ربما تجمعهم مرحلة عمرية واحدة في عطلة صيفية واحدة إلا أنهم يختلفون في نظرتهم إليها فلكل منهم رؤية تختلف عن الآخر كما تختلف مواقف أولياء الأمور أيضا من هذه الإجازة السنوية .
ففي حين يراها البعض أنها فرصة للتحرر من الأعباء وما يقيد حرية الأبناء وعليهم الاستمتاع بأوقاتهم قدر ما يشاؤون في النوادي والمقاهي والرحلات الترفيهية.
نرى في الآن نفسه من يجد فيها فرصة للكسب والعمل لتأمين ولو جزءاً يسيراً من متطلبات الحياة التي باتت فوق حد الاحتمال فأي الاتجاهين هو الأقرب الى الصواب وما مدى انعكاس كل منهما على شخصية الأبناء وتطلعاتهم وقدرتهم على متابعة تحصيلهم العلمي.
من تجاربهم كان هذا الاستطلاع
لا ضير من العمل?
رباح سعد الدين تعمل ابنتها في العطلة الصيفية وترى أن لهذا الأمر سلبيات وأيضا له ايجابياته ولكن توجيه الأهل ومتابعتهم قد يخفف من حدة السلبيات ولا يضير الشاب اليافع أو الفتاة إن عملا في العطل الدراسية فهذا أجدى لهما من تضييع الوقت هنا وهناك وما أكثر العائلات التي هي بأمس الحاجة للمساعدة ولو كانت بسيطة, فعمل الابن قد يساهم باكتفائه الذاتي في تخفيف عبء الأهل ولكن إذا ما تحول الأمر الى ترك الدراسة من أجل العمل فهنا يتوجب على الأهل الأخذ بزمام الأمور واعادتهم الى جادة الصواب.
يمنحه ثقة ويكسب خبرة
لن أذهب بعيدا فابني البالغ من العمر خمسة عشر عاما وهو في الصف العاشر يعمل في محل لبيع الالكترونيات فرغم رفضه الشديد بداية لفكرة العمل وأن العطلة الصيفية هي فقط للاستمتاع وقضاء الوقت بين اللهو واللعب أجده الآن أكثر التزاما وتعلقا بالعمل وخصوصا أنه يقترب كثيرا من طبيعة دراسته في الثانوية الصناعية اختصاص الكترون ما منحه شعورا بالرضى وأن هذه الخبرة ستؤهله ليكون رجل أعمال ناجح في المستقبل وقبل ذلك أكثر دراية ما يدفعه للتفوق في دراسته والتميز بين أقرانه اضافة الى اكسابه معنى الالتزام بمواعيد العمل والحفاظ على أسراره والسعي الى تطويره.
وفوق هذا وذاك فثمة رصيد مالي بين يديه يمنحه فرصة في الاستمتاع وتلبية احتياجاته ولو بجزء يسير منها.
للعمل وجوه أخرى
محمود شاب صغير التقيته على مدخل أحد المطاعم وقد التف حوله الأطفال ليرسم لهم على وجوههم بالألوان المائية رسوما تبهجهم وتجعلهم يتقمصون شخصيات يحبونها ويتقاضى مقابل كل رسم مبلغا يتراوح بين 50-75 ل.س رأسماله قليل من الماء وبعض الألوان المائية ولحظات قليلة واللوحة جاهزة.
وعند سؤاله عن مزاولته لهذا العمل قال انهيت التعليم الأساسي العام الماضي وأنا الآن في الصف العاشر لكني لا أنوي العودة الى المدرسة لأن المعلمين لا يعرفون غير الشتم والضرب, والعمل في رأيي أكثر جدوى.
المهم أنني أكسب كل يوم مبلغا جيدا ربما يكون أساسا لمشروع قادم.
ولسلمان رأي آخر فالعمر ما زال في أوله فلم نتعجل العمل ألا يكفي الجهد الذي نبذله في الدراسة طيلة أيام العام الدراسي أليس من حقنا أن نستمتع بعطلتنا المشروعة التي وجدت أصلا لتكون متنفسا لنا من كل قيد أو التزام فالحياة ليست عمل ودراسة فحسب بل هناك التسلية والرحلات ومصاحبة الأصدقاء.
إذاً بين مؤيد للعمل في العطلة الصيفية وآخر يرفض, ماذا يقول اختصاصيو علم الاجتماع?
يختلف الأمر باختلاف الغايات
يفصل د. أحمد الأصفر رئيس قسم علم الاجتماع بين نوعيي من العمل لدى الشباب في العطلة الصيفية أولها من أجل الكسب المادي وهذا غير مرغوب فيه لأن الأجر سيكون ضئيلا لا يفي حتى بمصروف الفتى اليومي.
والنوع الآخر عندما يسعى أرباب الأسر لاكساب أبنائهم مهارات وخبرات لا يمكن أن يكتسبوها من المدرسة أو من المراحل اللاحقة للتعليم, فالتعرف على ظروف العمل وملابساته وظروف الحياة ومعاناتها فهذا الأمر يكون مفيدا ولكن لا يعني أبدا أنه الأسلوب الأفضل لقضاء عطلة الصيف, فثمة شريحة من الآباء تفضل متابعة أبنائها لدورات تقوية أو نشاطات ترفيهية وهذه إحد المنافذ الايجابية أيضا ولها مردود نفسي واجتماعي مهم على الفرد.
ويضيف د.الأصفر إن من أسباب انتشار عمالة الأبناء والفتيان في فصل الصيف هو احساس عدد كبير من الآباء والأبناء بضعف الجدوى من متابعة التعليم الى ما بعد الثانوية العامة وخصوصا عندما لا يحقق درجات عالية, فالتعليم قد لايسعفه في تأمين مستقبل جيد ودخل جيد إذا علمنا أن ظروف العمل الوظيفي في تناقص وظروف العمل في القطاع الخاص لم تجد شعبيتها كما يجب لذا يسعى الأهل لتهيئة أبنائهم لأعمال حرة يمكن أن تكون بديلا عن متابعة التعليم.
إذاً وضمن هذا السياق لا يمكن الحكم على عمل اليافعين بالمطلق أنه ايجابي أو سلبي فالأمر يختلف باختلاف الغايات التي ينطوي عليها العمل وباختلاف السياق الاجتماعي الذي يأتي ضمنه.
فاتن دعبول