تعني محاولة الطائرة “سولار إمبلس 2” الطيران حول العالم اعتماداً على الطاقة الشمسية بذل جهود مضنية، وبيئة عمل ضيقة، وغير صحية للطيارين. الصحفي العلمي “ستيفن داولينغ” يحقق في ذلك الأمر.
تصور نفسك وأنت تعمل في مكتب يكفي فقط لتمدد فيه جسدك، لكنه مكان ضيق لا يكفي للوقوف فيه. وكان عليك أن تعمل في ذلك المكان طيلة ساعات اليوم، وأن تغفو فيه ولو لدقائق معدودات كلما استطعت. وكان هذا المكتب في نفس الوقت هو مطبخك، وغرفة طعامك، ومحل نومك، وكذلك مرحاضك.
إن حجم قمرة القيادة الضيقة هذه لا يتعدى أربعة أمتار مكعبة، ولكنها ستكون بالنسبة للطيار السويسري “أندريه بوشبيرغ” مسكنه لخمسة أيام لاحقة وهو يقود طائرة “سولار إمبلس 2” من اليابان إلى جزر الهاواي.
إنها أول طائرة في العالم تعمل كلية بالطاقة الشمسية. وستكون هذه الرحلة هي أحدث جولة ضمن مهمة للتحليق حول العالم دون استخدام أي مصدر للطاقة غير تلك المولدة من أشعة الشمس.
سيستلقي “بوشبيرغ” على مقعد خاص، وينحني إلى الخلف ليتيح له ذلك إجراء تمارين لساقيه كلما دعت الحاجة إلى ذلك. وقد بُني ذلك المقعد ليكون أخف وزنا قدر الإمكان. وصنع المقعد أيضاً ليشمل مرحاضا للطيار عندما يحتاج إليه خلال تحليقه الماراثوني على ارتفاع 28,000 قدم (8,484 متر) فوق الجزء الشمالي من المحيط الأطلسي.
إن مشكلة الوزن هي مصدر قلق بالغ في طائرة تعتمد فقط على الطاقة الكهربائية المولدة من أشعة الشمس. هناك 17 ألف لوحة خاصة لتوليد الطاقة على الطائرة، وحتى مع كل هذه اللوحات، فإن السرعة القصوى للطائرة لن تتعدى 87 ميلاً في الساعة (140 كليومتراً في الساعة).
وتقطع طائرات نقل المسافرين تلك الرحلة عادة في ثمانِ ساعات وبضع دقائق.
أما “بوشبيرغ” فمن المتوقع أن يقطعها في 120 ساعة. إن طائرة “سولار إمبلس 2” مزودة بعازل حراري خاص للتعامل مع التقلبات التي لا تصدق في درجات الحرارة والتي تصل ما بين 40 درجة مئوية إلى 40 درجة مئوية تحت الصفر.
إن ملاح الجو السويسري هو الأخير في قائمة طويلة لطيارين توجب عليهم تحمل كافة أنواع الصعاب والاحباطات الجسمانية ليجدوا مكاناً لهم في سجلات الأرقام القياسية.
كان “تشارلز لندبرغ” أول شخص يعبر المحيط الأطلسي منفرداً على متن طائرة في عام 1927. وقد توجب عليه القيام بذلك في طائرة بدون نوافذ أمامية. ولكي يرى طريقه، كان عليه أما أن يستعمل منظار الأفق، أو تغيير إتجاه الطائرة قليلاً إلى الجهة اليمنى أو اليسرى ليخرج رأسه من النافذة الجانبية.
وقد قامت زميلته النيوزيلندية “جين باتن”، الريادية في الملاحة الجوية، بتثبيت مرحاض على متن طائرتها “جيبسي موث” لتلبية نداء الطبيعة في أعالي السماء فوق السحاب.
كتبت “ماري غاردن”، إبنة الطيار الطليعي “أوسكار غاردن” ما يلي: “تم تثبيت سوستة خاصة على بدلة طيرانها بحيث تستطيع، بعد إجراء حركات معينة، أن تقضي حاجتها أثناء التحليق. أعطي المهندسون تعليمات بعدم ذكر البدلة الغريبة لكائن من كان.”
توجب على الطيارين، حتى في عصر الطائرات النفاثة، أن يقوموا بمهمات ماراثونية لاختبار قدراتهم على التحمل. فالطيارون الذين قادوا طائرات “يوـ2” التجسسية، التي دخلت الخدمة الفعلية في الولايات المتحدة الأمريكية في خمسينيات القرن الماضي، قاموا بمهمات تحليق تصل إلى 12 أو 13 ساعة متواصلة.
كان عليهم، طيلة وقت الرحلة هذه، أن يظلوا يرتدون بدلات مضغوطة واقية لا تختلف كثيراً عن تلك التي يرتديها رواد الفضاء.
ولتلك البدلة كيس خاص مصمم لحفظ البول. أما الخوذة فلها فوهات صغيرة خاصة تتيح مرور أنابيب الطعام والشراب لكي يتناولها الطيار أثناء المهمات الطويلة.
وكانت ترتيبات قائدي طائرة “لوكهيد إس آرـ71 بلاك بيرد” مشابهة، حيث كان على طائرة تجسس الحرب الباردة هذه أن تحلق بسرعة تفوق سرعة الصوت بثلاث مرات.
ومن بين الطيارين الذين قادوا هذه الطائرة الكولونيل “ريتش غراهام”، والذي صرح لـ”بي بي سي فيوتشر” عام 2013 بأنه وجد طريقة مبتكرة لتسخين الطعام أثناء التحليق، وبدون الحاجة إلى فرن.
وقال في ذلك التصريح: “إكتشفت حيلة لأقوم بها. كنت أملأ أنبوب الطعام وألصقه بزجاج النافذة الأمامية للطائرة ـ عندما تصل سرعة الطائرة إلى 3.2 ماك (أضعاف سرعة الصوت) فإن الحرارة الخارجية تصل إلى 622 درجة فهرنهايت (328 درجة مئوية) أما الحرارة الداخلية فربما تصل إلى ما بين 300-350 درجة فهرنهايت (149-177 درجة مئوية).
كنت أقوم بذلك لمدة دقيقة ونصف على الجانبين وأعصر الأنبوب لأضبط درجة حرارة الطعام. بهذه الطريقة، كنت أتناول غذائي ساخنا مقارنة بما كان في السابق، أي وهو بارد. هناك في الأعالي، تبتكر أموراً بشكل عفوي، وقد كان ذلك فرني الخاص أثناء التحليق.”
من غير المحتمل أن تطير “سولار إمبلس 2” بسرعة كبيرة بما يكفي لتتيح للطيار “بورشبيرغ” أن يحاول القيام بذلك.
ستيفن داولِنغ
صحفي علمي – بي بي سي