يتواصل الجدل عقب إلغاء “القداس الأسود” لعبدة الشيطان الذي أوشكت جامعة هارغارد الأمريكية الشهيرة على استضافته قبل أيام، وكان قد قيل حينها أن الـ “قداس” يتضمن أيضاً “تدنيس الذبيحة الإلهية”. ثم عادت المجموعة التي أرادت تنظيم هذا الطقس إلى نفي هذا الأمر وقالت: “نحترم الديانات كافة ولا نود أن يشعر أي طرف بالإهانة. نتفهم الدور القوي الذي تتمتع به الإفخارستيا في الدين المسيحي، ولا نرغب بأي شكل في أن يبدو أننا لا نحترم تقاليد هذا الدين”.
وعقب الاستياء الأول من هذا “الإيضاح”، يقودنا التفكير إلى معنى الإفخارستيا وإلى رغبة عبدة الشيطان في شن هجوم على هذا السر تحديداً. ولكي نفهم هذا الأمر بشكل أفضل علينا التذكير بأن هناك نوعين من عبادة الشيطان، هناك حركة “لافي” والتي ينتمي إليها “المعبد الشيطاني” الذي أراد تنظيم “صلاة” جامعة هارفارد، ونتحدث هنا عن مجموعة من الملحدين الذين يستخدمون اسم عبادة الشيطان كوسيلة لاستفزاز المسيحيين، بينما هناك من جهة أخرى الشيطانيون اللاهوتيون، أي من يؤمنون بالشيطان فعلاً ويعبدونه.
إلا أنه وبغض النظر عمن يمارس هذه الطقوس وينظمها، فهناك وجود لقوى الشر، الشيطان هو من وراء هذه الأحداث.
علينا التفكير في قضية أخرى وهي أن عبدة الشيطان، من أي مدرسة أو تيار كانوا، حين يرغبون في السخرية من طقس ديني فإنهم يستهدفون القربان المقدس، وكم هو عدد الكرات التي سمعنا فيها عن استهداف عبدة الشيطان لطقوس هندوسية، أو يهودية، إسلامية أو حتى بروتستانتية؟ ويجب التذكير هنا بأن السخرية الشيطانية هذه من القداس الإلهي ليست بالأمر الجديد، حيث هناك من قام بهذا في القرن الرابع.
لننظر إلى الأمر الآن عبر الكتاب المقدس، ولتقرأ معاً ما جاء في إنجيل متى: ” حينئذ احضر اليه مجنون أعمى و أخرس فشفاه حتى أن الاعمى الأخرس تكلم و أبصر. اما الفريسيون فلما سمعوا قالوا هذا لا يخرج الشياطين الا ببعل زبول رئيس الشياطين، فعلم يسوع أفكارهم و قال لهم: كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب وكل مدينة او بيت منقسم على ذاته لا يثبت، فإن كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته، و ان كنت انا ببعل زبول أخرج الشياطين فأبناؤكم بمن يخرجون؟ لذلك هم يكونون قضاتكم. ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله”. (متى 12، 22-28).
وأليس هذا ما يستمر في إثارة غضب عبدة الشيطان وأتباعه؟
هذا وأعلنت منظمة “معبد الشيطان” في شهر يناير المنصرم أنها تخطط لتشييد صرح لتمجيد “رب الظلمات” في مبنى المجلس التشريعي لولاية أوكلاهوما. وانطلقت حملة تهدف إلى جمع 20 ألف دولار بينما بلغت الهبات حتى اليوم 30 ألف دولار تقريباً. يقوم من جانبه فنان له خبرة في النحت الكلاسيكي في نيويورك بتنفيذ تمثال لـ “باهومت” جالساً أسفل نجمة خماسية مقلوبة يحيط به طفلان في حالة من الولاء. ستنفذ هذه المسودة بالبرونز لدى الانتهاء منها ثم تُنقل ثم تنقل إلى أوكلاهوما حسب ما يتمنى عبدة الشيطان.
ليس هذا الصرح سوى رد على تشييد الولاية صرحا للوصايا العشر أمام مقر حكومتها عام 2012، وقدم نائب الولاية مايك ريتس أمواله الخاصة لهذا النصب وكان هذا ما دفع المعبد الشيطاني إلى تقديم طلب رسمي لوضع تمثالهم.
وحول هذا الأمر قال مسؤول لجنة الأعمال في إدارة الولاية لقناة “سي إن إن” في شهر ديسمبر أنه “يحق للأفراد وللمجموعات أن تطلب وضع نصب او تمثال أو عمل فني وهو ما تقرر اللجنة قبوله أو رفضه” وأضاف: لسوء الحظ أوقفت الولاية منح التصاريح لوضع نصب أخرى حتى انتهاء الدعوى التي رفعها الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية ضد نصب الوصايا العشر.
وخلال تنفيذ الضرح الشيطاني قال الناطق باسم عبدة الشيطان أنه تلقى الكثير من التهديدات من أشخاص يرغبون في الهجوم على هذا التمثال، وأضاف أنه لا يتخيل كيف لهؤلاء “الرجعيين” الاعتقاد أن “بإمكانهم تنفيذ هذا الاعتداء دون التعرض للأذى”. لكن هذا لم يمنع عبدة الشيطان من إعداد نماذج أخرى للتمثال في حال التعرض لهجمات يستبعدون وقوعها.
واصل الناطق أن بإمكان “معبد الشيطان” بفضل بوليصة التأمين على التمثال بناء تمثالين في حال تعرض تمثال واحد للاعتداء، وذلك “للتوسع نحو ميدان معركة آخر” حسب كلماته.
يتوقع عبدة الشيطان الانتهاء من التمثال خلال أشهر قليلة ويقول مسؤولوهم أنه ما أن يتم ذلك حتى سيضعونه أمام واجهة الإدارة بغض النظر عن الدعوى ابقضائية المذكورة، وأضافوا أنهم يرغبون في وضع صرحهم حتى في حال فشل الدعوى ضد نصب الوصايا العشر، مع إدراك ان الحكم ضد هذا النصب سيؤثر على نصبهم أيضا حيث سيعني هذا على الأرجح إزالة العملين.
يضيف الناطق أن دراسة المشروع من وجهة النظر القانونية أكدت أنه “ليس بإمكان الولاية تعريض وجهات النظر إلى التمييز أو التفرقة”، أي أنه “إذا كانوا قد فتحوا الأبواب أمام فكرة، فعليهم فتحها أمام الأفكار كافة”.
يتفق رايان كليسل من الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية مع هذا الرأي، حيث “لا يمكن بعدَ قبول مشروع الوصايا العشر الذي يوجه رسالة دينية مسيحية رفض مشروع معبد الشيطان، أي رفض رسالة “دينية” أخرى”. أما رافضو الصرح الشيطاني فيلعبون ورقة كونه مفتقراً إلى “أية معانٍ تاريخية بالنسبة لأوكلاهوما”. هذا ما عبر عنه نائب آخر من الديمقراطيين مؤكدا: “ما نقوم به في حكومة الولاية هو سن القوانين، والوصايا العشر من بين القوانين الأولى في التاريخ، ومن الأهمية بالتالي التذكير بها”.
أجاب الناطق باسم معبد الشيطان: “الرسالة التي يقدمها صرحنا تتحدث بشكل أكثر مباشرة من الوصايا العشر إلى تشكيل القيم الدستورية للولايات المتحدة، ويقوم صرحنا بهذا بشكل أفضل حين سيكون مواجهاً لصرح الوصايا العشر لأنه سيؤكد أنه لا يمكن لدين واحد التمتع بميزات قانونية”.
يواصل عبدة الشيطان مشروعهم، وإن لم ينته الأمر بتمثالهم في مبنى ولايةأوكلاهوما فسيحاولون إيجاد مكان آخر له، في تكساس ربما، والتي استضاف مقر ولايتها نصباً للوصايا العشر لمدة 40 عاماً.
ألا يدفعنا هذا إلى التساؤل عن المعنى الحقيقية لكلمة “حرية”؟