مشاكل الجهاز الهضمي شائعة جداً بفعل ظروف الإجهاد والضغوط التي نعيشها ، وهي لا تدعو جميعها للقلق عندما تختفي الأعراض بواسطة الأدوية الخفيفة .
واحد من بين كل ثلاثة أشخاص لا بد وأن يقع فريسة آلام المعدة ، وهذه المشاكل تكون غالباً خطرة لكنها تستدعي استشارة طبيب عندما تستمر الأعراض او تتكرر بانتظام ، بدءاً من التشنجات إلى الحموضة أو حرقة المعدة أو القرحة .
وجبات ثقيلة ، ضغوط في العمل ، مشاكل عائلية ، مالية ، إجهاد .. كلها ظروف كفيلة بالتأثير سلباً على عملية الهضم والتسبب بمشاكل في المعدة . عادة ما ينقبض هذا العضو بشكل طبيعي إلى الحد اللازم الذي يمكنه من عجن الطعام وتحليله بواسطة عصارة المعدة ، وهي مرحلة أساسية تسمح لاحقاً بامتصاص الطعام في الأمعاء الدقيقة .
تتألف العصارة التي تفرزها المعدة يومياً من مزيج من الأنزيمات الهضمية وحمض الكوليردريك ، فمحتوى المعدة هو إذاً أسيدي أي حامضي ، لكن الطبيعة وهبتنا وسائل الحماية . ومن سر الخلق أن المعدة تتكون من طبقة مخاطية تعزل الحامض ، وزودتها في قسمها الأعلى بملقط صغير يمنع الدفق المعاكس أي صعود الحوامض نحو الفم . ولكن للأسف ، فإن هذا التنظيم الدقيق يخرق احياناً من جراء عادات غذائية سيئة أو تراكم الإجهاد ، فتظهر سلسلة من المشاكل المزعجة التي تتراوح بين الخفيفة وغير المحتملة ، والتي قد يؤدي إهمالها إلى تفاقم وظهور أمراض حقيقية .
أولاً : تخفيف حدة حموضة المعدة :
الإحساس بالحموضة وهو عموماً مؤشر لارتداد الطعام من المعدة إلى المريء ويعاني من هذا الخلل الوظيفي 40 في المئة من عامة الناس على الأقل بصورة مرحلية . تكفي الأدوية المتوافرة في الصيدليات من دون وصفة طبية لعلاج هذه الحالة ، ولكن يجب الانتباه ، فقد تتطلب الحالات الحادة تدخل اخصائي في الجهاز الهضمي .
– أسبابها :
تربط عودة الطعام من المعدة إلى المريء بسوء أداء في الجهاز المضاد للارتداد . ولأسباب مازالت غير واضحة بعد ، عائدة إلى استعداد فردي ، ترتخي العضلة القابضة (Sphincter ) في اسفل المريء بشكل مؤقت أو طويل الأمد ، ولا تؤمن انفصالاً فعالاً بين الفجوتين . ويترافق هذا النقص مع خلل في الحركة الهضمية وحساسية مفرطة في مخاط المريء وقد ينجم الارتداد أيضاً عن فتق في القسم الأعلى للمعدة
– الأعراض المنبهة :
يظهر الارتداد بارتفاع أو صعود الحوامض الذي يسبب آلاماً خفيفة إلى متوسطة في 70 في المئة من الحالات . وتحفز وضعية الانحناء إلى الأمام أو الاستلقاء مباشرة بعد الطعام هذا الارتداد ، لكن يجب الانتباه إلى إشارات أخرى يعتقد البعض أنها أيضاً ناجمة عن المعدة مثل الدوار ، فقد ينجم عن ألم في الأذن أو الحنجرة ، ضيق النفس والسعال الليلي (مرده مشكلة في الرئتين ) ، وأيضاً ألم أعلى المعدة وخلف القفص الصدري (و قد يكون مؤشراً إلى مشكلة في القلب ) . علاج حموضة المعدة بسيط ، لكن إهمالها قد يؤدي في المدى الطويل إلى التهاب حقيقي في المريء خصوصاً في حال وجود فتق في المعدة . وفي هذه الحال يسمح الوصف الدقيق للأعراض للطبيب بتحديد التشخيص الصحيح ، ويطلب في حالات الشك إجراء فحوص تكميلية مثل التصوير بواسطة المنظار Gastroscopie ، يتم إدخاله عبر الفم الى المعدة وتسجيل تقنية الـ Phmetrie .
– العلاجات الفعالة :
أول خطوة وقائية يوصي بها أخصائيو الهضم هي عدم الاستلقاء مباشرة بعد تناول الطعام ، ورفع الرأس إلى أعلى ما أمكن .
وينصح أيضاَ بالإقلاع عن التدخين والكحول ، وخسارة الوزن الزائد ، وتجنب تناول الدهون والأطعمة التي تحفز الحموضة . في حالات الأعراض الخفيفة ، بالإمكان الاستعانة بالأدوية التي تباع في الصيدليات بشكل حر أي بدون وصفة طبية وهي تشكل نوعاً من الغشاء الحامي فوق سائل المعدة ، فتصعد هي أولاً إلى المريء خلال الارتداد أما الطبيب فيستطيع ان يصف الأدوية التي تسرع في تفريغ المعدة أو تفرز قوة العضلات في المريء ، مثل عقاري Prepulsid Motilium وفي حالات التهاب المريء يمكن اختيار الأدوية التي تقلص إنتاج الحامض في المعدة ، مثل الـ Azantac و Tagamet و الـ Mopral ، وتسهل هذه الأدوية اندمال الجروح الناجمة عن الفتق أو الالتهاب من دون أن تعالج الارتداد ، لذا فإن احتمالات عودة ظهور الأعراض شائع جداً بعد التوقف عنها .
– ما هي الأدوية الجديدة المضادة للحموضة ؟
تتوافر حالياً في الأسواق ومن دون وصفة طبية عقارات حديثة مضادة للحموضة ، تحتوي على نوعين من الأملاح هما هيدروكسيد الألمنيوم والماغنيزيوم . وهي كفيلة بتهدئة الألم خلال عشر دقائق ، وتؤخذ على شكل هلام عن طريق الفم من دون ماء . وتقتصر آثارها الجانبية غير المرغوب بها على احتمال الإصابة بالإسهال أو الإمساك . يجب أن يؤخذ مضاد الحموضة هذا بعد تناول الطعام أو خلال موجة الألم ، على فترات متباعدة من أدوية أخرى في حال تناولها ، تجنباً لعدم امتصاصه . في حال استمرار الأعراض يجب استشارة الطبيب .
ثانياً : تهدئة تشنجات المعدة :
عندما تتوقف التشنجات بعد تناول الطعام ، فهي غالباً ما تكون دليل وجود قرحة في المعدة . وأكثر التقرحات انتشاراً تكمن في الإثني عشر ، وهو جزء الأمعاء الدقيقة الذي يلي المعدة مباشرة . في أي حال ، مهما يكن موضع القرحة أو جرح المعدة ، فهو يستدعي علاجاً طبياً لعدة أسابيع .
– أسبابها :
ينشأ التقرح عن تآكل في المادة المخاطية للمعدة ، تؤدي إلى حالات من النزف عندما تكون عميقة . وتشترك عدة عوامل في التسبب بها : فبالإضافة إلى الوجود الشائع لبكتيريا Helicobacter Pylori يأتي أيضاً دور الإجهاد والتبغ وزيادة حموضة المعدة ، كما أن تناول الأدوية المسكنة والمضادة للالتهاب خارج إطار الوجبات هو سبب شائع جداً للقرحة .
– الأعراض المنبهة :
تصمت القرحة خلال الليل وتنشط خلال النهار ، وعادة ما يبدأ الألم بعد ساعتين من تناول الطعام أي عندما تكون حموضة المعدة في أوجها ومن ثم تهدأ بتناول الطعام ، ولكن التشنجات التي ليست على علاقة بالطعام هي أيضاً ممكنة . كما أشرنا ، فإن العناية الطبية ضرورية . وقبل اعتماد أي علاج ، ينبغي إجراء فحوصات مكملة لـتأكيد التشخيص السريري .
والصورة من خلال المنظار التي يتم من خلالها أيضاً استئصال عينة من نسيج المعدة ، توفر في تحديد موضع القرحة والتأكد من وجود البكتيريا المسؤولة .
– العلاجات الفعالة :
يعتمد العلاج عدة اتجاهات : يكون الهدف الأول والمباشر إيقاف الألم من خلال وصف أدوية مضادة للحموضة على مدى عدة أيام ، ومن ثم يجري اعتماد رؤية أخرى ( لا يكون تأثيرها مباشر ) من النوع المضاد للإفرازات الحمضية لمدة لا تقل عن ست اسابيع . عند التأكد من وجود بكتيري من خلال استئصال عينة النسيج المعوي ، يستكمل العلاج بنوعين من المضادات الحيوية Anitbiotic لمدة 8 أيام .
ثالثاً : تجنب حرقة المعدة :
قد يؤشر تكرار الإحساس بالحرقة في باب المعدة إلى وجود التهاب في المعدة Gastrite ، وهذه الحالة هي أكثر شيوعاً من القرحة وقد تكون حادة ومزمنة .
– أسبابها :
ينجم الالتهاب عن أسباب متعددة ويصعب تحديدها احياناً ، وهو نتيجة التآكل السطحي للمادة المخاطية للمعدة ، والسبب نقص موضعي في جدار المعدة لحمايتها بشكل كاف فعال من الحموضة . كما ينجم الالتهاب عن تناول بعض الأدوية والإجهاد المفرط . وتحفز نوبات بعض الالتهاب المزمن عوامل متعددة منها التبغ والكحول ، أو أسباب متعلقة بالجهاز المناعي الذي ينتج مضادات أجسام ضد المعدة .
– العلاجات الفعالة :
أولاً يعتمد إلى تخفيف الألم بواسطة ضمادات خاصة للمعدة ، وحمية غذائية خالية من العناصر المهيجة ( مثل الكحول ، التبغ ، البهارات ، المقالي .. ) يشفر الالتهاب الحاد بسرعة ، أما المزمن فيتطلب علاجاً أطول . وفي حال الالتهاب من نوع Biermer يعطي المرضى حقناً من الفيتامين B12 .
ما هو رد الأخصائيين على الأسئلة التالية ؟
· أليس من شأن الأدوية المضادة للحموضة إخفاء عوارض قرحة محتملة ؟
كلا ، لأن هذه الأدوية ليست قوية ما يكفي لذلك . ومن خلال تخفيض فائض الحموضة مؤقتاً لا يتجاوز مفعولها تهدئة الحموضة ، لكنها تبقى من دون تأثير على إصابات القرحة . إذا لم تلاحظ انخفاضاً في حدة الألم ، أو تكررت النوبات عدة مرات في الأسبوع ، يجب استشارة طبيب .
· هل بالإمكان التخلص نهائياً من ارتداد الطعام إلى المريء ؟
عندما تتكرر الأعراض بعد توقف الدواء ، بشكل يومي ومزعج جداً ، قد يقترح الطبيب تدخلاً جراحياً بعد تقييم شامل لكل حال . ومن شأن هذه الجراحة ، التي تطورت أخيرا من خلال اعتمادها على تقنية المنظار ، أن تزيل فتق المعدة أو تقوي العضلة العاصرة للمريء من أجل بناء سد فعال ضد عودة صعود الأحمضة . ونسبة نجاح هذه العملية هي تسعة في كل عشر حالات .
· متى تصبح هذه الآلام مؤشراً يشير القلق ؟
إن لم تؤدّ الأدوية الخفيفة المتوافرة في الصيدليات من دون وصفة طبيب إلى نتيجة ، يفترض أخذ رأي الطبيب . وأهم الأعراض التي قد تدل على حالات تستوجب العناية المتخصصة هي مشاكل الهضم ما بعد سن الخمسين ، أو صعوبة البلع أو النزف ، خوفاً من أن تكون مؤشراً لارتداد حاد أو قرحة عميقة أو حتى سرطان في المريء او الأمعاء .