ما الجديد الذي يمكن أن يحمله اسبوع للآثار المصرية، أو ما يعرف بين علماء الآثار بـ (المصريات)، بحيث ينشد جمهور التلفزيون لمتابعة برامج جديدة على مدى اسبوع؟
تردد هذا السؤال اثناء لقائنا ببعض القائمين على قناة ديسكفري Discovery لمنطقة الشرق الاوسط وافريقيا، اثناء زيارة لمدينة الاقصر المصرية للترويج إعلاميا لهذا الأسبوع.
وكانت الاجابة أن هناك الكثير الممتع والجديد في دراسة الآثار المصرية، كحل لغز ابو الهول وانتحار كليوباترا. وأسرار شخصية لرمسيس من خلال جمجمة ابنه آمون، ومعلومات أخرى كثيرة مثيرة، استخدمت في اكتشافها أجهزة رادار متقدمة وأساليب البحث المتطورة. التفاصيل التي اطلعنا عليها فريق ديسكفري ود. زاهي حواس، ممتعة، وتجعل بث (اسبوع مصر) أواخر هذا الشهر، من قناة ديسكفري ومن خلال (SHOW TIME شو تايم)، حدثا مثيرا للاهتمام. تكشف قناة ديسكفري خلال الفترة من 27 مارس (آذار) إلى 2 ابريل (نيسان)، عن غموض الحضارة المصرية من خلال برنامج »اسبوع مصر«.
البرنامج كان قد حقق نجاحا كبيرا في السنوات الماضية، وقد قررت ديسكفري تخصيص أسبوع آخر هذا العام بعد ان توفرت لديها مواد جديدة متميزة، ارتأت انه من الافضل عدم بثها متفرقة. الاسبوع كان مشاهدو اميركا قد تابعوه اواخر العام الماضي من خلال قنوات ديسكفري الموجهة الى الولايات المتحدة، لماذا اذن تأخر اربعة اشهر لحين عرضه في المنطقة؟ تقول ماريان وليمز نائبة الرئيس للبرامج في الشرق الاوسط وافريقيا: »ان العروض هناك مرتبطة بتوقيت الاعياد والاجازات في نهاية العام، وهو توقيت لم يكن ملائما لمشاهدي الشرق الاوسط«.
لا تعمل ديسكفري على الأخبار الملحة ولا تنافس مانشيتات الاخبار، بل تتركها لغيرها من المحطات التي تلاحق الأخبار الساخنة.
في المراحل التالية تتابع المحطة بعض الاحداث من خلال البحث عن التفاصيل وخلفياتها، او كيف حصلت تلك الاحداث؟. مثال على ذلك حادثة مدرسة الاطفال في روسيا، اذ ديسكفري تعد فيلما عن القصة كاملة وقد يعرض بعد مرور وقت غير قليل على الحادثة. ان تركيز ديسكفري على الافلام الوثائقية جعلها الاكثر نجاحا في العالم على هذا المستوى. وقد وعت منذ بداياتها أهمية ان الجمهور ما عاد ينشد برامج تنجز بكاميرا ثابتة وشخص يتحدث لفترة طويلة، لانها ستكون مملة للمشاهد. وهناك مقولة شهيرة في عالم البرامج التلفزيونية تقول stones and bones are boring أي ان الحكي عن التاريخ القديم والعظام والحجارة القديمة ممل جدا، وغير مثير. كيف ستجعل ديسكفري تلك »العظام« مثيرة اذن؟ تدخل في تنفيذ تلك البرامج الدراما والكومبيوتر، ومختلف التقنيات الحديثة في عالم التصوير والمؤثرات الفنية. أي ان العلوم كانت في خدمة التاريخ. كما ان بعضها اتخذ اسلوب التحقيق البوليسي المتسم بالاثارة. انه نوع من فتح ملفات التاريخ، او احضار اولئك الاشخاص امام المشاهد مرة اخرى. ان انتاج الافلام الوثائقية الحديثة التي تتعامل مع التاريخ، يضع صناع البرامج أمام تحد محوره: كيف تجعل التاريخ حيا؟ هل يتوقع المشاهد اذن بعض المفاجآت في هذا الأسبوع؟ انتحار أم قتل؟ لا يدعي القائمون على تلك البرامج انهم يملكون الحقيقة كاملة من خلال البرامج التي اعدوها. فهم يقدمون كل ما يملكونه من معلومات ويتركون للمشاهد ان يقرر. في الحلقة المعنونة باسم (الوفاة الغامضة لكليوباترا) مثلا، ينطلق السيناريو من التساؤل التالي: ما الذي يدفع امرأة مثلها، كانت في مركز القوة والحكم وتتمتع بالجمال والشباب، كما يخبرنا التاريخ، ان تلجأ الى الانتحار؟ وان لم تنتحر كليوباترا، فهل نفترض انها قتلت؟ ومن الذي قتلها؟ لقد قتلت هذه المرأة شقيقيها لترث عرش مصر عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها، وأفلتت من محاولة اغتيال لتحكم مصر بعد ان تجاوزت العشرين بقليل. ان حياة كليوباترا مليئة بالغموض والاسرار، لكن وفاتها اشد غموضا من حياتها.
وهناك رأي ساد على مدى الفي عام يقول انها انتحرت بلدغة حية سامة. إلا ان العالمة بات براون، مع فريق خبراء، قاموا بدراسة الظروف المصاحبة للادعاء القائل بانتحار كليوباترا. ومن خلال اجراء تحليل طبي لسم الافعى والسموم القديمة، ودراسة الشواهد الاثرية المختلفة اسفل ميناء الاسكندرية، تحاول براون اثبات ان انتحار كليوباترا غير ممكن، وتخرج بنظرية جديدة تدعم فكرة مقتلها.
لغز أبو الهول انه اكبر لغز في علم المصريات، تغلب حتى على بعض قدماء المصريين، وبعد مرور آلاف السنين على قطع أبو الهول من صخر الاديم، يعمل فريق تحقيق عن أبو الهول بالتعاون مع افضل علماء المصريات والجيولوجيا والنحاتين في العالم على جمع اطراف هذه القصة العجيبة. ويستخدم فريق في عمله المسح بالليزر وتكنولوجيا التصوير الرقمي واحدث الابحاث التاريخية ليمنح الحياة من جديد الى اشهر الاثار في التاريخ، ويعيد بناء وجهه الأصلي الملون ليكشف القصة الحقيقية وراءه.
(التحقيق في مكان الحادث) عنوان الحلقة التي تبين لنا مفاجأة اخرى، ان المومياوات موجودة في العديد من الحضارات القديمة، وليست في الحضارة المصرية فقط. انها موجودة في جميع القارات، من سيبيريا الى اليمن، ومن مصر الى الألاسكا. وظل بعضها محميا بعوامل طبيعية، وغيرها تمت حمايته بالمصادفة، ومئات اخرى بفضل اناس أرادوا تذكر من احبوهم. وما تم الحفاظ عليه منها يحتفـظ معه بأسـرار غريبة لا يقدر على النفاذ اليها سوى العلم وحده.
فما هي اسرار الجثث التي ظلت محنطة من القرن السابع عشر الى القرن العشرين في مقابر تحت الارض بايطاليا؟ او مومياوات الديناصورات، وقد تحتوي انسجتها على معلومات مهمة حول مخلوقات اختفت من آلاف السنين. انتقام الفراعنة صعد نجم الدكتور زاهي حواس في العالم أخيرا كشرطي الآثار الخاصة بمصر. انه ورغم حسه الساخر وروحه المرحة، يمارس سياسة حادة تجاه المتاحف العالمية التي سطت على الآثار المصرية، من اجل اعادتها الى مصر مرة أخرى. وفي برنامجي (انتقام الفراعنة، والكنوز المصرية المفقودة) يقوم حواس، وهو رئيس المجلس الأعلى للآثار في مصر بالبحث في القصص التي تتعلق بثلاثة من أهم المشغولات المصرية:
كيف تم اكتشافها وأين هي الآن؟ ومحاولاته لاعادتها الى الوطن. من تلك الآثار المهمة (نفرتيتي)، وتصفها ماريان بانها أشهر النساء في العالم والبرامج عنها الأكثر مشاهدة، وهي عامل جذب شهير في متحف برلين حيث ترقد قبل سنوات طويلة، ولم تعد أبدا الى موطنها الاصلي، فالأمر يتعلق بالناحية الاقتصادية لبرلين، لان نفرتيتي عنصر جذب سياحي مهم، ومتحف برلين لا يريد اعادتها. هناك ايضا (حجر رشيد) الموجود في المتحف البريطاني في لندن، ويشير اسم الحجر الى البحث الكبير في اللغة الهيروغليفية القديمة، فهو يمثل على وجه الخصوص ترجمة للرموز الساكنة من خلال لغة حية.
وفي احدى زياراته الاخيرة الى المتحف البريطاني بلندن، احتج د. حواس على الاهمال الذي يحيط بالحجر، فهو موضوع في زاوية مهملة معتمة. وقد استجابت ادارة المتحف لاحتجاجه وغيرت من موقع الحجر الوردي، كما يعرف في اوروبا، الى مكان أفضل. ينطلق د. حواس في دفاعه من شعور بالانتماء نحو الآثار المصرية، خصوصا الفرعوني منها، فهي مادة تخصصه الاصلي. الا انه لا ينفي اهتمامه بالمراحل الأخرى، القبطية والاسلامية بعصورها المختلفة، كمسؤول عن ادارة الاثار ككل. يذكر ان د. حواس أعاد أخيرا لمصر مومياء رمسيس الأول من متحف كارلوس في اميركا، ويقدم البرنامج تفاصيل التحضيرات الفريدة من نوعها، التي تمت على اساسها رحلة عودة الملك رمسيس الاول الى موطنه الاصلي.