إن الجلد هو أضخم عضو من أعضاء الجسم , و نظرة خاطفة إليه قد تكشف الكثير عن حالة المريض الصحية قبل أن تتاح له فرصة إيضاح سبب الزيارة .
هنالك مظاهر طبيعية لا تخفى على معظم الأشخاص العاديين .و لكن هنالك أيضا مظاهر لا يستطيع أن يفسرها سوى الطبيب المطاسي . فعلى سبيل المثال تدل التجاعيد حول العينين , و التي تسمى أقدام الغراب , مقرونة باصفرار أصابع الشخص , على أنه من المدخنين . و إذا لاحظ الطبيب سماكة في جلد الكاحل و العنق مع شيء من التجدد , فانه يعرف أن المريض كان قد قضى وقتا طويلا يعمل في العراء . و تهدل الجلد و تجعّده علامة على أن المريض قد ساعات طويلة لاهيا على شاطئ البحر أو ممارسا رياضة خلوية في الهواء الطلق وتحت أشعة الشمس . و إذا كان المريض في الستينات من عمره فان تجاعيده تظهر بحكم التقدم في السن فحسب .
و انعدام التجعيد في وجه شخص في هذا العمر , قد يدل على احد أمرين : إما أنه قد أجرى عملية تجميل كبرى أو أنه مصاب بمرض جلدي روماتيزمي يسمى ” تصلب الجلد ” ( Scleroderma ) و هذا المرض من الأمراض المنيعة الذات ( Autoimmune) , و هو أكثر انتشارا بين النساء اللواتي يكون بدء هذه الحالة عند بلوغهن 30-50 عاما . إن زيادة في إنتاج المغراء ( الكولاجين ) تسبب غلظ الجلد أو تصلبه , وهذا يضفي على الشخص المصاب منظرا شبابيا و وهميا .
و الشيخوخة الضوئية ( photoaging) , هي التلف الذي يحصل للجلد بفعل أشعة الشمس فوق البنفسجية , و تجعل للشخص المصاب بشرة مختلطة الألوان بين صفرة و خضرة و زرقة , و تبقعا جلديا . و فضلا عن ذلك فإنها تجعل جلد الوجه و الذراعين و الساقين و الظهر , يبدو خشنا و كثير التجاعيد . والواقع هو أن معظم التجاعيد التي تظهر على الشخص , يمكن ردّها مباشرة إلى كثرة تعرّضه لأشعة الشمس . فهذه الأشعة تذيب النسيج المرن الواقي , و مرور سنوات في محاولة اكتساب السمرة , يؤدي في النهاية إلى ترهل الجلد . إن ذلك هو عادة مسألة تجميلية , و لكنها قد تحمل الطبيب على التدقيق في فحص الجلد خشية أن يكون الشخص مصابا بسرطان جلدي .
المصافحة النمّامة
عندما يصافح الطبيب أحد المرضى فانه يستطيع على الفور معرفة ما إذا كانت في جلده زيادة في التجفف أو الرطوبة , و الحالتان كلتاهما يمكن أن تكونا إشارة دالة على إصابة بمرض يخص الغدة الدرقية . هذه الغدة عبارة عن نسيج صفير يشبه الفراشة و يلتف حول الرغامى تحت “تفاحة آدم ” مباشرة . وهذه الغدة ( واسمها الطبي الحرقدة ) تفرز هورمونات تعمل على تنظيم الاستقلاب و القوة العضلية و تنظيم أعمال كثير من وظائف الأعضاء الكبرى بالجسم . و قد تنجم المشاكل الدرقية عن إفراط أو تفريط في إنتاج هذه الهورمونات .
كيف يتسنى للطبيب أن يعلم بوجود مشكلة درقية ؟ عندما تكون الغدة الدرقية مقّلة في إنتاجها الهورموني , و هي الحالة المرضية المسماة ” القصور الدرقي ” فان عملية الاستقلاب بالجسم تتباطأ , و عندها تحل بالمريض عدة أعراض مثل البدانة و الشعور الدائم بالانحطاط و النعاس . أما الجلد فيصبح كثير الجفاف مصابا بانتفاخ و كثرة حراشف خشنة . كما أن هناك اضطرابا درقيا آخر يدعى ” مرض غريفز ” و هذا يسبب زيادة في الافراز الدرقي أو ” فرط الدرقية ” ( Hyperthyroidism) و أعراض هذا المرض تشمل سرعة الانفعال و العصبية و انفتاح شهية و غزارة تعرق و شدة رطوبة الجلد , و انخفاض وزن .
دلائل جلدية أخرى
كذلك فان الجلد يطلق جملة إشارات دالة على حالات طبية أخرى . فالشخص المصاب بالداء السكري مثلا , يمكن أن تظهر على قصبتي ساقيه بقع بنية داكنة . و مشاكل الكبد , مثل التهاب الكبد ( B ) أو ( C) أو تشمع الكبد ( Cirrhosis) يمكن أن يضفي على الجلد لونا غير طبيعي أصفر مائلا إلى البرتقالي . و من العلامات الأخرى الدالة على احتمال الإصابة بمرض كبدي , ظهور أوعية دموية صغيرة تشبه عناكب حمراء على بطن المريض . و برودة اليدين و تبدل لون اليدين , هي إشارة إلى وجود أعراض مرض رينو ( Raynaud’s) وهو مرض له صلة باضطرابات روماتيزمية مثل التهاب المفصل الرثوي و الذأب . وفي هذه الحالة تتضيق الشرايين الصغرى في أصابع اليدين و القدمين و ينقطع التدفق الدموي مما يسبب تحول لون الجلد من البياض الى الزرقة و أخيرا الى لون أحمر بصورة بقع و هي حالة تدوم بضع دقائق و يمكن قلبها بسرعة عن طريق تدفئة الجلد و هناك نوبات شديدة من هذا المرض يمكن أن تستمر لبضع ساعات , و لكنها لأقل حدوثا .
بعض المرضى يندهشون عندما يقال لهم ان ما يظنون أنه مجرد حرقة شمسية على وجوههم , انما هو في الحقيقة إصابة جلدية تسمى” العد الوردي ” ( Rosacea) . و هي التهاب مزمن للجلد يصيب عادة الجبهة و الذقن و النصف السفلي من الأنف و أكثر الناس احتمالا بأن يصابوا بهذه الحالة هم الأشخاص الراشدون من ذوي الشعر الأشقر و البشرة البيضاء , وأكثر هؤلاء هم من النساء بين الثلاثين و الستين من العمر . و إذا أصيب الرجل بالعد الوردي فان إصابته تكون أعنف .