، إلى جانب رصد مدى توافر خصائص مثل، المطبوعات الإلكترونية وقواعد البيانات والمقطوعات الصوتيةaudio clips والمرئية video clips ، وخدمات الترجمة لغير المتحدثين باللغة الأم، والإعلانات التجارية، والرسوم الخاصة بالخدمات الممتازة، مدفوعات المستخدمين، خدمات المعوقين، سياسات الخصوصية، الخصائص الأمنية، حجم الاختلاف في الخدمات المقدمة، التوقيعات الرقمية، مدفوعات بطاقات الائتمان، عناوين البريد الإلكتروني، نماذج التعليقات والملاحظات، التحديثات التلقائية التي تتم عبر البريد الإلكتروني، إضفاء الطابع الشخصي على المواقع، توفير المساعدات الرقمية الشخصية (Personal Digital Assistant PDA)، وأخيراً، توفير نسخ باللغات الأجنبية لنفس الموقع.عند التعامل مع المواقع الناطقة باللغات خلاف اللغة الإنجليزية، اضطر معدو التقرير إلى الاعتماد على متحدثي اللغات الأصلية في قراءة محتويات الموقع، فضلاً عن الاعتماد على الترجمة الآلية التي استخدم فيها الموقع الشهير BabelFish، (عنوانه http://babelfish.altavista.com.عند تقويم الخصائص المختلفة للمواقع الحكومية الإلكترونية، سعى التقرير إلى تقويم حجم المواد المتاحة أمام الجمهور والتي تلبي احتياجاته من الخدمات أو المعلومات. ومن الملاحظ، بشكل عام، أن أكثر المصالح والمؤسسات الحكومية تبرز تقدماً ملحوظاً في نشر معلومات كافية عن خدماتها على الإنترنت.كما أن حجم المواقع التي تقدم مطبوعات إلكترونية، قابلة للطباعة، بلغ 89 في المئة من إجمالي مواقع الحكومات (ارتفعت هذه النسبة من 77 في المئة عام 2003)، في حين وفرت 62 في المئة من المواقع قواعد بيانات شاملة عن كافة الخدمات والأنشطة الحكومية (انخفضت هذه النسبة من 73 في المئة عام 2003!).ومن الملاحظات المبدئية التي خرج بها التقرير أن أغلب المؤسسات الحكومية تتجاهل إدراج المقطوعات الصوتية أو المرئية في مواقعها.ورغم شدة الإقبال من جانب المستخدمين على هذا النوع من الخصائص، خاصة في مواقع التجارة الإلكترونية والشركات الخاصة، لم تتعد نسبة المواقع الحكومية التي وفرت المقاطع الصوتية أو المرئية نسبة 12 في المئة للصوتيات، و13 في المئة للمرئيات.وعلى أي حال، ارتفعت نسبة الاهتمام بهذه الخصائص من 8 في المئة عام 2003.
معيار الجودة
عند تقويم الخدمات التي تقدمها المواقع الحكومية الإلكترونية، لم يلتفت التقرير إلى عدد أو نوع الخدمات المقدمة.فقد انصب اهتمام التقرير على الخصائص التي من شأنها أن تساعد على إتمام الخدمة المطلوبة وإنجازها، بالكامل، على الإنترنت.مثلاً، لو أن مستخدماً ما طبع أحد النماذج من موقع حكومي ما، وملأ هذا النموذج، ثم تطلب الأمر إرساله بالبريد العادي إلى المصلحة الحكومية، فلا تعد هذه الخدمة، من وجهة التقرير، خدمة إلكترونية.أما بالنسبة لقواعد البيانات، فالتقرير لا يعتد بتلك القواعد التي توفر بيانات للمستخدم دون أن يكون هناك استجابة أو رداً من جانب المؤسسة الحكومية على استفسارات المستخدم أو أسئلته.وبناء على هذا المعيار، بلغت نسبة المواقع الإلكترونية التي توفر خدماتها، كاملة، على الإنترنت، 21 في المئة، بعد أن كانت 16 في المئة عام 2003، و12 في المئة عام 2002.أما نسبة المواقع الحكومية التي لا تقدم خدمات كاملة على الإنترنت، فبلغت 79 في المئة.جغرافياً، سجلت أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة، فكندا، ثم المكسيك)أعلى رقم في توفير خدمات تنفذ بالكامل على الإنترنت، وكانت نسبة المواقع الحكومية التي قدمت هذه الخدمات 53 في المئة من إجمالي المواقع الخاصة بهذا الإقليم، يليها جزر المحيط الهادي (بنسبة 43 في المئة)، ثم آسيا (بنسبة 30 في المئة)، ثم أوربا الغربية (بنسبة 29 في المئة)، ثم الشرق الأوسط (بنسبة 19 في المئة).ومع النمو المطرد الذي تشهده صناعة الحكومات الإلكترونية، على مستوى العالم بأسره، يلاحظ أن الخدمات الإلكترونية تزداد تعقيداً وتخصصاً عن ذي قبل.إذ تكرس أقطار عديدة من مواقعها لتقديم خدماتها، إلكترونياً، ولا تكتفي بمجرد عرض محتوى معلوماتي عن أجهزتها الحكومية.تايوان وسنغافورة والولايات المتحدة، على سبيل المثال، طورت بوابات ضخمة تعمل كعبارات ينتقل منها المستخدم إلى كافة الخدمات الإلكترونية، وتوفر له أدلة تنقله إلى مختلف المؤسسات والأجهزة الحكومية، على اختلاف مهامها وخدماتها.وكردة فعل طبيعية للانتشار الكاسح لخدمة الرسائل القصيرة SMS التي يتداولها الأفراد عبر أجهزة الهواتف المحمولة، شهدت الخدمات الدولية تطورا واهتماماً كبيرين داخل المواقع الحكومية.مثلاً، أكثر المواقع التابعة للحكومة النرويجية تحوي بيانات إرشادية لمواطنيها حول كيفية استخدام الرسائل القصيرة في الاتصال بمختلف المصالح الحكومية.فيما تعتمد مواقع حكومتي الكونغو وسنغافورة الرسائل القصيرة كوسيلة للاتصال بالمسؤولين الحكوميين.
اهتمامات خاصة
من زاوية أخرى، لاحظ التقرير أن هناك اتجاها من جانب المواقع الحكومية نحو الاهتمام بالمعوقين، خاصة بعد الطفرات الواسعة التي شهدتها تقنيات صناعة مواقع الويب وتصميمها.مثلاً، الموقع الخاص بوزارة الداخلية الفنلندية يوفر خياراً يسمح بتكبير حجم الخطوط المستخدمة في الموقع حتى يتسنى للمستخدمين الذين يعانون من ضعف البصر قراءة المحتوى بسهولة، فيما توفر المواقع السويدية نسخاً صوتية من المعلومات والنصوص الموجودة داخل مواقعها.كما تعرض مواقع عديدة ، كالموقع الخاص برئيس الوزراء البريطاني، روابط إلى معلومات برنامج «بوبي» Bobby Program، والذي يوفر آلية للتأكد من إذا ما كان الموقع متاحا للاستخدام من جانب المعوقين.كما تعمدت مواقع أخرى تقديم مجموعة من الخدمات الغريبة والفريدة.فالموقع الخاص بوزارة الخارجية اليونانية، مثلاً، يوفر لزائريه خياراً لتعلم اللغة اليونانية الأساسية، بينما بوابة الحكومة البولندية توفر ارتباطاً إلى عروض فيديو حية لطيور اللقلق التي تشتهر بها بولندا. فيما لجأت أقطار أخرى إلى توظيف مواقعها العامة في تشجيع مواطنيها على تقوية العلاقات العاطفية الرومانسية، ففي حين أن بعض مواقع الحكومة المغربية توفر إعلانات مبوبة تحتوي على أقسام خاصة للأفراد، نجد أن بوابة الحكومة السنغافورية توفر موقعاً باسم Love Byte، وهو موقع مخصص لإعطاء مواطنيها الفرصة «للعثور على شريك الحياة» على الإنترنت».
ورغم توافر التقنيات المتقدمة في تصميم المواقع، لا يزال هناك عدداً كبيراً من المواقع الحكومية التي تعاني من إشكاليات فنية عديدة تجعلها تبدو مواقع بدائية.فالموقع الخاص بالحكومة التنزانية يحوي عددا كبيراً من الروابط التالفة broken links، كما يتمكن «الهاكرز»من اقتحام المواقع السياحية التابع لزامبيا.أما في موقع وزارة الزراعة والري التابع لدولة مالاوي، فيحوي رابطاً إلى «تقارير الأمن الغذائي» وعند استخدامه، يجد المستخدم نفسه أمام إعلانات تجارية تروج لمواد إباحية.
لاحظ التقرير أيضاً أن هناك تفاوتاً كبيراً في «عدد» الخدمات التي توفرها المواقع الحكومية.ويعد الموقع الخاص بالحكومة السنغافورية الأكبر عدداً من حيث عدد الخدمات التي يقدمها، يليه موقع الحكومة البحرينية، ثم الصين، فجزر البهاماس، فالولايات المتحدة، فهونج كونج، فأستراليا، ثم نيوزيلندا .
الخصوصية والأمن
* توفير بيانات واضحة حول سياسة الموقع تجاه الأمور المتعلقة بالخصوصية والأمن تعد من أهم الأصول وأكثرها قيمة، خاصة أنها تهدئ من مخاوف مستخدمي الخدمات التي توفرها الحكومات على الإنترنت.بشكل عام، المواقع الحكومية التي توفر بيانات تتعلق بهذين الجانبين الحساسين، عددها قليل للغاية.فالمواقع التي توفر شكلاً أو آخر من سياسات الخصوصية لا تتعدى نسبتها 14 % (كانت 12 % عام 2003)، أما المواقع التي تبرز سياسات أمنية واضحة، فلا تتجاوز نسبتها 8%. وأبرز التقرير حاجة المواقع الحكومية الماسة إلى الاهتمام بهذين الجانبين، وأخذه على محمل الجد، خاصة أن افتقار المستخدمين إلى الشعور بالأمن أثناء التعامل مع الخدمات والمعلومات التي توفرها المواقع الحكومية يعيق إلى حد بعيد من نمو هذه المواقع وتطورها.
أما أبرز المواقع التي تهتم بسياسات الخصوصية، فكانت تلك التابعة لحكومة مالطا، تليها مواقع جزر البهاماس، ثم سانت فينسنت، ثم توجو، ثم الدومينيكان، ثم العراق (حصلت مواقع هذه الدول على درجة 100% في الجانب الخاص بالخصوصية)، ثم أستراليا، فسنغافورة، ثم كندا، ثم الولايات المتحدة.
أما الجانب الأمني، ورغم أهمية اعتباراته وإجراءاته في العالم الافتراضي، يتفاوت حجم الأهمية التي تتعامل بها أغلب المواقع الحكومية مع هذا الجانب الحساس.أما أكثر الدول اهتماماً بعامل الأمن في مواقعها، فهي العراق (100 %)، ثم سنغافورة (93 %)، ثم الولايات المتحدة (67 %)، ثم تايوان (54 %)، ثم بريطانيا (41 %)، ثم الصين (35 %)، ثم سانت لويس (25 %)، ثم بيلز (25 %)، ثم ألمانيا (23 %)، ثم أستراليا (23 %).
ولدى تقويم الجوانب المختلفة لعاملي الخصوصية والأمن، اهتم التقرير بتقويم وتحليل محتوى البيانات الخاصة بهذين العاملين. ففي سياسات الخصوصية، درس التقرير عدة خصائص، منها: حظر تسويق معلومات الزائر تجارياً، استخدام ملفات الكعك cookies أو الملفات الشخصية للزائرين، الإفصاح عن المعلومات الشخصية للمستخدم دون الحصول على موافقة مسبقة منه. بشكل عام، أبرز التقرير ضعف اهتمام أغلب المواقع الحكومية بسياسات الخصوصية؛ إذ تحظر 6 % من المواقع فقط ملفات الكعك، و10 % تمنع المشاركة في المعلومات الشخصية للزائرين، و8 % تمنع مشاركة المعلومات الشخصية مع الجهات القانونية أو القضائية. أما فيما يتعلق بالأمن، لم تتجاوز المواقع التي أشارت إلى استخدامها لبرامج مراقبة المرور داخلها نسبة 9 %.