الطلاق..ذاك الشبح الرهيب الذي يظل ويبيت متربصا بالبيوت لينتظر لحظات جنونية…لينقض بكل وحشية وبكل ما تحمله الواقعية من اعتداء على الرغبات والآمال والأحلام..ويضع حدا لعلاقة تفنن طرفاها قبل ذلك في رسم معالمها ودروبها ووضعها على السكة الصحيحة…ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن و يحدث الطلاق .. لكن لماذا؟
هل للظروف الاقتصادية دخل في ذلك؟ أم أن طاقة التحمل لم تعد كما كانت أيام زمان؟ أم أن مدرسة الزواج فقدت مصداقيتها؟ أم أن الاستهتار والتلاعب تسرب أيضا لهاته المؤسسة ليفقدها قدسيتها وهالتها؟ أم…؟
في الأيام الاولى من الزواج تكون الأمور أكثر شاعرية وأكثر حب و حميمية، وكل شيء يكون مثاليا، ولكن مع مرور الأيام و الشهور و السنوات، تبدأ الحميمية تخبو والدفء يقل وشيئا فشيئا تتغير المعالم، وذلك إما بسبب المشاكل التي تبدأ بالزحف على الشريكين وتحيطهما من كل جانب، أو ربما لأن كل شيء فقد لمعانه وبريقه وحرارته بمجرد تعايشهما مع بعض وزوال تلك الهالة التي كانت تحيط بكل واحد منهما، ولكن ماهو السبب الحقيقي وراء ذلك؟ هل انتهى ذلك الحب وتلاشى للأبد؟ أم أنه ما زال موجودا لكن وهج الحياة وإيقاعاتها جعله يخبو ويستتر في الظل؟ حتى تتضح الصورة أحسن، كان لزاما أن تأخذ “منارة” بعض الآراء لبعض الأزواج الذين إما استسلموا للأمر وتركوا الحياة ومشاكلها تفعل بهم ما تفعله ويضعون حدا لحياتهم الزوجية، وإما لأزواج استطاعوا أن يتحديا كل الصعوبات ويحافظا على بعضهما البعض وعلى علاقتهما مع بعض.
السيدة مليكة، جميلة وكل شيء فيها ينطق بالأنوثة والأناقة، لم تتجاوز العقد الثاني من عمرها، لكنها مطلقة وأم لبنت في الرابعة من عمرها، تحدثت لنا قائلة: “تزوجت وسني لم يتجاوز الخامسة عشرة بعد، في البداية مانع أبي، لأني كنت صغيرة كما أني كنت أحلم بإكمال تعليمي وحصولي على وظيفة راقية، لكن أمام إصرار أهل زوجي، وافق أبي، خصوصا أن زوجي كان من عائلة محترمة وميسورة الحال، صحيح أن زوجي لم يكن لديه مشروع أو شيء خاص به، لكنه كان يشتغل مع أبيه كما هو الشأن بالنسبة لباقي إخوته. المهم تزوجت به، وأصر أن أعيش مع أمه وأخواته، حتى أتعلم الكثير عن الحياة الزوجية لأني صغيرة ولا أتقن بعد كيفية التعامل مع الزوج ولا أعرف شيئا عن الحياة الزوجية، وافق أبي وذهبت للعيش معهم…و بعد مرور أقل من شهر بدأت المشاكل تنهال علي من كل حدب وصوب، تارة مع أمه التي كانت دائما تصفني بأني مبذرة وأني أسرف في كل شيء حتى في الأكل والشراب، و تارة مع أخواته اللواتي كن أحيانا كثيرة ينتظرن أن أدخل لأستحم، فيسارعن إلى قطع الماء الساخن و إقفال قنينة الغاز لأخرج وأنا أرتجف من البرد..
وعندما رزقت بابنتي جن جنونهم وأجبروني على تناول حبوب منع الحمل حتى لا ألد ثانية، صبرت كثيرا وتحملت لأنه لم يحصل أن كانت حالة طلاق في أسرتي أو عائلتي، كنت دائما أحكي لأمي ما يحدث معي لكنها كانت دائما توصيني بالصبر، ولكن ما أفقدني صوابي ولم أعد أستطيع أن أتحمل أكثر، هو أن زوجي بدل أن يقف بجانبي ويواسيني ويحس بما أحسه، بدأ ينهال علي بالضرب حتى يرضي أمه وأخواته، وفي نهاية المطاف قرر أن ينفصل عني لأنه لم يعد يتحمل كثرة المشاكل مع أهله ومعي، وجمع لي أغراضي وأتى بي وابنتي إلى بيت أهلي، لا أخفي عليك صدمت كثيرا في البداية، واستمررت لأكثر من سنة وأنا مريضة نفسيا لأني لم أستطع أن أستوعب فكرة أني أصبحت مطلقة، وكيف سينظر لي المجتمع وهل سينصفني، كيف سأتصرف، وما ذنب هاته البنت؟ وما ذنب أهلي حتى يصبروا على وجود مطلقة بينهم، فكرت كثيرا في أن أضع حدا لحياتي، لكني في كل مرة أتردد لأعود وأفكر في بنتي، كيف أتركها ولمن؟ ومن سيحن عليها أو يرأف بها؟ لذلك قررت أن أصمد وأستمر وأقاوم من أجل ابنتي، والحمد لله أحس أني استرجعت عافيتي وثقتي بنفسي.
صحيح أني أعمل كمربية في روض للأطفال، لكنه على الأقل عمل يضمن لي أن أنفق على ابنتي ولا أتركها تحتاج لأي شيء، تقدم لي العديد من الخطاب لكني لا أستطيع أن أفارق ابنتي التي هي جزء مني، كما أن أبوها رجع هذه الأيام ويستعطفني بشدة لأعود إليه، لكني رفضت لأني متأكدة أن الوضع لازال هو هو والحياة هناك ستكون هي هي،… و أنا حاليا لا أفكر في أي شيء سوى في ابنتي وضمان حياة راقية لها لا ينقصها أي شيء”.
مليكة هي واحدة أو لنقل هي نقطة من بحر ما تزخر به مجتمعاتنا من حالات الظلم والتعدي على فتيات لا زلن في مراحلهن الأولى من التعلم من هاته الحياة، ليقذف بهن القدر نحو ظروف وأجواء مليئة بالمتاعب والمحن والتحديات التي تصهرهن وتقوي عودهن وتعلمهن أشياء لم يكونوا ليتعلموها ولو قضوا سنين أعمارهن في الدراسة.
منى هي أيضا واحدة من بين آلاف المطلقات اللواتي تتزايد أعدادهن يوما بعد يوم، التقيناها مرة عند باب المحكمة حينما أتت رفقة أمها وأبيها تحمل طفلها الذي لم يكمل شهره الثالث بعد، تحدثنا إليها حينما كانت تستعد للمثول أمام قاضي التوثيق قصد الطلاق، فهمت من كلامها المتقطع أنها تزوجت قبل حوالي سنة ونصف من شاب يعيش بالمهجر، لم تعش معه إلا أيام زواجهما الأولى، حيث ذهب لإيطاليا على أمل أن تلتحق به عندما تستكمل الأوراق الخاصة بذلك، لتكتشف بعد ذلك أنه متزوج ولا يستطيع أن يأخذها معه لان القانون هناك لا يسمح بذلك، وجدت الفتاة نفسها حاملا واضطرت لتصبر وتعيش مع أهله، لان هذا قدرها ولا تستطيع أن تغيره –على الأقل هذا ما كانت تقوله حماتها- وصبرت الفتاة على الذل والقهر كما عبرت لنا، وكانت دائما تأمل أن تتغير الأوضاع خصوصا عندما تنجب فربما يحرك ذلك شيئا في أبيه ويجمع شمل الأسرة الصغيرة، لكن الأب بخل على إبنه بإعطائه إسما، لم يعترف به ….، وهكذا ووفقا على اتفاق بين أسرته وأسرتها قررا الإنفصال. عجبت لسخافة الموقف أول مرة تلتقي منى زوجها كان عريسا ومهذبا وجاء خاطبا وطالبا يدها، وثاني مرة وبعد غياب أكثر من سنة تلتقيه عند باب المحكمة.. ليمثلا أمام القاضي كي ينظر في شأن طلاقهما….
قصة منى لا تختلف كثيرا عن قصة إمان، فتاة لا يتجاوز عمرها 18 سنة، تزوجت في الصيف الماضي بعد خطبة دامت سنة، كان الزوج إبن عمتها يقطن بفرنسا، أتى وخطبها وعقد القران عليها، وارتأت الأسرتان أن يأجلا حفل الزفاف لحين استكمال الأوراق اللازمة لإيمان حتى يتسنى لها اللحاق بزوجها بالديار الفرنسية، وهكذا كان..فبعد أن استكملت جميع الأوراق وقبل أسبوع واحد على انتهاء صلاحيتها… كان حفل الزفاف، وزفت الفتاة إلى عريسها في ليلة من أحسن الليالي وكأنها من ليالي ألف ليلة وليلة، موسيقى على اختلاف ألوانها وأشكالها و”طلّة” للعروس التي كانت كأنها ملكة من شدة حسنها وجمالها، زفت العروس وهي ترتدي ثوبا أوروبيا ناصع البياض، كانت تبدو فيه وكأنها حورية، بقي معها العريس يومان فقط، وأخذ معه جميع الأوراق والوثائق التي تعبت المسكينة في جمعها وفي التجوال بين القنصلية والسفارة إلى أن استكملتها، وبكل براءة كانت تنتظر إيمان زوجها أن يأتي خصوصا وان الوقت يداهمها فيجب أن يحجزا ويسافرا فورا قبل انتهاء مدة صلاحية الأوراق، لكن أين الأوراق..؟ ربما أخذها زوجها ليحجز لان الوقت لا يسمح بمزيد من التماطل… لتكتشف بعد ذلك أن كل ذلك كان مجرد كذبة كبيرة عاشتها بكل جوارحها وبكل أحاسيسها،”لماذا فعل هذا؟ أليس هو الذي ألح في طلب يدها وفي الضغط على أهلها كي يوافقوا عليه؟ هل هي بشعة لهذه الدرجة؟ ماذا ينقصها؟ وما ذنبها؟ هل هي تصفية حسابات بين العائلة، وكانت هي كبش فداء؟…” جلست الفتاة القرفصاء والأسئلة تنهال على مخيلتها كأمطار الشتاء، لا تحسن لها جوابا، وللأسف لم يستطع أحد أن يحسن لها جوابا…
ما ذنب هؤلاء الفتيات؟ ألأنهن هربن للزواج على رأي المثل (من هرب للزواج هرب للطاعة) يفعل بهن كل هذا؟ وهل القوانين المعدلة في المدونة تستطيع فعلا أن تنصفهن؟ وهل الأزمة هي أزمة نصوص بالمدونة؟ أم هي أزمة تربية وعقليات ومجتمع ككل يجب أن يعاد فيه النظر؟ ما ذنب أولائك الأطفال الذين يولدون وهم يتامى؟ لماذا يسكت الجميع عن هذا؟ بينما تقام الدنيا وتقعد إن لجأت إحداهن للدعارة ربما انتقاما من المجتمع الذي فرض عليهن تلك المواقف غير المحترمة في حياتهن و لا ينصف امرأة مطلقة، أو ربما رغبة في إعالة أولادهن اليتامى المظلومين؟… وهل الأزمة أزمة اختيار واندفاع؟ أم أنها أزمة استهتار وتلاعب وعدم تقدير للمسؤوليات؟… لكن على أي حال يظل ذلك قدرا مقدورا ونسأل الله اللطف فيه.